لحقيقة الاسم روايات عدة، ولكن ما يمكن أن يجمع بينها هو أحرفها التي اجتمعت لتحقق السلم لكل من قصدها عبر مراحل تاريخية مختلفة، إنها المدينة التي يعرفها القاصي والداني بولع أهلها بالثقافة، مدينة لا تشبه إلا نفسها، إنها "سَلمية".

مدونة وطن eSyria في 29 تموز 2012 تلقي الضوء على هذه المدينة التي عرفت أنها "عروس البادية"، وأكد عميد الأدب العربي "طه حسين" بأنها "أم القاهرة" و"المهدية" وهذه حقيقتها. أن تعرف تاريخ مدينة ما، ابحث في تاريخ الأدب لتعرف قيمتها، وما انفك شاعر زارها إلا وكان لها نصيب من شعره، ليس تملقاً بل هي حقيقة كل ما قيل.

إن التسمية قد تكون نسبة لمئة نفس نجوا من أهل المؤتفكة الذين نزلوا منطقة "سلمية" وعمروها وسكنوها فسميت "سلم مئة" وتم تحريفها لتصبح "سلمية"

عن موقعها تحدث لمدونة وطن eSyria الدكتور الجغرافي "محمد الدبيات" رئيس جمعية أصدقاء سلمية، قال: «تقع "سلمية" وسط سورية في الجهة الأميل للغرب عن طرف بادية الشام ويحدد خط العرض 35 شمالي خط الاستواء وخط الطول 37 شرقي غرينتش موقعها بالنسبة للشرق الأوسط، تبعد عن مدينة "حماة" /35كم/ وعن مدينة "حمص" /42 كم/ وترتفع تقريباً /500كم/ عن سطح البحر، وتقوم في الطرف الغربي لسهل كبير يمتد من "جبال البلعاس" شرقاً، إلى جبال "عين الزرقاء"، و"نهر العاصي" غرباً، ومن سلسلة "جبال العلا" شمالاً إلى "جبال الشومرية" جنوباً ولا تبعد "سلمية" عن "نهر العاصي" في موقع "القنطرة" أكثر من /15كم/».

"سلمية" عام 1899 بعدسة رحالة ألماني

في كتابه "سلمية في خمسين قرناً" تحدث الباحث والكاتب "محمود أمين" عن إعمار سلمية، قال: «يعود البناء الأول إلى العصور اليونانية والذي كان فيها "مقام الإمام إسماعيل" معبداً للإله "زيوس" الذي تحول في العهد الروماني إلى معبد "جوبيتر"، ثم إلى كنيسة بعد انتشار المسيحية، ومسجد في العهد الإسلامي».

أما "ياقوت الحموي" فقال في إعمار "سلمية": «المؤتفكة هم بناة "سلمية" وليس "عبد الله بن صالح العباسي" والظاهر أن أهل المؤتفكة هم معمرو "سلمية"، ولكن من أشهَر المدينة بعدئذ هو "عبد الله بن صالح" إذ أكدت الروايات التاريخية أنها كانت خرباً وسكانها هم فقراء المؤتفكة، رأى "عبد الله بن صالح العباسي" بعينه البصيرة أهمية موقع "سلمية" بتوسطها بلاد الشام ومجاورتها للبادية والطرق التجارية العابرة فيها فسكنها وأقام فيها السوق لمدة ثلاثة أشهر، وكانت السوق وسط المدينة ما تعرف اليوم بقلعة "سلمية" المهدمة ويجلس الجباة على الباب يجمعون المكوس لمن يرغب للاشتراك بالسوق ومن هنا جاء إشهار مدينة سلمية في حواضر بلاد الشام كمدينة تجارية».

الساحة العامة

ويتحدث الباحث "محمود أمين" في كتابه آنف الذكر عن حقائق مقربة إلى أصل تسمية "سلمية" بهذا الاسم، قال: «إن أصل تسمية "سلمية" قديمة ولا تتوافر معلومات دقيقة حول نشأتها الأولى باستثناء تسمية السلوقيين لها باسم "سلاميس" إذ تشتق تسمية "سلمية" من "سلاميس" المعركة التي انتصر فيها اليونان على الفرنسيين سنة /488ق.م/، وربما من اسم مدينة "سلاميس" اليونانية على بحر "إيجة"».

قال "قتيبة الشهابي" في أحد مؤلفاته: «إن التسمية قد تكون نسبة لمئة نفس نجوا من أهل المؤتفكة الذين نزلوا منطقة "سلمية" وعمروها وسكنوها فسميت "سلم مئة" وتم تحريفها لتصبح "سلمية"».

"شارع حماة"

ومن الناحية الأثرية يذكرها الأستاذ "علي كلول" رئيس لجنة الآثار في جمعية العاديات في سلمية: «أهم الآثار الموجودة في "سلمية" المدينة: "مقام الإمام إسماعيل"، و"الحمام الأثري" والجزء المتبقي من سور "قلعة سلمية" التي تعود للعهد اليوناني وامتداده الروماني، "مقهى الجندول"، "خزان سلمية الأثري"، ما تبقى من أطلال "قناة العاشق"، وربما تتربع "قلعة شميميس" على قمة هذه الآثار والتي يتخذها أهل "سلمية" رمزاً لهم».

ويقول الباحث "علي محمد أمين" وهو مجاز جغرافيا عن حال الزراعة فيها: «تبلغ مساحة منطقة سلمية /5277000 / دونم، وتشكل /59 ـ 60 %/ من مساحة محافظة حـماة، وبلغـت مـساحة الأراضي المستثمرة/ 312000/ دونم. (25%). والأراضي الحراجية (676500) دونم. والبادية التابعة لها /789500/ دونم. حيث تشكل نسبة / 5ر53% /، ويعتمد اقتصاد سلمية على الزراعة وتربية الحيوان اعتماداً على مياه الأمطار إذ تخلو "سلمية" من أنهار دائمة الجريان وتملك فقط أودية سيلية وينابيع جفت في الخمسينيات بفعل استنزاف المياه الجوفية ويبلغ عدد أقنيتها /300 قناة/ تعود للعهد الروماني».

ويكمل: «أهم الزراعات هي: القمح، والشعير، والكمون، والقطن، والبصل، وأشجار اللوز، والمشمش، والزيتون حديثاً، وتعتبر تربية الدواجن من أهم عوامل الاقتصاد وتشكل ما نسبته 30% من إنتاج الدواجن في سورية، ومنذ العام 1979 كانت الدولة تنوي شق قناة مياه قادمة من "نهر الفرات" ما يجعل منها واحة خضراء وسط سورية، وما زالت هذه القناة الحلم محط اهتمام أهل المدينة وما يتبعها من قرى تصل حتى حدود محافظة "الرقة"».

ـ سلمية في فكر الأدباء والشعراء:

في دراسة للدكتور الأديب الراحل "سامي الجندي" قال: «قال لنا "أيوب الراهب": "كانت "سلمية" من مدن السلام السبع في الإمبراطورية البيزنطية, إذا دخل المجرم أسوارها كف العسس عن ملاحقته. كانت ملجأ للخائف والشقي. اختارها "أنطيوخوس الثالث- السلوقي" لابنته "سلامنياس" منتجعاً حين أصيبت بالسل، أطلق اسمها على المدينة حين ماتت وهي منذئذ بلد الموت النبيل».

ويتابع: «حين ينزل المطر- وقليلاً ما ينزل المطر- تندّ عن أرضها رائحة الطين التي ولد منها آدم، وسريعاً ما تنبت زهور بآلاف الألوان، فرح ولمعان زهورها بساط يمتد حتى تخوم الجفاف، الذي ما يلبث أن يطوله حتى موسم آخر، تبقى حتى حين يعم الجدب على أهبة زهر وعطاء. كأنّ زهورها لا تغفو ولا تفنى، مولعة بكرم مجنون: نؤوي الدخيل حتى الفَرَجْ، ونُطعِم الجائع حتى جوعنا، لا نفرق بين القادمين إلينا ما دامت تجتذبهم زهور بساطنا».

بينما قال عنها شاعرها الكبير "محمد الماغوط" بما يحفظ عنها في ذاكرته: «ما أتذكره، أن الموت كان طبيعياً في تلك القرية، ضروري ومتوقع في كل لحظة. وعلى هذا الأساس، كان أطفال القرية شرسين كالحشرات، ورجالها لا يتورعون عن ضرب أشجارهم بالسوط، لأنها لم تثمر في الوقت المحدد. حتى دجاجها كان يصرخ باستمرار كأنه مصاب بذات الرئة. وقلما تجد دجاجة حية أو ميتة إلا وعلى رأس منقارها قطرة أو قطرات من الدم. وعلى العموم كانت "سلمية" نقطة زيت كبيرة في ماء الوطن. ولقد فكرت السلطات المتعاقبة جدياً في تقطيعها كالحية هي وكهولها وشبابها ومقابرها ووضعها داخل كيس ثم قذفها إلى الجحيم».

أما المفكر الدكتور "إبراهيم فاضل" فقال في مدينته التي يأبى الابتعاد عنها: «وتحت سريرك الأرضي قامـت/ مدارس خرّجـت قمـم الرجال/ بنوا دول اليقين ومبتغاهـا/ شفـاء الفــــــكر من داء عضـال/ فمن صنعاء للبحرين آضت/ إلى خضـراء تونس بالكمال».

ـ أعلامها من الشعراء: "محمد الماغوط"، "علي الجندي"، سليمان عواد"، "أنور الجندي"، "فايز خضور"، " منذر الشيحاوي"، "علي سفر"، "أكرم قطريب"، "خضر الآغا"، "خضر عكاري"، "نصر علي سعيد"، "أحمد درويش"، "محمد مصطفى درويش"، والقائمة لن تنتهي.

ـ أعلامها من الكتاب والمفكرين: "إبراهيم فاضل"، "حسن القطريب"، "سامي الجندي"، "عبد الكريم محفوض"، "خضر العلي محفوظ"، "عبد الرحمن الضحاك"، "خالد الماغوط"، "عارف تامر"، "صدر الدين الماغوط"، "عبد الكريم إسماعيل"، "محمد صادق الدبيات"، "فاطمة النظامي"، "فاطمة غيبور".

ـ أعلامها من الفنانين: "سلافة معمار"، "ديمة الجندي"، "عاصم الحواط"، "مهيار خضور"، المطرب الشعبي "محمد صادق حديد"، "محمد خير أبو حسون"، "أمل حويجة"، "أمين الخطيب"، "علاء الدين الشعار"، "الفوز طنجور"، "عبد الله الجندي"، "نزيه عيسي"، "أمين الصغير" و آخرون يصعب ذكرهم.

ونعتذر من الأسماء التي لم نذكرها في هذا المساحة لأنها كثيرة جداً وفي كافة الميادين الفنية، والأدبية.