بالقرب من مقبرة القرية وإلى الشمال الغربي من قرية "بري الشرقي" يقع مقام لأحد الأولياء الصالحين كما يحلو للبعض أن يخرج من عباءة القداسة ليكون أكثر واقعية وأقرب إلى المنطق، وقريباً من العقل، هذا الولي الصالح هو بنظر الكثيرين من أبناء هذه القرية "نبي" وله واجب تقديم "النذر" والقصص على ذلك كثيرة.

موقع eSyria زار المقام، وجال في القرية بحثاً عن معلومة تفيد، لكن الأمر في غاية الكتمان، وليس تكتماً بل خوفاً من الوقوع في الخطأ، فلا أحد يريد أن يضع في ذمته تفسير العلاقة التي تربطهم بهذا المقام.

يحكى أن الراعي ترك العمل ورحل من المنطقة كلها متى افتضح سرّه

أخيراً اهتدينا إلى الباحث "غسان قدور" وهو المكلف من قبل لجنة حفظ التراث المادي واللا مادي في محافظة حماة، وأفادنا بما توصل إليه من حقيقة "النبي برّي"، والبداية كان حديثه عن سبب تسمية "النبي"، فقال: «استفسرت عنها فلم أجد جواباً شافياً، لكن أحد الرجال أشار إلى لفظ بدوي يدل على معناها، فيحلل قائلاً: كلمة "نَبي" تعني "نبغي" والتي بدورها تدل على "الطلب" أي "نطلب"، فيؤدي ذلك إلى معنى "نسعى"، تقول الأعراب "نَبي بري" أي نسعى للوصول إلى "برّي"، قد يكون هذا التحليل أكثر إنصافاً».

مقام "النبي برّي" من الداخل

ويتابع: «يعتقد البعض أن كلمة "نبي" ربما جاءت من كون صاحب هذا المقام هو من أصحاب "الكرامات"، ويقوم بأعمال خارقة لا تدخل في عقل، وربما لكونه ينتمي إلى "أهل طريقة"، لهذه الأسباب مجتمعة ربما كانت هذه التسمية».

لماذا كان لصاحب القبر الموجود في المقام هذه القدسية التي توارثها أبناء القرية عن الأجداد، يقول السيد "منجد صادق الشعار" وهو مجاز في الحقوق، ومن أبناء ناحية "بري الشرقي": «روي أن صاحب هذا المقام كان يملك من "الجِمال" والأغنام الشيء الكثير، وكان يقوم على رعايتها والإشراف على إطعامها في المراعي رجل من "الدراويش"، وكان هذا الراعي يذهب بالقطيع خلف "الضهرة" وهي مكان مرتفع يقع شرقي الناحية، لكن هذا الفعل لم يطمئن مالك القطيع الذي سأل الراعي أين يذهب بالقطيع، فكان يقول له خلف تلك "الضهرة"، لم يقتنع المالك فعمل على مراقبة الراعي، وفوجئ عندما شاهد الجمال والأغنام تطير في السماء بعيداً، يحكى أنها كانت تصل إلى "جبل البلعاس" بمسافة تبعد حوالي خمسة وأربعين كيلو متراً».

الباحث "غسان قدور"

ويضيف: «يحكى أن الراعي ترك العمل ورحل من المنطقة كلها متى افتضح سرّه».

وتحليلاً لهذه الحادثة روي عن لسان المدرس "ظافر الضمان" أن رواية رعي القطيع في "جبل البلعاس" أمر وارد، محللاً: «يمكن لأي راعي أن يسير بقطيعه مسافة خمسة وأربعين كيلو متراً في زمن يقدر بساعتين ونصف، والعودة مثلها ما يعني أن الرواية صحيحة ولكن ليست كما يحكى أن الجمال تطير في السماء».

المقام من الخارج

من هو "النبي برّي"؟ وما علاقته بأولياء صالحين أُخَرْ لهم نفس هذه القدرات، وكثيراً ما تتشابه أفعالهم، يقول الأستاذ "غسان قدور": «يقال أن اسمه "الفضل بن مهنا" وفي مكان آخر حيث اطلعنا على شاهدة القبر المدفونة في حوض القبر الثاني كتب عليها: توفي في العشر الأول من "شهر صفر" سنة ستمائة وسبع وأربعون، وأكد هذا الرقم قول أحد الزائرين القادمين من العراق الذي ذكر هذه السنة».

ويتابع: واطلعنا كلك على شاهدة قبر أخرى لم نستطع إخراجها، وبعد غسلها بالماء قرأنا: «هذا ضريح العبد الفقير لله تعالى "فضل بن عيسى" تغمده الله برحمته».

ولأن الحكايات تروى، ومنها ما يتشابه، قيل أن "النبي برّي" بما يحمله من قوى خارقة شبيهة بالتي قيلت عن "الشيخ فرج أبو حيّة" ومقامه في "سلمية"، وكذلك "الشيخ عز الدين" ومقامه في قرية حملت اسمه تقع إلى الجنوب الغربي من "سلمية" باتجاه مدينة "حمص"، إضافة إلى رابع مدفون في العراق، هم في الحقيقة إخوة، والبعض يقول أن "الشيخ عز الدين" هو عم لـ"فرج".

من هو "النبي برّي" في عيون أبناء المناطق المجاورة للمقام، يقول السيد "غسان قدور": «إثر تصادم ميكرو باص ينقل طلاباً إلى "سلمية" مع شاحنة كبيرة راح ضحيته خمسة قتلى واثني عشر جريحاً، باتت الأحلام تقض مضجع البعض من النساء ومفادها أن "النبي برّي" يتوجه باللوم من أهالي القرية بسبب ما لحق مقامه من إهمال وتوعّد اللاتي رأينه في المنام أنه سيأخذ خيرة شباب القرية، وانتشر الخبر وتبرع عدد من الأهالي لإعادة إعمار المقام، وبات عرفاً لدى سكان القرية أنه يتوجب عليهم تقديم الذبائح كنذور تذبح في محيط المقام لتوزع على الفقراء والمساكين والزوار».

لكن أحده رفض الانصياع لقانون الذبيحة والتي تؤكد أن كل دابة تلج المقام إلى الداخل باتت في ذمة المقام وأن على المالك أن يجعل منها نذراً، فتذبح وتوزع، يقول الأستاذ "غسان": «رفض صاحب "المرياع" الذي دخل المقام أن يذبحه، بل أصر على دخول "المرياع" ثانية وثالثة، وكأن في الأمر شيء من التحدي، لكن يقال أنه بعد مرور عدة أيام ماتت "المرياع"».

فهل انزل "النبي برّي" عقابه بالراعي؟؟!!

في وصف المقام نقول: «هو عبارة عن غرفة إسمنتية كبيرة ذات لون أبيض من الخارج، وترتفع فوقها "قبة بيضاء اللون أيضاً، وإلى الشمال الشرقي بقليل أقام الأهالي مرفقاً عاماً لتقديم الخدمة للزوار، ولكن يحكى أنه كان عبارة عن غرفة ترابية سقفت بأعمدة خشبية، وأبوابه من الخشب، والغرفة مبينة على شكل عقود حجرية، وقديماً كان يوجد بالقرب منه "جرنان" من البازلت، إضافة إلى شجرتين من "التين"، وداخل الغرفة يوجد قبرين أحدهم مجهول الهوية».

فهل رضي "النبي برّي" عن أهالي ناحية "بري الشرقي" أم أن عليهم تقديم الذبائح وبشكل دائم؟.