شخصية واثقة من نفسها، لا تفارقه الابتسامة، باحث في تراث مدينته، عاشق للإنسان، لعلمه انعكاس واضح على حياته الاجتماعية، فهو الناشط الثقافي والمصلح الاجتماعي.

مدونة وطن "eSyria" التقت المربي "حسن علي القطريب" يوم الجمعة 10 تموز 2015؛ لتتعرف أكثر إلى الجوانب المخفية في حياة رجل تخصص في جغرافية الأرض، لكنه بحث فيما هو أعمق من ذلك.

ربما قلة من المدرّسين الذين نالوا علامة متفوقة لعطائهم المتميز، حتى إنني تفوقت على الأجانب، أضف إلى ذلك إتقاني للهجة المحلية في تلك الفترة

بدايته مؤلمة كما يقول، هو وحيد لأمه، لا أخ له، وهذا ما يؤرقه حتى اللحظة، ويقول: «الأخ سند، الأخ هو أنت المقابل، إنه لأمر قاسٍ أن تكون وحيداً، خاصة أنني من جيل زراعي يعيب فيه الوحيد، لذا فإنني أبحث في كل آخر عن أخي الذي لم تلده أمي».

في حوار مع محمد الخطيب

من هنا نسأله طالما أنه يبحث عن أخٍ له، ما شعورك في هذا الآخر السيئ؟ يجيب على الفور: «لدي قناعة راسخة أن كل آخر سيئ لا بد من وجود ولو بصيص من نور الخير، وأنا أبني علاقتي معه بناءً على هذا البصيص المتبقي فيه، ببساطة أتجاوز كل السيئات -وهذه ليست طوباوية- وأعامله بكل محبة وصدق، ونتيجة تجربة طويلة تبيّن لي أن كل من وصف بالسوء بادلني ذات الشعور، وكانت وما زالت علاقتي بهم جيدة».

بما أنه من جيل الأوائل الذين عملوا خارج حدود "سورية" في التدريس، قال "القطريب" عن تجربته في المملكة المغربية: «عند كل سوري كان مدرساً في الخارج هناك قصة متميزة، وقصتي أنني كنت مدرساً لمادة الاجتماعيات، ورفضت أن أدرّس كتاب "الوطنية"، وهذا ما جعل الجهة المسؤولة تقرر إلغاء الإعارة، ولكن كان الرد وبعد جدل طويل أن أقوم أنا بتدريس التاريخ والجغرافية في القاعات التي يدرسها مغاربة، لكن السبب المباشر لرفضي هو أن كتاب "الوطنية" مبني على أساس كيفية الولاء والطاعة للملك، وليس التربية الوطنية بما تحمله الكلمة من معنى».

خلال جولة أثرية

ويضيف: «ربما قلة من المدرّسين الذين نالوا علامة متفوقة لعطائهم المتميز، حتى إنني تفوقت على الأجانب، أضف إلى ذلك إتقاني للهجة المحلية في تلك الفترة».

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن سرعة تفاعله مع اللهجات جعلته وفي أصعب مرحلة مرّ بها أن ينطق بأربع لهجات ناسياً لهجته "السلمونية"، قال: «تعرضت لحادث أليم إثر سقوطي من أعلى شجرة تين موجودة في بيتنا، وإثرها أدخلت العناية الفائقة، وبعد مدة ليست بالقصيرة ومع استعادة وعيي تكلمت باللهجة البدوية، كان ذلك في اليوم الأول، تبعته اللهجة الحمويّة في اليوم الثاني، لأمكث أسبوعاً كاملاً لا أعرف التحدث إلا باللهجة المغربية، أمر غريب، لقد نسيت لهجتي "السلمونية"، لكنني استعدتها والحمد لله».

بعيداً عن التدريس بدأ "القطريب" رحلته مع العمل الأهلي، وهو من الذين ساهموا في تأسيس معظم الجمعيات التي تعنى بهذا الشأن، عن اهتماماته قال: «لا يتوقف عمل الإنسان في اتجاه واحد، أعتقد أن عملي في الجمعيات الأهلية ناجم عن وجوب وجودي لما أمتلك من خبرة، والأهم من ذلك كله هو الشعور بالرضا الذاتي لأنني لم أكن عابر سبيل، بل أديت رسالتي بما أوتيت من معرفة، وحسن تصرف، وهذا كله بتضافر جهود مجموعة من المثقفين الغيورين على مدينتهم».

وغير ذلك، كان له حضور في حلّ الخلافات والنزاعات، خاصة منها ما يتعلق بالأصول العقارية التي تنشأ بين الأقارب، وفي هذا الإطار قال: «لن يصدق أحد أنني قبلت بقطعة أرض من ميراث يخصني وأعرف أنها ضمن طريق ولن أستفيد منها بقرش واحد تحاشياً لوقوع مشكلة بين قريبين لي، فأكثر ما يشعرني بالكآبة والحزن الشديدين هو صراع الأقارب».

من اهتمامات "حسن القطريب" البحث في المواقع الأثرية المنسية، خاصة منها الواقع في منطقة "سلمية" الواسعة، يحدثنا في هذا الخصوص: «مناطق كثيرة لم يكتب عنها، أو ينشر أي بحث، أخذت على عاتقي هذا الواجب الوطني، إظهار ما هو مغيّب، وقد كتبت العديد من الأبحاث التي تتحدث عن هذه المواقع، وقد نشر عدد منها على موقعكم مدونة وطن، أذكر منها: "الباسطية، اصطبل عنتر، وادي العوينة"، وغيرها».

ويضيف: «لي في الدراسات التراثية ما يتحدث عن اللهجات المحكية، كذلك مجموعة قصص تراثية: "السقوط نحو الأعلى، تجربتي مع الإدارة" التي امتدت تسع عشرة سنة دراسية، ومن الأدبيات قدمت دراسات عن "محمود درويش"، "رحيل البدوي"، وغيرها الكثير».

بعد ذلك التقينا صديقه "محمد الخطيب" ويعدّ رفيقه اليومي منذ سنوات خلت، قال فيه: «يتميز "أبو علي حسن" بالشخصية الحاضرة للدخول في مجالات مجتمعية عديدة، ويكون فيها فاعلاً حقيقياً، يتمتع بالمرونة لذا تجد من أصدقائه من هو أصغر منه، وكذلك من هو أكبر على قلتهم اليوم».

ويتابع: «يمتلك "حسن القطريب" مخزوناً ثقافياً مهماً، وهذا ما منحه كل هذه الميزات، هو ذو مزاجية خاصة يجب على الآخر معرفتها والتعامل معه على أساسها، على الرغم من أنه حاضر الابتسامة، وحضوره يضفي نوعاً من المرح على الحضور، ببساطة.. "أبو علي" شخصية محبوبة».

في العودة إلى "حسن القطريب" نجد عنده عشقاً مكانياً اسمه "سلمية" وهي هاجسه الوحيد، ابتعد عنها لسنوات، لكنه وهي صديقان وفيان، تحبه، يحبها، يبحث عن خفاياها في كل لحظة سانحة.

ــ بطاقة المربي "حسن القطريب": هو من مواليد "سلمية" عام 1947، حصل على إجازة في الآداب - قسم الجغرافية عام 1971 من "جامعة دمشق"، درّس في مدارس مدينته، ثم تمت إعارته إلى مملكة المغرب ليمكث في مدارس مدينة "ابن سليمان" أربع سنوات، يعدّ من مؤسسي "جمعية الشلل الدماغي"، و"جمعية العاديات"، و"جمعية أصدقاء سلمية". قدم العديد من المحاضرات فيها.