من شعراء الستينيات، هادئ، وقور، فنان بريشة الرسام، ونحات بشعور الكلمات، يتأنى الصعود، إنه الشاعر "باكير باكير".

موقع eSyria زاره بتاريخ 19/11/2011 في مكتبته التي نالت شهرة واسعة بين صفوف الطلبة، وفي بداية حديثه قال: «إن الشاعر ليس منظّراً، وليس مقرراً، الشاعر فنان يرسم بالكلمات، كما يرسم الرسام بريشته، وبواسطة الكلمة يعبّر عن خواطره وعن خلجات وجدانه، وعن كوامن نفسه القلقة الحيرى».

لذا أجد من الضرورة أن يبحث البشر عن المحبة التي زرعها الله

يتحدث عن بدايته في كتابة الشعر فيقول: «في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين بدأت كتابة الشعر العمودي، وشاركت في مهرجانات الوحدة التي كانت تقام بمناسبة الوحدة بين سورية ومصر، كنت حينها في منطقة "معرة النعمان" إذ كنت معلماً في مدارسها، بعد عودتي إلى "سلمية" اتجهت لكتابة شعر التفعيلة، وما زلت حتى وقتي هذا، وقد أنجزت أربعة دواوين جاءت متأخرة بعض الشيء، لكن لم أكن لأقوم بذلك لولا دعم الأصدقاء المعنوي».

الشاعر "باكير محمود باكير"

ويرى الشاعر "باكير" أن المخزون الثقافي أمر ذو ضرورة لكل شاعر، ويضيف: «لا شاعر دون مخزون ثقافي يستند إليه، فمن أين له أن يأتي بالشعر، فمن كان ناظماً للشعر فالتكرار سيكون سبيله الدائم، وهنا يبرز الشاعر المثقف، والشاعر الذي يعتمد فقط على موهبته دون صقلها بالاطلاع على تجارب الآخرين، هذا الاطلاع لا يعني أن يستعير من نتاجهم، ولكن لكي يعرف إلى أي مدى وصل أولئك، وكيف عليه أن يطور أو يضيف على ما قدمه السابقون من الشعراء».

ويتابع: «بالنسبة لي قرأت شعر كل من سبقني في الزمن، وأسماء مهمة وجدت نفسي أستمتع بالاطلاع على تجاربها ومنهم الشاعر الكبير "نزار قباني" و"بدر شاكر السيّاب"، "سلمى الجيوسي"، وكنت أتابع أعمالهم من خلال "مجلة الآداب"، وأهم ما يلفت الانتباه بالنسبة لهم أنهم لم يكونوا شعراء منابر، فتأثرت بشعرهم الوجداني».

مع ديوانه الأول

وهذا ما جعله يبحث في لغته عن العبارة والمفردة الوجدانية، قال: «الشاعر ابن بيئته، وأنا ابن بيئة تزخر بالكثير من الحالات التي يتوقف عندها المرء متأملاً وواضعاً يده على خده، فمن خلال معايشتي لواقع الحال وجدتني أكتب الشعر الوجداني، وأنا سعيد بذلك».

يقول في قصيدة "أو كالموجود": «غنّيتُ نعيمي/ وشّحتُ شجوني/ وكتمتُ همومي/ أطلقتُ طيوري من قفصٍ/ منسوجٍ من خيطِ الذّهبِ/ محمولٍ بجناحِ الشّهبِ/ قد كان لها بالأمسِ سلامْ/ وأماناً من غيرِ كلامْ/ وحبيباً خلفَ القضبانْ/ والنذر صيامْ/ فالحلمُ جناحٌ من نورٍ من خفق القلبْ/ والحبُّ سريرٌ يتهادى بين الأغصان».

إصدارات الشاعر "باكير باكير"

وهذا ما دعاه للقول إنه يكتب شعر التفعيلة، لكنه لا يقضل قصيدة النثر مع أنه يطلع عليها.

من جانب آخر نجد أن الوجدان هو عنوان قلمه فتوجهنا إليه ببعض المفردات وما تعنيه، فكانت إجابته حول مفهوم الإنسانية بالنسبة للشاعر، فقال: «أنا والياباني خلقنا من روح الله، فلماذا يقتتل بنو الإنسان فيما بينهم، إن كنا من هذه النفخة الإلهية، لماذا يطمع بعضنا ببعضنا؟ وهذا يقودني إلى عبارة تقول: "المحبة والأمن هما خبز الإنسان" بلا أمن لا يمكن أن أشعر بالمحبة، وفقدهما يجعل من الحياة ممراً صعباً، ضيقاً، خانقاً على المجتمعات الإنسانية».

ويتابع: «لذا أجد من الضرورة أن يبحث البشر عن المحبة التي زرعها الله».

أما المرأة بالنسبة له فهي وكما قال: «المرأة هي الشعر، بل هي المحفز الرئيسي للشعر، فالشاب الذي لم يعش حالة العشق لن يستطيع أن يكتب الشعر، ومتى كان عاشقاً كان شاعراً، وبعدها يمكن أن يختار اتجاهات جديدة في أسلوب قلمه وفكره».

وينهي: «في الشعر أجد فيما قيل من زمن مضى "هذا سويقي ومنه أجدح" خير قانون يسير عليه الجميع، وأنا أجدح من الحياة التي تحيط بي فأركن إلى الورقة والقلم لأسقط عليها من قريحتي وجدان من أشعر به».

آراء قيلت في شعر الشاعر "باكير محمود باكير" وهي كثيرة، منها ما قاله الدكتور "راتب سكر" أستاذ الأدب المقارن في جامعة البعث: «في ديوانه "خواطر قلم" يهل علينا الشاعر "باكير" فاتحاً ذراعيه لكلمات ملوّنة المباهج، دانية القطوف، فيتناهى إلى الآذان حزنُ الربابةِ الجميل، مباعداً متاعب رحلة العمر الطويل في درب الحرف الأخضر، ومسيجاً غربة وادعة في مساحات الذاكرة، وتائقاً لبسمة حيرى تحنو على شفةٍ لفّها حنين الطفولة للحلم، فيباعد حزنه، ويخطو..».

أما الشاعر "إسماعيل عامود" فيقول في شعر "باكير": «يندرج شعره تحت مفهوم الشعر الحديث شكلاً ومضموناً، فهو ملازم لحركة الشعر العربي الحديث ويمتاز بشفافية وطابع نبيل يدعو إلى عالم الحرية والحق والخير والجمال، إن في شعره ما يدل على شاعرية في الطبع ما جعلني ألح عليه وأحرّضه كي يجمع بعض شعره الجميل في كتابٍ يحفظ له مكانته كشاعر بين أبناء جيله، لأن فيه قريضة فنية تتميز بومضاتها الجميلة، وصورها الاستعارية التي تدل على تمكن الشاعر من لغته وقدرته على تطويعها».

أما الكاتب "حيدر حيدر" فقال عنه: «عرفت الأستاذ باكير فارساً خاض كل المعارك، واعتلى صهوات الشعر، ورغم قسوة ما كابده من ضنك، وهول ما رآه، وما صارعه، وقاتله من عادات سخيفة وتقاليد بالية، إلا أنه لم ييئس، وظل يناضل بروح الشاعر الوثاب، وقلم الشاعر المتفائل ببزوغ فجر جديد، يضيء دياجير الفكر والجهل، ويطمح بقدوم غد أكثر إشراقاً، وألقاً وبهاءً».

جدير بالذكر أن الشاعر "باكير محمود باكير" من مواليد "سلمية" في العام 1935، لم يكمل دراسة التاريخ في الجامعة رغم وصوله للسنة الرابعة، عمل مدرساً في مدارس القطر.

ــ أسس مع تلامذته نادي "عبد الوهاب الشواف" الذي كان يعنى بالفن سنة 1964.

ــ شارك في مهرجانات الوحدة في "معرة النعمان" سنوات الوحدة بين سورية ومصر.

ــ افتتح مهرجان الشعر في سلمية في دورته الأولى عام 1987. بقصيدة "رسالة إلى غرب الأردن" بمناسبة اندلاع الانتفاضة الأولى.

ــ دواوينه: "العشب البري" 2001/ "دروب الشجن" 2003/ "غربة الروح" 2006/ "خواطر قلم" 2008.