لم تنل من الضوء ما يجعلها معروفة لدى أبناء المنطقة التي اكتشفت فيها، فبقيت لوحة فسيفساء "أم حارتين" مكسوة بغبار الإهمال الإعلامي بعد أن أزيل عنها تراب السنين والعصور الماضية...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 17 آذار 2014 الباحث الأثري "أمين قداحة" الذي تحدث عن لوحة فسيفساء "أم حارتين" وبياناتها ويقول: «وجدت لوحة الفسيفساء في قرية "أم حارتين" قرب قرية "العلباوي" التابعة لمدينة "سلمية" إلى الشرق منها، ويعود تاريخها إلى العام 499م، وهي مشكّلة من أحجار كلسية ملونة، مساحتها الكلية حسب ما نقل منها إلى متحف المعرة 103م2 وقد حفظت تحت الرقمين 227 و514، وكانت قبل نقلها ترصف أرضية كنيسة كبرى ذات حنيتين».

وجدت لوحة الفسيفساء في قرية "أم حارتين" قرب قرية "العلباوي" التابعة لمدينة "سلمية" إلى الشرق منها، ويعود تاريخها إلى العام 499م، وهي مشكّلة من أحجار كلسية ملونة، مساحتها الكلية حسب ما نقل منها إلى متحف المعرة 103م2 وقد حفظت تحت الرقمين 227 و514، وكانت قبل نقلها ترصف أرضية كنيسة كبرى ذات حنيتين

تركزت موضوعات اللوحة على رسوم حيوانية من البيئة المحلية بهيئات مختلفة، وعنها يضيف "قداحة": «تتوزع رسوم الحيوانات بعفوية داخل المجازات المكانية الحرة (الفراغات)، حيث يحتل الحيوان الكبير الحيز الأكبر والحيوان الصغير الحيز الأصغر، وكان الهدف من الموضوع هو ملء الفراغات وإنعاش المنظر، وأيضاً كان للنباتات المختلفة من أشجار وأزهار حضوراً أراد منها الفنان أن يبين منظراً من الجنة، خاصة مع إغناء الرسومات بأشجار الفاكهة اليانعة والمتعددة، وهذا يدل على مدى الإيمان من جهة، وشعور بالفرح والمرح والرغبة في الحياة وتذوقها من جهة أخرى».

لوحة فسيفساء أم حارتين

وللتفصيل أكثر عما جاء في اللوحة من رسومات في كل حنية، يقول "قداحة": «الحنية الأولى من اللوحة تضم تصويراً لثورين يقدمان قرباناً (أضاحي)، والطيور حولهما تشرب من رائق هذه الأضاحي تبركاً بقدسيتها، أما الحنية الثانية فقد صور فيها الفنان شجرة العنب وحيوانات من البيئة المحلية أيضاً، كذلك رصف صحن الكنيسة بأشكال لأشجار مثمرة وحيوانات، وهذا يدل على أن سكان البادية وإن كانوا بعيدين عن الأنهار والجبال والبيئة الجغرافية المتباينة بالخضرة النضرة والمياه والأنهار إلا أن أفكارهم وتطلعاتهم كانت دائماً غنية بهذه المشاهد، وما تصوير الثيران في أحد أجزائها إلا دليل على غنى المراعي، كما كان تعدد أنواع الحيوانات والنباتات هو المعنى المراد إيصاله إلى الآخرين، فصور الثور وهو رمز قرباني، والطاووس رمز للخلود، أما الحمامة فهي رمز للسلام وللروح القدس، وقد قام الفنان السرياني بكتابة اسمه على اللوحة».

رافق تلك اللوحة نص كتب باللغة اليونانية، يظهر من خلاله اسم منشئ هذه اللوحة وسبب إنشائها وتاريخها إضافة إلى اسم الفنان وتلميذه، وترجمة هذا النص جاءت في كتاب "سلمية رسائل من التاريخ" على الشكل الآتي: «أيها السيد تذكر في ملكوتك الخوري سيمون المخلص الذي يسعى إلى تطهير نفسه وقد قدم من ماله لتجميل كنيسة القديس يوحنا المعمدان السابق الرسل، قام بصنع لوحة الفسيفساء هذه الفنان "توماس" في العاشر من شهر ارتميزيون (تموز) من عام 811 الموافق لعام 500م، إضافة إلى تلميذه "إيثوس" الذي عمل بجد ونشاط بمساعدة سيده "سيرجيوس بن كونداس"».

النص اليوناني المرافق لـ اللوحة

وللتعرف على الفسيفساء كفن، يقول الباحث الأثري "نزار كحلة": «تعدّ الفسيفساء أحد أقدم الفنون التصويرية التي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات في مكان ما خلال عصورها المزدهرة، ذلك الفن الذي اهتم بتفاصيل الأشياء وخاصة في تلافيف أعماقها، نافذاً من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة، إنه فن التلاحم والتشابك الذي عبر في دلالته عن أحوال أمة ذات حضارة مزدهرة في أحد أطوار التاريخ».

جدير بالذكر أن ورود تاريخ 811 هو حسب التاريخ السلوقي المعتمد في ذلك الوقت؛ الذي يبدأ من العام 311ق.م، وهو تاريخ اتخاذ "سلوقس الأول" لقب ملك.

الباحث أمين قداحة