بكثيرٍ من الفن والإتقان والإبداع تمكن الفنان "عبد الغني السلطان" من استمالة الجمهور لتغيير وجهة نظره بالعبد "إيسوب"، عندما أخذه ليغوص معه في رحاب الروح الطاهرة والجميلة لهذا العبد القبيح.

مدونة وطن "eSyria" ذهبت حيث ذهب جمهور "المركز الثقافي"، وغاصت معهم بتاريخ 25 أيلول 2014، في تفاصيل دقيقة يحملها "إيسوب" في داخله، من خلال العرض المسرحي "مونودراما" الذي تفرد به الفنان "السلطان"، الذي تحدث عنه للمدونة: «تعد المونودراما (الممثل الوحيد) من أصعب أنواع الفنون المسرحية، إذ إنها تتطلب استحضار الكثير من المشاعر والأحاسيس، إضافة إلى قدرة الممثل على التعبير الحركي والإيمائي. قمت بهذا العمل بمفردي حيث جسدت شخصية "إيسوب"، ذلك العبد القبيح المنظر لكنه طاهر الروح، إذ يسعى هذا العبد لتقديم كل ما يمكن لإسعاد الآخرين، تاركاً سعادته الشخصية خلفه؛ لكنه يصطدم بواقع مرير، عندما ينكر عليه الجميع هذا الإيثار ولا يقابلونه بالمثل، لكن القناعات التي يحملها "إيسوب" لا تتيح له حرية التراجع أو تغيير مبادئه، إذ يكاد يجزم هذا العبد أن فاعل الخير لا بد أن يصل في نهاية المطاف إلى مبتغاه».

أن مديرية الثقافة تسعى بشكل جاد لإعادة الحياة للحراك الفني في المحافظة، وذلك من خلال تقديم كافة التسهيلات لقيام مثل هذه الأعمال النوعية، التي تساهم في استقطاب المثقف النخبوي إلى مسارح الثقافة، فقد تمكن هذا العمل الذي لم يتجاوز 45 دقيقة من ترك أطيب الأثر لدى المشاهدين، وندعو جميع المهتمين بالمجال الثقافي إلى إنعاش الحراك الفكري بالمحافظة، الذي شهد فتوراً في السنوات الأخيرة الماضية

يتابع: «تسعى الشخصية المحورية في العمل إلى تأكيد أن الحرية التي يروم إليها الإنسان، هي في الحقيقة ليست من أجله وحده؛ بل هي من أجل الإنسانية جمعاء، وعليه يعيش هذا العبد حالة متفردة من النبل والرُقي، لدرجة أنه يضحي بحبه لزوجة السيد التي تبادله نفس المشاعر، ويرفض أن ينساق خلف أحاسيسه مع أنه مجروح من الداخل، ويشير "السلطان" إلى أن هذا العمل بقدر ما يحمل من تعب فهو يحمل متعة أيضاً، ويعد نقطة تحول مفصلية في حياته الفنية».

الفنان عبد الغني السلطان

أما المخرج "إسماعيل خلف" فيقول: «هذا النص مأخوذٌ عن مسرحية "العنب الحامض"، وهي إحدى روائع المسرح العالمي، ويعد هذا النص من النصوص الخالدة. تتحدث المسرحية عن شخصية العبد "إيسوب" وصراعه مع سيده "إكسانتوس"، في سبيل نيل الحرية، حيث يطلب العبد من السيد أن يعتقه بعد أن يقدم له الكثير من الخدمات وينقذه من المآزق، ومن جهةٍ ثانية تصوّر المسرحية حالة من الحب العذري بين العبد وزوجة السيد "كلايا"، وتتجلى أسمى لحظات هذا الحب عندما يقدم العبد وثيقة خلاصه لزوجة السيد؛ قائلاً لها: "حرريني أو ابقيني عبداً"».

يضيف: «لقد تم تحويل النص إلى "مونودراما" حيث يقوم الممثل الرئيسي والوحيد بثلاثة مستويات من الأداء: الأول هو "السرد الحكائي"، والثاني هو تجسيد شخصية "إيسوب"، والثالث هو اللعب على شخصية "إكسانتوس". والفكرة الأساسية تكمن في كيفية "مسرحة السرد"، وهذا الدور يتطلّب ممثلاً ذا إمكانيات خاصة واستثنائية، ويعمل العرض على تقديم فلسفة مفهوم القبح والجمال عبر شخصية وحيدة، هذا الشخص الذي يصلح لأن يكون فزاعةً لتخويف الأطفال، إلا أن منهم من يشعر تجاهه بالحب، وهو أيضاً يشعر في بعض الأحيان أنه يملك الكثير من الجمال والوسامة رغم قباحة الوجه».

أما "تيودورة مراد" فقد أبهرها البعد الإنساني للعمل وعليه ترى: «أن التفرد الذي أبداه الفنان مدعاة للإعجاب، إذ تمكّن "السلطان" من تجسيد الشخصيات بطريقة تشد المتابع لدرجة الاندماج التام بالعمل، وقد تمكن العمل من تأكيد حقائق عديدة، منها أن جمال الروح دائماً يطغى على جمال الجسد، ولأن "إيسوب" شخص غير جميل؛ أراد أن يؤكد من خلال جمال روحه أنه قادرٌ على إسعاد الآخرين، ولو كان ذلك يتطلب ثمناً باهظاً بمقدار حرية المرء، ويرجع الفضل في نجاح هذا العمل للفنان والمخرج معاً، لكن ما أود قوله إن الشخصيات السبع التي نفذها الفنان، والتي ترافق معها تغيير كامل للأصوات؛ تمكنت من نقل المتلقين إلى حيث الحدث».

أخيراً، يبين مدير الثقافة "عبد الوهاب الحسين": «أن مديرية الثقافة تسعى بشكل جاد لإعادة الحياة للحراك الفني في المحافظة، وذلك من خلال تقديم كافة التسهيلات لقيام مثل هذه الأعمال النوعية، التي تساهم في استقطاب المثقف النخبوي إلى مسارح الثقافة، فقد تمكن هذا العمل الذي لم يتجاوز 45 دقيقة من ترك أطيب الأثر لدى المشاهدين، وندعو جميع المهتمين بالمجال الثقافي إلى إنعاش الحراك الفكري بالمحافظة، الذي شهد فتوراً في السنوات الأخيرة الماضية».