«كالسّيل .. يتسكع غناءً../ قلِقٌ .. تعِبٌٌ.. جائِعٌ .. عطِشٌ .. لا غرفة لكَ../ لا أصدقاءْ../ عاشقٌ .. لا ذراعَ امرأةٍ .. ينتشلُ أصابعهُ المعلقةُ بالصاعقة». مقطع من ديوان "عارياً دونكِ" للشاعر "بشار عيسى" الذي التقاه موقع eHama يوم الاثنين بتاريخ 21/11/2008 وكان الحوار التالي:

  • بات الشعر الحديث مقصد كل من يود كتابة الشعر، هل لسهولته، أم أنه الوجه الجديد للشعر العربي؟
  • ** مخطئ من يظن أن قصيدة النثر، أو "النص النثري" سهل المنال، فمثلما كانت القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة تتطلبان مصداقية كاملة، وفنّاً يقترب من بهلوانية الرقص لدهشته، هي كذلك قصيدة النثر أو النص النثري. الكتابة ليست فعلاً يُصَمم مسبقاً بل هي الطاقة التي تتبدد فناً يحمل مقومات المغاير والمختلف، والذي يوائم التغيرات الحادثة من حولنا. وهنا أشدد على الشرط الأخلاقي لهذه التغيرات كي لا يساق كلامي إلى مقاصد لا أقصدها. فلذا الوجه الجديد للشعر العربي ليس مقروناً بقصيدة النثر وحدها، أو الرواية وحدها، قد تكون هناك قصيدة تماثل في هندستها ما كتب في الجاهلية وصدر الإسلام لكنها تحمل مفهوماً جديداً إزاء ما سبق ذكره. هذه القصيدة هي التي أظن أنها وجه جديد من وجوه الشعر العربي، وهنا أرى من واجبي الأخلاقي أن أناشد الشباب من الأجيال الجديدة، ألاّ تكون قصيدة النثر مطيّة يمكن أن نمتطيها لتهرأ فتبتعد عن القصيدة وعن النثر معاً.

    *ملف الشاعر "سليمان عواد" الذي حققته لجريدة "شرفات الشام" شكّل إعادة شاعر كبير مهمل إلى الصدارة بالرغم من أنه في الصدارة، ما هو مشروعك تجاه هذا الشاعر؟

    **أعتقد أن "سليمان عواد" وكما ذكرت في الملف المذكور، هو الشرارة الأولى التي اندلعت في "المشهد الشعري السوري" أوائل أربعينيات القرن الماضي، لكن هذه الشرارة هو ذاته "سليمان عواد" لم يظن أنها ستكون مشروعاً متكاملاً للمشهد الشعري منذ ذلك الوقت وحتى بدايات القرن الحالي، فحسبما قال لي الكبير "محمد الماغوط" أن "سليمان عواد" كان يقوم بترجمة الشعر الغربي ونقله إلينا، طالباً منا محاكاة هذه التجربة الجديدة، وهو بذاته قام بهذه المحاكاة، لقد وجدنا ـ والكلام للماغوط ـ ضالتنا المنشودة في هذا الشكل الفني الجديد الأثر، وأعترف بأنه سبقنا إلى هذا الشكل كتابة، بحماسه وبساطته المألوفتين، لنأتي بعده ونخط ما خطّته الشرارة الأولى، من هنا تأتي أهمية "سليمان عواد" كمهندس لقصيدة النثر التي يعتدي الكثير، الكثير منا على هذه الهندسة. فلذا أجد لزاماً علينا العودة إلى "سليمان عواد" وقراءته القراءة الحقة، والعودة إلى دراساته الشعرية، والتي قام بنشرها في الصحافة الثقافية طوال حياته، عندها بالتأكيد سنحترم أنفسنا، وسنكتب شعراً بعنوان "قصيدة النثر". ولا أغفل هنا أن الشرط الفني الذي حققه "سليمان عواد" و"محمد الماغوط" والرواد جميعاً، كان في لبّه يحمل تلقائية وصدقاً أدبياً وموضوعياً تجاه الواقع الذي كتبوا له ومنه.

    سأمضي مع "عواد" إلى حين أجد أن صيته بين أوساط النخبة المثقفة على الأقل قد ذاع بالشكل المفيد، فمثلاً أحد الصحفيين للصفحة الثقافية في إحدى "الصحف السورية" عندما ذكرت له "سليمان عواد" قال لي: لم أسمع به من قبل. رغم إيماني أن عدم معرفته مردّها ليست ذاته الثقافية، بل التقصير الحاصل تجاه مبدع كبير كـ "سليمان عواد".

  • "عارياً دونكِ" ديوان شعري يحمل توقيعك، أين هو مما سبق ذكره؟
  • ** "عارياً دونكِ" مجموعة نصوص اخترتها من مجموعة النصوص التي كتبتها على مدار عقد كامل من الزمن، وذكرت ذلك صراحة في متن المجموعة، البعض ظن أنها مجازفة أن أنشر نصوصاً كتبتها في السن الشعرية المبكرة من تجربتي، لكنني كنت حريصاً أن أنشر هذه النصوص رغم أنني قمت بنشرها قبل ذلك في الصحافة السورية والعربية وستقول لي أين المجازفة؟ المجازفة أن تنشر نصاً كتبته في عمر العشرين وأنت الآن في عمر الأربعين. في سياق هذا الاكتظاظ الكبير من شعراء العربية النثارين لم أقع، ونجحت المجازفة ـ حسب رأي النقاد ـ فمثلاً النص العشريني هو ناضج فنياً وغير ناضج رؤيوياً، حيث الرؤية على مدار عقدين تتوسع وتتأصل، يرافقها نمو الشكل الفني الذي بدأت خيوطه في النص العشريني. وإذا وضعنا "عارياً دونكِ" في محكمة ما سبق، هنا أقول جملة واحدة: (لم أجد فيه تكراراً نمطياً لأي شاعر من الرواد أو المحدثين، بل أتى بالاختلاف الذي شكّل لدي قناعة، قررت إصداره).

  • "عارياً دونكِ" دخل "أرشيف سورية" الذي يرأس تحريره "نبيل صالح" أي أنه اختير من بين مئة كتاب ستمثل الكتابة في القرن العشرين، ألم يشكل ذلك عبئاً ثقيلاً عليك؟
  • ** نعم، دخل "أرشيف سورية" إثر دراسة قدمها الشاعر "خضر الآغا" وأعترف أنه عبء، لكنه في نفس الوقت حافز إلى الأفضل، ولا أنكر وضع ذلك نصب عيني، الآن حيث إصداري القادم "ينمو القاتل" وضع في الميزان السابق قد يكون وضعه خطأً وربما صواباً، لكن أرى الصواب في أن نبقى نكتب ونبحث عن الزمن الأجمل وفق طاقة تتبدد بأخلاقية موجبة طبيعياً لتضع مقومات هذا الزمن الذي نصفه بالأفضل.

  • "عبد المنعم عمايري" و"خضر الآغا" و"لقمان ديركي" وضعت الثلاثة مضافاً إليهم أنت في مقدمة صفحات "عارياً دونكِ" إلى ماذا تريد الإشارة؟
  • ** الثلاثة مع "عارياً دونكِ" كاد الآخر أن يشكل منهما إشكالية سالبة تتغلغل في أذهان الشعراء الجدد، وأنا أحترم كل الآراء التي سيقت إلي إعلامياً، أو من خلال الحوارات المباشرة، وإنها فرصة جديدة كي أوضح هذا الالتباس، فالثلاثة هم أصدقاء قبل أن يكونوا مبدعين يشغلون مساحة على اختلافها في المشهد الثقافي، فمن المألوف أن يكون "خضر الآغا" و"لقمان ديركي" و"عبد المنعم عمايري" مع "بشار عيسى" في نسق واحد، ومرد ذلك إلى الجيل الواحد الثقافي الذي يجمعنا، كما أن إيماني كبير في تجربة "خضر الآغا" وثقافته، أما "لقمان" فيعجبني استغلاله لفوضاه شعرياً، وأنا لست الوحيد الذي يشد أزر كتابة كالتي ينتجها الاثنان. أما "العمايري" فإني أجد من المبتذل أن ننظر له كممثل، ومؤدٍ، لأن "العمايري" مشروع ثقافي مهم إذا أتيح له الوقت الكافي، فلذا أمقت التلفزيون الذي يسرق "عبد المنعم عمايري" مسرحياً مهماً تدل عليه الجوائز التي حققها، وأديباً يكتب برفعة المسرحي الكبير.

    من الجدير الذكر أن الشاعر "بشار عيسى" ممن عمل في حقل الإعلام، وكتب في دوريات ثقافية "سوريّة" وعربية، يعمل حالياً على كتاب "نقد الكتابة الشعرية الجديدة"، له مجموعتان شعريتان الأولى بعنوان "احرثي الأرض فأنا قادم" إصدار خاص /1995/ والثاني بعنوان "عارياً دونكِ" صدر عام /2007/، وقد اختير هذا الديوان من بين المئة كتاب ليدخل في "أرشيف سورية" وقريباً سيصدر له ديوان ثالث تحت عنوان "ينمو القاتل" والشاعر من مدينة "سلمية" وحاصل على إجازة في الرياضيات من "جامعة دمشق" عام /1995/.