كان عزمه صارخاً، كما كانت هوايته التي ترعرعت في نفسه كما ترعرع مكافحاً في أسرته، فاعتنى بها ورعاها، فكانت الموسيقا هي المولود الأصعب الذي أتته الحياة به؛ وأسماه "الترومبيت".

إنّه "محمد مصطفى" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" في مركز تدريب "مراسم رابطة الأموييّن" في "المزّة" بتاريخ 20 آب 2014، ليحدّثنا عن حياته، إذ بدأ حديثه بالقول: «نشأت في أسرة متواضعة مادياً لها اهتمامات فنيّة؛ وخاصّة في مجال الموسيقا، وعندما كنت في الصف الرّابع كان أخي الكبير "مصطفى" يعمل في مجال الموسيقا وتدريسها، فكنت أرافقه إلى فرق تدريب الموسيقا، إذ كان مدرّباً في فرقة "مراسم المزة" على آلة "الترومبيت"، فانجذبت للموسيقا لكثرة مرافقتي لأخي إلى عمله، وأحببت الآلات النفخيّة جداً فأردت أن أتدرّب عليها، لكن أخي كان يرى أنّها قد تضرّني وتؤذي معدتي وتؤثّر في تنفّسي؛ نظراً لصغر سني آنذاك، لكني صممت على دخول عالم الفن، فبت أتدرّب على الآلات الإيقاعيّة، واستمرّيت في التدرّب عليها حتّى الصف السّابع، وعندها زاد حبّي "للترومبيت" كثيراً، فسمح لي أخي بتعلمه، وفي هذه المرحلة من حياتي تغيّرت شخصيّتي تماماً، فتحولت من طفل هادئ إلى إنسان نشيط جداً وكثير الحركة بشكل لا يوصف، وتابعت التدرّب حتى الصف التاسع؛ إذ تركت الموسيقا وتفرغت للدراسة رغم ولعي بها، حتّى إنّني كنت أرى زملائي في المراسم يحضرون فعاليّات ومهمّات المراسم ويعزفون بها، أما أنا فأعزف على سطور دفتري وأدرس، وهذا الموضوع أزعجني جداً آنذاك».

في احتفال ضخم لتكريم المتفوّقين على مدرّج المركز الثقافي في "المزة"، وكان عليه عزف النشيد الوطني السوري بآلة "الترومبيت"، ومن المعروف أن آلة "االترومبيت" تحتاج إلى طقس حار لتخرج المعزوفة كما يجب، وكان الحفل بتزامن شتوي والطقس بارد ما جعل الآلة باردة، وعندما بدأ "مصطفى" بالعزف لم يخرج الصوت من "الترومبيت" فضحك الحضور وحتّى "مصطفى" ضحك معهم، وأخذ الموقف بروح رياضيّة وهذا لكونه إنساناً إيجابياً ومرحاً ويجعل من أبسط الأشياء محفلاً من السعادة

وعن سبب دراسته الثانويّة الصناعيّة، ترافقاً مع نموّ موهبته الموسيقيّة، يقول: «أول يوم في امتحان التاسع أصابني مرض "الحصبة"، فتعبت لدرجة عجزت فيها عن تقديم الامتحان، لكن بمساعدة إحدى المدرّسات وبتشجيع أهلي لي تمكنت من تقديم الامتحان ونجحت، لكن مجموعي كان ضعيفاً؛ فلم أحصل على علامات تؤهّلني لدراسة الثانويّة العامّة؛ لذا درست ثانويّة صناعيّة، وفي الصف العاشر ازداد وعيي وبدأت أرى الحياة بمنظور أوسع وأبعد من المنظور الطفولي، ونمت مواهبي الموسيقيّة؛ ما دعاني لمتابعة ما بدأته سابقاً من التدرّب على العزف، وفي نهاية الصف العاشر شاركت أنا وزملائي في المراسم في معسكرٍ كان في غاية الروعة والفائدة، وهو خاص بالموسيقا، وقد تدرّبت 21 يوماً على آلة "الترومبيت" فزادت خبرتي وتحسّن عزفي، إذ كنت أعلم أننّي إن أخطأت في علامة موسيقيّة واحدة سأعاقب، والعقاب هو حمل آلة "الطبل" الكبير والمشي في الساحة ظهراً تحت أشعّة الشّمس الحادّة، وفي الصف الحادي عشر أصبحت أعمل مع أصدقائي في الحفلات الموسيقيّة، وانتسبت لمعهد "مأمون منصور" التابع للشّبيبة، فسجّلت على آلة "العود" وتدرّبت حوالي ثلاثة أشهر، وبسبب طبيعة آلة "العود" الوتريّة الشرقيّة واختلافها مع الآلات النفخيّة الغربيّة، تشابكت أفكاري؛ فتركت العود، وتفرغت لتقوية تقنياتي في عزف "الترومبيت"، فأخذت المركز الأول على القطر في العزف عليه وشهادة الرّيادة في مجال "المراسم"، وتسلمت تدريب طلّاب "مراسم الأموييّن" في مدرسة "التنوخي" في "المزة"، وكنت قد بدأت التدريب وأنا في الصف العاشر، وفي البكالوريا -رغم ضغط الدراسة- تضاعف حبّي للموسيقا واهتمامي بها، فشاركت في الكثير من المهمّات، ومن المهمّات التي لا أنساها مهمّة في محافظة "درعا" على الحدود الأردنيّة، وكان الحضور عبارة عن وفد ثلاثي يضم أشخاصاً من "سورية ومصر والأردن"، ولهذه المهمّة بصمة في حياتي الموسيقيّة؛ فقد حضرها العديد من الشخصيّات المهمّة والعامّة، ولم أتخيّل يوماً أننّي قد ألقاهم، وعندما قدّمت البكالوريا ونجحت، تقدّمت للانتساب إلى المعهد العالي للموسيقا معتمداً على شهادة خبرة، لكوني الأول على القطر في العزف على "الترومبيت" لمدة 5 سنوات، فتم قبولي في المعهد واضطررت لترك "الترومبيت" والتوجه نحو "الترومبون"، وذلك تزامناً مع دراستي في معهد "الهندسة الميكانيكيّة"؛ وكان هذا المعهد بالنّسبة لي شهادة وضماناً لمستقبلي ليس أكثر، لكن شغفي بالموسيقا كبير، فأردت امتهانها ولم أكتف بها كهواية، وأثناء دراستي في السنة الأولى للموسيقا عدت لقيادة فرقة "المراسم"، لكنّي لم أكمل في "المعهد العالي للموسيقا" بسبب سوء أوضاعي ولظروفي الصّعبة، فكان المعهد يحتاج إلى 5 سنوات من الالتزام، وأنا لم أتمكّن من الالتزام بسبب مسؤولياتي الأخرى، إذ كنت أعمل وأدرس وأضع أسساً لمستقبلي».

محمد ياسر هارون

وعن شخصيّته وهواياته واهتماماته؛ حدّثنا صديقه "سامح هبج"؛ المدرّب على "الترومبون" في فرقة مراسم "المزة" بالقول: «"مصطفى" في غاية الطيبة والرقيّ، ويتعامل مع محيطه باحترام شديد ويحب المساعدة جداً؛ فدوماً يساعد طلّاب المراسم في تعلّم العزف على مختلف الآلات، ومن معرفتي به منذ فترة طويلة أرى أنّه عازف بارع، إضافة لامتلاكه عدّة اهتمامات منها أنّه مغرم بالسيّارات وأنواعها وألوانها؛ وربّما ذلك يعود لسبب دراسته الميكانيكيّة، التي ساعدته في زيادة خبرته في السيّارات، ومن مواهبه أيضاً التصوير؛ فهو مولع بالتقاط الصور العفويّة، ويهتم بجمع الصور جداً ومحتفظ بالآف منها، كما أنّه يعشق المزاح وافتعال المواقف الطريفة بأصدقائه ودوماً تراه مبتسماً وبشوشاً».

وفي لقاء مع صديقه "محمد ياسر هارون" حدّثنا عن أحد المواقف الطريفة التي حدثت مع "مصطفى"، فقال: «في احتفال ضخم لتكريم المتفوّقين على مدرّج المركز الثقافي في "المزة"، وكان عليه عزف النشيد الوطني السوري بآلة "الترومبيت"، ومن المعروف أن آلة "االترومبيت" تحتاج إلى طقس حار لتخرج المعزوفة كما يجب، وكان الحفل بتزامن شتوي والطقس بارد ما جعل الآلة باردة، وعندما بدأ "مصطفى" بالعزف لم يخرج الصوت من "الترومبيت" فضحك الحضور وحتّى "مصطفى" ضحك معهم، وأخذ الموقف بروح رياضيّة وهذا لكونه إنساناً إيجابياً ومرحاً ويجعل من أبسط الأشياء محفلاً من السعادة».

فرقة مراسم المزة

الجدير بالذّكر أن "محمد مصطفى" من مواليد 1985، من محافظة "حماة" منطقة "مصياف".