مطعمٌ استمد اسمه من "سينما الزهراء" في "سلمية" اتكأ عليها فتشارك معها الزبائن، توقفت السينما وبقي مستمراً فأصبح طعم ما يقدمه كأنه مزيج بين الفلافل وبين مشهد من روائع الفن السابع.

له من الذكريات ما يمكن لصاحب هذا المطعم أن يفخر بقوله "كلهم مروا من هنا"، من هنا المقصود بها أمران اثنان الوجبة الشهية والمتعة البصرية.

حاول البعض أن يفتتح مطعماً قريباً من السينما، لكنهم فشلوا بعد مدة قصيرة، ربما لأن شيئاً ما نقصهم، هو التزاوج بين الطعم والمتعة

موقع eSyria وفي يوم الخميس 2 شباط 2012 زار السيد "سليمان خضور" صاحب "مطعم الزهراء" والذي وصل سن التقاعد وابتعد عن العمل منذ سنوات خلت يحكي لنا ذكرياته مع الزمن الجميل لمطعمه الذي جاور سينما الزهراء المتنفس الوحيد لأبناء هذه المدينة، قال: «عادة ما يكون الازدحام لدى المطاعم في ساعات الصباح الأولى بينما كان مطعمي يزدحم بالزبائن عصراً مع بدء عروض الأفلام، كثير من الشباب كانوا يتخذون من المطعم مكاناً ينتظرون فيه اللحظة التي يفتح فيها الباب الرئيسي للسينما».

"مطعم الزهراء"

ويضيف: «ما ميز مطعمي عن البقية هو العشق لهذه المهنة، والصدق في التعامل، وكثيراً ما كنت أبيع "سندويشة" واحدة لزبونين لا يملكان سوى ثمن واحدة».

وتابع قائلاً: «في بعض الأحيان كان يعرض الفيلم لعدة أيام، من هنا كنت أستمع للزبائن وهم يتحدثون عن جودة الفيلم، وكثيراً ما يأتيني أحدهم في الصباح يسألني "عمي أبو أحمد فيلم اليوم حلو؟" وإجابتي تأتي من خلال ما سمعته من الزبائن، في الحقيقة كانت كل الأفلام التي تعرض في تلك الفترة متميزة ونالت رضا الجمهور، خاصة منها الأفلام التاريخية، والهندية».

سينما لزهراء

وختم حديثه بقوله: «حاول البعض أن يفتتح مطعماً قريباً من السينما، لكنهم فشلوا بعد مدة قصيرة، ربما لأن شيئاً ما نقصهم، هو التزاوج بين الطعم والمتعة».

ثم التقينا السيد "علي خضور" ليحدثنا عن نفسه ولماذا اختار هذه المهنة، والتي ورثها عن والده، قال: «منذ وعيت على الدنيا وأنا أتردد إلى مطعم والدي، وفي فترة كنت فيها يافعاً نقوم بمساعدته، رغم أن مساحة المطعم صغيرة ويوجد فيها طاولة واحدة وثلاثة من الكراسي، ومروحة صغيرة، ومسجل كاسيت قديم، حافظت على هذه الموجودات لما لها من ذاكرة ما زالت حية تأتيني من طفولة يتمناها كل إنسان».

صاحب المطعم "علي خضور"

ويضيف: «عندما وصل الوالد إلى سن لم يعد قادراً فيه على العمل كان لابد من الاستمرار من قبل أحد أولاده، وكنت أنا صاحب الحظ في متابعة ما بدأه».

للمكان في ذاكرة الإنسان بقايا مهما كان نوعها تتحول مع مرور الزمن إلى ذكريات جميلة، وها هو الأستاذ "سمير جمول" أحد الذين أنعش ذاكرتهم سؤالنا له عن سندويشة "أبي أحمد" و"سينما الزهراء"، فقال: «الصورة التي تحيي في نفسي كل أنواع الذاكرة "رائحة – طعم- صورة- حركة" ذلك المطعم الذي في الحقيقة هو أشبه بدكان وضعت في أعلى أحد رفوفه عدة "مرطبانات" يبدو أن صاحب المحل لم يكن يحتاجها أو سيحتاجها فهي ممتلئة دائما ببعض "المخللات" منها "مخلل اللفت الزهري" النقي وبين اللون الأصفر لمخلل "الخيار"، و"الفليفلة"، كم كنت أتلهف لتلك السندويشة ترافقها "بصلة خضراء" بينما عيناي معلقتان بباب السينما خوفا من أن تفتح بابها ولا أكون أول المندفعين إلى داخلها».

وينبش من ذاكرته لحظات الانتظار ريثما يبدأ عرض الفيلم، قال: «أحسبها الآن من أجمل اللحظات، الشيء الذي يحيرني الآن أنني لم أكن أستطيع أن أبعد نظري عن تلك الشاشة العملاقة حتى قبل بدء العرض. تلك اللحظات احتفظت بها وأنا مازلت أحاول استعادة جزء ولو صغيراً منها».

وختم حديثه قائلاً: «في هذا الشريط بعض الصور التي أبت إلا أن تقتطع من زمان مضى لحظة فتجعل الذاكرة تمر عليها كل حين فتنتعش حين تتراقص تلك الصور في لحظة صوفية، أتمنى لو أن الذاكرة يمكن أن تورث لورثتها لأبنائي ربما يحققون ذلك الحلم باستعادة النشاط المكون لذلك المكان».

هذه الذاكرة لا تختلف كثيراً عن المكون الثقافي التي خلفته هذه السينما في مستقبل الفنان الممثل "محمد خير أبو حسون" الذي تحدث بإسهاب عن مكان سحري كان البؤرة الضوئية التي ترحل به إلى عوالم خيالية، قال: «السينما بالنسبة لجيلنا كانت أمراً هاماً ولازماً، وأجزم بقولي أنها هي السبب في عشقي للفن، كنت أحب تقليد أصوات الممثلين، وحركاتهم، ومع هذا لا يمكن أن أنسى تلك اللحظات، ثلاثة أشياء "فيلم- سندويشة- وبزر عباد الشمس" ، هذه الأشياء متلازمة لا يمكن فصلها، والسندويشة يجب أن تدخل معنا إلى السينما، نأكلها ونحن نتابع الفيلم، لكن العيون مشدودة إلى تلك الشاشة الساحرة، بالطبع السندويشة من مطعم العم "أبو أحمد خضور" الذي لن يستطيع أي شخص أن يفصله عن طقوس العرض السينمائي في تلك المرحلة من تاريخ مدينة».

السيد "أحمد الشمالي" أحد الزبائن الذين يترددون باستمرار إلى هذا المطعم، قال: «نكهة هذا المكان بطعم الذاكرة الطفولية التي نشأنا عليها، لهذا المطعم ألق يوم العيد، فالعيد في أيامنا تلك كان سينما فقط، لأنه لا يوجد ما يمكن أن يرفه الطفل مثل هذا المكان، ومطعم "الزهراء" المكان الذي يجب أن نصرف ما في جيوبنا كي نشعر أننا في يوم العيد».

غادرنا المطعم، لكننا لم نغادر الذاكرة التي ارتبطت بمكبر الصوت الذي ينقل لنا أحداث الفيلم بالصوت دون الصورة.