متى اتجهت نحو البادية ستقع عينك على الكثير من هذه بيوت الشَعر التي يقطنها البدوي، هي أشبه بعقبان تفترش الصحراء، تفوج منها رائحة الهيل، وتستلذ لطعم القهوة المرّة، "بيت الشعر" كما هو فن العمارة الحديثة، له أصول في التركيب، فمتى كان الأساس متيناً تجنبت رياح الصيف، ومطر الشتاء.

موقع eSyria زار قرية "البارودية" التابعة لناحية "الحمراء" من محافظة "حماة" يوم الثلاثاء 12/5/2009 بدعوة من السيد "أحمد عبد الله عيسى" الذي التقيناه سابقاً في "قصر ابن وردان" وطلبنا منه أن يقوم ببناء "بيت الشعر البدوي" وكان لنا ذلك.

ونقوم بتزيين البيت بجدار مصنوع من القصب، ومجدول بخيطان ملونة ونحن نسميه "الزرب"

بعد أن قدّم لنا فنجاناً من القهوة المرّة، وبعد فترة راحة حيث كنا قد قطعنا مسافة طويلة حتى وصلنا إليه، قام السيد "أحمد" بمساعدة عدد من الشباب، والنسوة لبناء "البيت" موضوع حديثنا هذا.

"أحمد عبد الله عيسى"

عن مراحل تركيبه يقول، لذلك: «أولاً البيت مصنوع من القطن وهو ذو لون أبيض، وهذا فقط لفصل الصيف، وهو يساعد على حمايتنا من أشعة الشمس اللاهبة في هذه الفترة من السنة، وكما هو معروف فإن اللون الأبيض يعكس أشعة الشمس ولا يمتصها».

وكان وهو يمد السقف العلوي للبيت يقول: «أول الأمر نقوم بمد البيت من الشمال إلى الجنوب، لتصبح مداخله متجهة نحو الشرق، ثم نمد الحبال وتعرف عندنا باسم "الطناب" بعد ذلك ندق "الأوتاد" وهي من الحديد، وتعرف عندنا باسم "السكك الحديدية" على مسافات مدروسة بحيث يتم توازن البيت فيما بعد، ويحكم ربط الحبال بالأوتاد الحديدية».

شد "بيت الشعر" بالحبال

وبعد أن ربطت الحبال بالأوتاد جاءت المرحلة الثالثة، وعنها يقول: «نأتي بالأعمدة الخشبية (العمدان) ونبدأ برفع البيت الممدد على الأرض، ونأخذ زوايا البيت أولاً، ومن ثم ندخل تحت البيت لنضع الأعمدة.. كل في مكانه، ويتم رفع البيت بحيث يصبح العمود بشكل شاقولي على الأرض، وهنا تظهر ملامحه بشكل جلي».

بعد أن انتصب البيت، نتجه إلى المرحلة الرابعة، وعنها يقول: «بعد أن يرتفع البيت تأتي مرحلة شدّه بعقدة نسميها "حبقة" والبعض يسميها "النشطة" وذلك بشكل يستطيع فيه تحمل الريح القوية لو حدثت، وهنا نشده إلى أقصى حد، أما في الوقت الذي يكون فيه الجو رطباً وماطراً، نقوم بحل الحبال قليلاً».

تركيب "الرواقات"

بعد أن شدّ الحبال، واستوى البيت، وقد أصبح بإمكاننا الجلوس تحت سقفه.. تأتي المرحلة الخامسة وهي بناء الجدران، وعنها يقول: «نأتي بعد أن انتهينا من البيت الرئيسي لنحيطه بـ "رواق" مصنوع من الألياف أو الكتان، ثم نقوم بتقسيم البيت، إلى مكان للنوم ويسمى "محرم" والقسم الثاني "الربعة" وهو المكان الذي يستقبل فيه البدوي ضيوفه، أو كما يقال عنه "مجلس الرجال" ويمكنك أن تدخله حتى وإن لم تجد أحداً، فبيت البدوي لا يغلق بوجه قاصده».

ويتابع قائلاً: «ونقوم بتزيين البيت بجدار مصنوع من القصب، ومجدول بخيطان ملونة ونحن نسميه "الزرب"».

بعد ذلك تأتي مرحلة فرش البيت، وهنا يذكر لنا ما يمكن أن يوضع في البيت، فيقول: «نحن اليوم مقبلون على فصل الصيف، وفي هذه الأيام تفرش الأرض بحصيرة من النايلون لإعطاء البرودة التي ننشدها نتيجة القيظ، ولا ننسى وجود المساند ونحن نسميها "المراكي"، وفي "الربعة" لا بد من وجود مكان لغلي "القهوة المرة" واسمها "النقرة" وهي دائمة الاشتعال بتزويدها من الحطب اليابس، وتوضع عند زاوية "الربعة" بعيداً عن طريق الدخول، لأن الباب واسع جداً، وهذا دليل الكرم والطيب».

ومن ملحقات البيت البدوي يذكرها السيد "أحمد عيسى" قائلاً: «نبنى بيتاً صغيراً تعمل النساء فيه على تحضير الطعام ويسمى عندنا "العزبة" والبعض يطلق عليه اسم "خربوش"، وبعيداً عن البيت يبنى "البراز" وهو خاص ليوم العرس».

وعن "البراز" يقول: «يبنى هذا البيت عندما يقرر أحد أبناء العائلة الزواج، و"البراز" عبارة عن جدران بلا سقف، يوضع بشكل دائري بحيث يجهز بفرش سميك وأغطية ومساند، ويزف العريس إليه في الوقت الذي تنتظره العروس داخل هذا "البراز" ويقيم فيه العروسان ليلتين أو ثلاثة، ثم يزال من مكانه».

ومن العادات التي يتبعها البدوي أثناء دخول البيت غريباً كان أم صديقاً، يقول السيد "أحمد عبد الله عيسى": «لا بد من المناداة باسم صاحب البيت بصوت عالٍ، (يا أهل البيت، يابو فلان) فإن ظهر له أحد سكان البيت قال له: (هلا ورحب.. اقلط جاي يا خوي) وكلمة (اقلط: تعني ادخل إلى هنا واجلس) وعلى الفور ستأتيك القهوة».

ولا يسأل البدوي ضيفه إلا بعد ثلاثة أيام.