مضافة للزوار أساسها الطبيعة البرية، يجالس أبناء "دير ماما" زوارهم تحت ظل أغصانها العملاقة، لجمالها ورحابتها وقيمتها التراثية في الطقوس الاجتماعية المتناقلة عن الأجداد القدامى.

حيث تعد شجرة السنديان العملاقة المميزة في الحارة القبلية بجانب نبع "عين القبلية"، مضافة أبناء قرية "دير ماما" حتى الآن، لأن طقوس زيارتها والجلوس تحت رحاب ظلها الوارف، مدعاة حديث أبناء القرية لكل زائر يسأل عن المواقع المميزة في القرية، لذلك كانت هذه الشجرة محور حديثهم لمدونة وطن "eSyria" خلال زيارة القرية بتاريخ 15 كانون الأول 2014، وقد تحدث عنها السيد "أحمد حامد عباس" مختار القرية، فقال: «منذ القدم وشجرة السنديان بجانب مقام الشيخ "مسلم البيضة" هي مقصد لجميع أبناء القرية ومحيطها، للتنزه بجانبها والتمتع بجمال الطبيعة ومشهدية الشجرة الباسقة بالارتفاع والممتدة أغصانها إلى أكثر من خمسة وعشرين متراً على مختلف الجوانب والاتجاهات، فهي لها من الحياة التراثية الديرمامية الكثير من الطقوس المتوارثة من القدم.

بجانب الشجرة فتحة نبع ماء يظهر في فترات غير محددة من السنة، كما تتواجد جلسات إسمنتية نظيفة ليجلس عليها الزوار

فقد استفقنا على الحياة والجميع يكنُّ لهذه الشجرة الاحترام والعناية، بخلاف بقية أشجار السنديان المنتشرة في القرية، وأعتقد أن جمالية الجلسة الطبيعية بجوارها له دوري كبير في محبة الناس لها، ناهيك عن مكانتها في العرف والتقاليد التراثية، بكونها بجانب مقام ديني.

الحجم الكبير للشجرة

في السابق كما الآن عندما يأتي إلى القرية ضيف زائر، يجب أن يرى ويتمتع بجمالية شجرة السنديان العملاقة، ويجب أن يجلس تحت ظلها ويتابع جماليتها وتميزها البصري والشكلي، حيث يأخذ قسطاً من الراحة ويتمتع بنقاء الهواء وجمال الطبيعة المحيطة، وهنا نكون قد قدمنا لهذا الضيف الزائر حكاية طقوس متوارثة عمرها عدة قرون من الحياة والفرح والمتعة والقدسية».

وفي لقاء مع الجد المعمر "عباس إبراهيم شمسو" من أبناء وسكان قرية "دير ماما" قال: «كانت شجرة السنديان العملاقة بجانب نبع "عين القبلية" مضافتنا التي من خلالها نستقبل ونرحب ونعتز بضيوفنا، فنفرش لهم الجلسات العربية كما في السابق، أو الكراسي الخشبية الصغيرة على حد سواء كما في وقتنا الحالي، ليتمتعوا بجمالية أكبر شجرة في منطقة "مصياف" من حيث عمرها ومساحة ظلها الذي يتجاوز الدونم من الأرض، وشكل أغصانها وتفرعاتها المستقيمة الممتدة كما الأذرع، وهذا التميز في الشجرة خبرته من خلال زياراتي لأغلب قرى وبلدات المدينة "مصياف" للتأكد من تفردها بهذا التميز».

فتحة يخرج منها نبع الماء بجانب الشجرة

ويضيف الجد "عباس": «لا أحد يستطيع أن يؤكد إن كانت أهمية الشجرة نابعة من تميزها الطبيعي أم نتيجة وجودها بجانب المقام الديني، ولكن أنا شخصياً أقول إنها جمعت بين التميزين معاً، فكلاهما يكمل الآخر ويصب كمضمون في الآخر، لذلك لاقت على عمرها المديد الأهمية والعناية الكافية، حيث أذكر وبحسب الروايات القديمة التي سمعتها من والدي وقبله جدي، أن أهالي القرية القدامى كانوا في السابق يحيطون جذع الشجرة الغض نوعاً ما، بأغصان الدفلة والريحان، مشكلين حاجز حماية يطلق عليه اسم "ساطرة"، كي لا تقترب منها حيوانات التربية كالماعز وغيرها فتؤذيها، أي هي عملية للمحافظة عليها، لحين نموها وقوتها.

وأذكر أيضاً أن القرية استقبلت تحت ظلها شخصيات دينية واجتماعية مرموقة؛ كالشيخ "سليمان أحمد"، والشيخ "محمود حسن"، والشيخ "معلا ربيع" فيلسوف عصره».

مختار قرية دير ماما

أما المهندس "محسن عباس إبراهيم شمسو" فقد أكد: «أن شجرة السنديان هي من أضخم الأشجار في المنطقة إن لم تكن الوحيدة بهذا الحجم ومساحة الظل والعمر، والعلاقة مع المجتمع المحيط بها.

فبالنسبة لي خلال مرحلة الدراسة كنت أضع في داخلها فرشة صغيرة لأقرأ وأتابع دروسي وفروضي اليومية، فقد كانت بالنسبة لي متعة يومية لا يمكن الامتناع عنها، والشجرة تنتج "دوام" أو ما يعرف بالكستناء البلدية، بنسبة قليلة، ولكن بأحجام مميزة ومذاق شهي؛ لم تره عيناي في أي منطقة من مناطقنا».

السيد "تركي الشامي" من أبناء وسكان القرية، قدر عمر الشجرة بحوالي 250 عاماً قابلة للزيادة، معتمداً على طول الفروع واستقامتها وثخانتها الطبيعية، مضيفاً: «بجانب الشجرة فتحة نبع ماء يظهر في فترات غير محددة من السنة، كما تتواجد جلسات إسمنتية نظيفة ليجلس عليها الزوار».