«قصيدة النثر هي الشكل الفني الشعري العربي، والعالمي أيضاً الذي وصلت به، ومعه الذائقة الشعرية للإنسانية الحاملة لمجموع التجارب البشرية الثقافية الذهنية، حاملة مشروعاً فلسفياً اجتماعياً ذاتياً ذا رؤية متطورة تحت رايتها كل معطيات علم النفس وتجاربه ومدارسه منذ انفتحت هذه الذائقة على تجارب جديدة مرتبطة بموجة من العطاء الإنساني المبدع».

بهذه الكلمات بدأ الشاعر "أيمن رزوق" حديثه لموقع eSyria يوم الثلاثاء 9حزيران 2009 حول مكانة قصيدة النثر في الوقت الحالي، وإن كان بالفعل قد أثبت وجوده أو "لا"

ومن خلالها يمكن أن تقول ما تريد بشكل فيه من الاختزال والتكثيف والدهشة ما يبرر أنها حاملة مشروع جديد ومختلف

ولأن القصيدة النثرية المعاصرة محاصرة من النقاد، ومن شعراء الشعر العمودي على حد سواء، فإنه يرى فيها بؤرة التجريب وحاصل الرؤية المرتبطة بالمتغيرات الهائلة، ويضيف قائلاً: «هذه المتغيرات التي أحدثتها علوم النقد الحديثة، والتي جعلت منها أقرب للحالة العلمية الممسوكة بسماكة الثقافة المعجونة بذات الشاعر، والمنطلقة منه من غير ضجيج خارجي، والحاملة روح التغيير بعد أن وقفت الذائقة الشعرية العربية عند شكل منتهٍ لا جديد فيه».

الشاعر "أيمن رزوق"

وهو بذلك يعتبر أن قصيدة النثر هي مشروعه، كما أنها كانت مشروعاً لأجيال سبقته، لكنها تشبهه وتشبه النفس المعاصرة، وهنا يقول: «ومن خلالها يمكن أن تقول ما تريد بشكل فيه من الاختزال والتكثيف والدهشة ما يبرر أنها حاملة مشروع جديد ومختلف».

فالقصيدة الحديثة باتت عبارة عن شذرات يصعب على المتلقي تجميعها مما يفقد حالة التواصل التي يحققها الشعر العمودي، لكنه يدافع عنها رغم كل الإشكاليات التي عانت منها قصيدة النثر، فيقول في هذا الصدد:

إحدى رسوماته

«مما لا شك فيه أن القصيدة الحديثة واجهت إشكالية التواصل مع الجمهور المختلف والمتنوع في مكانته الثقافية،

فوجد الشاعر الحديث صعوبة في إيصال قصيدته إلى جمهور في معظمه قد أنشأ ذائقته على سمعيات مدرسية كانت بالأساس قد توقفت عند مرحلة تقليدية معينة في تاريخ الشعر، لا يمكن أن نتحدث عن القصيدة الحديثة هكذا بالعموم فلكل حالة قول خاص بها، وهناك قصائد حديثة جيدة وتتضمن مشروعها، وهناك من لم تصل إلى هذه الحالة من حيث المبدأ، فبإمكان القصيدة أن تتواصل مع الناس وهي تحمل فعل التغيير لأن في بذورها وفي شكلها ومضمونها ثورة على الرتابة التاريخية والثبات اللا فاعل،

غلاف أحد دواوينه

وفكرة الغموض التي أُخِذَتْ على القصيدة الحديثة هي فكرة خاطئة، فهي مختلفة وهذا الاختلاف وضعها في مواجهة الثقافة المدرسية الجامدة، ولكن لا أرى أن الجمهور قد وقف كثيراً عند هذه الحالة فالبعض اشتغل على نفسه وواكب نقدياً المتغيرات التي طرأت، وبالتالي صار لها جمهورها المتفاعل معها، والدليل على ذلك انتشارها في المطبوعات العربية وفي ذائقة الشباب».

والكلام كثر حول أن لقصيدة النثر ميزة ربما تضر به لكونه فناً أدبياً جديداً فهو قد أعطى الفرصة لظهور عدد لا يحصى من الأسماء، ويجعل من أنصاف المواهب ذات شأن، وهذا ما اعتبره رواده مؤشراً على سلاسته، وهنا يقول: «لا ننكر بأن القرن العشرين قد حمل بعض بوادر مشروع نهضوي ما، ومع انتشار التعليم، الكثير من المضاف إلى الشعر العربي لمبررات كثيرة ظهر على الساحة الكثير ممن يحاول في هذا المجال الشعري،

لا أعرف إن كان استسهالاً أو غير ذلك، ولكن من حيث المبدأ فإن قصيدة النثر لا تحمل سهولة في مضمونها، إنما السهولة تكمن في الشكل القديم، فالقصيدة الحديثة هي حاملة مشروع ثقافي، ولها ضوابطها المختلفة عن الشعر التقليدي، ويخطئ من يظن أنها هكذا من غير أسس أو ضوابط، إنها شكل جديد مفتوح على التجارب تضبطها ذات الشاعر بثقافته وروحه الوثابة، بالصورة الجديدة، والاختزال، والتكثيف، والإدهاش».

ونحن بدورنا نقدم بعضاً مما كتبه الشاعر "أيمن رزوق":

كنت على شرفة المساء/ أستجدي لك/ نهاراً جديداً/ وقلادة من فضة الكلام/ ووردة/ لفضاء/ الجسد.

أنا لك كوني غيمة سمراء/ ممطرة/ نهاري لك/ وقليل من الليل/ موتي قريب/ والعمر ليس تفاحة/ اقتليني.. ولكن/ ستسمعين خطواتي/ قبل عودة المشيعين.

للغابة أسرارها/ ولك جسد ... غابة/ في الغابة أنا/ وليس سواي/ نمرٌ يبحث عن جلده المرقط/ ويداعب المطر الخفيف/ الذي/ على شجر أيامه

حاملاً/ كل حروف قصائده/ ولكن/ ليس في الغابة طريق.

في ليل الغابة/ أمشي قبراً/ على تخوم الريح/ ونافذة/ لعصافير الخوف

المغلق.

والشاعر "أيمن رزوق" من مواليد مدينة "سلمية"، مدرس تربية فنية منذ العام 1982، عضو اتحاد الكتاب العرب، وجمعية الشعر، له مشاركات عديدة في مهرجانات مختلفة، وهو اسم شبه دائم في مهرجان الشعر الذي ينظمه المركز الثقافي في "سلمية"، له صدر له ديوان "تلوينات" في العام 1986، وديوان "عناقيد الكلمات" في العام 1993، وكتاب "ينحت الضوء" 2008 ، وقصائد لم تنشر بعد.