فوق هضبة صغيرة، وإلى الشمال من "سلمية" بخمسة كيلومترات، في قرية "الصيّادة"، أنت مدعو لزيارة مقام "فرج أبو حيّة" إن كنت تعتقد بحقيقة هذه الأماكن، أو لحب الاطلاع، وإن امتنعت، فإن شيئاً ما سيحرك فيك حب الفضول لمعرفة هذا المكان، في نهاية الأمر ستضطر لزيارته، وستجد نفسك تطوف حول قبرين، لا لشيء، بل لتقرأ، وتشاهد، ما سر هذه الأماكن عند الناس.

مدونة وطن eSyria قامت بهذه الزيارة يوم الاثنين 6/4/2009، في الوقت الذي بدأ التوافد إلى هذا المكان من أماكن مختلفة.

هذا ضريح "سليمان السبسبي" وهو من رجال الله الصالحين

فالتقينا الشيخ "أحمد الحسين" إمام الجامع المجاور للمقام، والمشرف على المقام. والشيخ "أحمد" من مواليد 1940، وهو يخدم في هذا المكان منذ /15/ عاماً.

الشيخ أحمد الحسين

فمن هو "فرج أبو حيّة" سؤال أجاب عنه الشيخ بالقول: «هو السيد "محمد" والملقب بـ "فرج أبو حيّة" وهو ابن السيد "جميل" وسبب ورود "حيّة" في اسمه، بسبب خروج "أفعى" من داخل القبر لحظة وجود مريض نائم بجوار المقام، في النهاية الشفاء من عند رب العالمين، ولكن العرف شاع بين الناس، أن للأولياء الصالحين كرامات عند الله، وعن طريقهم يرسل الله الشفاء، فالولي وسيط بين الله والبشر».

ويتابع قائلاً: «والسيد "محمد" يعود بنسبه إلى "أهل البيت" الذين هم بغنى عمن يفخّم بهم».

مريضة تزور المقام

ولأن للسيد "محمد" قصة فريدة من نوعها جعلته يتبوأ هذه المكانة، سألنا الشيخ "أحمد" عنها، فروى لنا الحادثة: «هو بدوي من قبيلة "النعيم" توفي والده، فعاش في كنف عمه "عز الدين أبو حمرة"، وكان العم ممن يلجأ إليه الناس في قضاء حاجة تتعلق بمس الجان، والصرع، ووجع الرأس، فكان يقرأ عليهم من كتاب الله، ويشفى المريض، وهذا كله عائد إلى قناعة المريض بأن الشفاء لا يأتي إلاّ عبر الأولياء الصالحين».

ويتابع: «ولد السيد "محمد" في قرية "الجمّالة" وإليها نسب "بني الجميل" والموجودين في "حلب". وصادف أن سافر العم في مهمة خارج القرية، وجاء صاحب حاجة، فتولى أمره السيد "محمد" ونجحت "رقيته"، عرف العم أن ابن أخيه صاحب سر، فبدأ يرسله في رعي "الجِمال" في وادٍ قريب من قرية "الجمّالة"».

بانتظار خروج الحية

وافتضح أمر السيد "محمد"، فكيف تم ذلك، وهنا يقول: «للسيد "محمد" ابنة عم اسمها "حمرة"، انتبهت لرائحة "بعر الجمال" فقالت لوالدها إن هذه الرائحة لا تأتي إلا من نبات "الروته"، فسألها أبوها: (ألا يوجد عندنا "روته" بالمرعى؟) فقالت له: (كل الذي يوجد لا يطعم "بعيراً" واحداً، ورائحة "البعير" على هذه الحال منذ استلم السيد "محمد" رعيَها) وتابعت تقول: (يوجد منها الكثير في "البلعاس") فقام العم بمراقبة ابن أخيه، ووصل السيد "محمد" إلى المرعى، والعم يراقبه خلسة، ركب السيد "محمد" على ظهر أحد "الجمال" ثم قرأ شيئاً لم يتناه لمسمع العم، ولكنه رأى كيف ارتفعت "الإبل" وطارت باتجاه الشرق، وعادت عند المساء إلى المرعى، والعم ما زال يراقب بدهشة».

ولكن للحكاية بقية، وهنا يكملها الشيخ "أحمد" فيقول: «اجتمع السيد "عز الدين" بابن أخيه وقال له: (يا ابن أخي.. رعي الإبل ليس عملك.. اجلس في البيت، وسيقوم بالرعي شخص آخر). وجلس السيد "محمد" في مضافة عمه، وغاب العم عن القرية في زيارة إلى "حمص" وجاء البيت صاحب حاجة، وسأل عن السيد "عز الدين" فقيل له إنه مسافر، لكن السيد "محمد" طلب من صاحب الحاجة أن يقرأ على مريضه بعض الآيات القرآنية، وقال: (لعل الله يفرجها عليه)، وتعافى المريض، وذاع صيت السيد "محمد" ودبت الغيرة عند العم، فطلب من ابن أخيه أن يختار البقاء، ويرحل هو، أو العكس، لم يقبل السيد "محمد" أن يخرج عمه من قريته، فقرر الرحيل، ومن هنا بدأ انشقاق النسب، فمن بقي مع السيد "عز الدين" سموا "النعيم" ومن آمن بقدرات السيد "محمد" أصبح "جميلياً" نسبة لوالد السيد "محمد" ومن تلك الحوادث أطلق عليه اسم "فرجها الله"، واستقر فيه المقام شمال "سلمية" في حين تقع قرية "عز الدين" إلى الجنوب الغربي من "سلمية" وأخذت هذا الاسم نسبة للسيد "عز الدين"».

ونفى الشيخ "احمد" الرواية التي تنسب إلى "فرج أبو حيّة" بأنه قتل "الشمر" قاتل الإمام "الحسين بن علي بن أبي طالب" عليهما السلام، وقال: «الفارق الزمني كبير بين الحادثتين، ولا يمكن أن تكون هذه الرواية صحيحة».

ويضيف: «هناك رواية تقول إن اسمه "السمعليل" فهل كان هناك عند أهل البيت "سمعليل"».

ويوجد تحت قبة المقام قبران، فعرفنا الأول لمن، وسألنا عن صاحب القبر الثاني، فأجابنا: «هذا ضريح "سليمان السبسبي" وهو من رجال الله الصالحين».

وعن قصة خروج "الحيّة" ومرورها فوق جسد المريض أثناء نومه بين القبرين وحيداً من المساء حتى الصباح، يقول: «ما "الحيّة" إلا رمز، فهي بالحقيقة، هالة نورانية تظهر على شكل "حيّة"، ولكن المتعارف عليه عند العامة أنها "حيّة" تعيش في داخل قبر السيد "محمد" وعندما تخرج فهذا يعني أن المريض سيشفى، أما عكس ذلك فهذا يعني أن المريض لن يشفى، وهذا يعود لقناعة المريض، أو عدمها، فيقال إن من يعتقد بحقيقة هذا الأمر ستظهر له "الحيّة" وسيشفى، أما الشخص الذي لا يعتقد بهذه القدرة الخفية، فلن تظهر له».

وعن سلالة "فرج أبو حيّة" يقول: «له عدد كبير من الأبناء، من البنات "سرحا" وهناك قرية باسمها، "رحيّة" كذلك يوجد قرية تحمل اسمها، وولد اسمه "أبو حنايا" وهي اسم قرية أيضاً، وولد اسمه "جحم" وتوجد قرية باسمه تدعى "وادي جحم"، وله ولد اسمه "محمد الصالح" وذريته في "حلب"، معروفون بـ "الجميلية"، وآخر اسمه "منصور" وذريته في "دمشق"، والأخير "علي" الذي استوطن في العراق، وذريته في مدينة "الفلوجة" ويحكى أن الجيش الأمريكي عانى كثيراً في "الفلوجة" من رجال يرتدون الملابس الخضراء، ولكنهم يمرون كلمح البصر».

وتوجهنا مساءً لنسأل الأستاذ "حسن القطريب" عن مقام "فرج أبو حيّة" فقال: «كان معبداً وثنياً، ثم تحوّل إلى كنسية مسيحية، بعدها إلى "دير"، وما يشير إلى هذه الحقائق، هو المكان الذي يتوضّع فيه "مزار فرج أبو حيّة" فقد وجدت بعض الآثار وبقايا بيوت قديمة ترجع إلى العهد البيزنطي المسيحي، وقبلها الآرامي، وهناك العديد من المقابر القديمة من ذلك الزمن، وتعرضت للهدم في فترات متلاحقة، ثم أصبح هذا المكان مسجداً للمسلمين، ما يعني أننا في مكان لا يقتصر على كونه مزاراً في هذه الفترة، يؤمه من نفض يده من الطب، فاللجوء إلى الأولياء الصالحين ما زال يبعث في نفوس العامة شيئاً من التسليم بإمكانية القفز فوق كل التوقعات، والنظريات الطبية، فلهذه المقامات، "كرامات" كما يقال، فالله هو الشافي، وما هم إلا وسطاء للخير».