يخشى الكثير من الشباب الذين يملكون طاقة كامنة في مجال الإبداع من أن تقتلهم مهنتهم التي تورطوا فيها يوماً ما، وخاصة وأن أغلب شباب اليوم بات يعمل في مجال مختلف عن مجال العمل الذي تمنحه إياه شهادته الدراسية.

و"سامح بيجو" من مواليد مدينة "محردة" في عام 1982، درس مراحله الدراسية في مدارس "محردة"، وحصل على الشهادة الثانوية عام 2000 فأهله مجموعه لدخول كلية الهندسة المدنية بـ"حلب"، وكان ذلك.

أبي لا يعرف إلى الآن ماذا أعمل في الإمارات، ويستغرب جنوني لتركي مهنتي كمهندس

يقول لموقع eSyria الذي التقاه بتاريخ 19 أيلول 2009: «حلم كل أهل أن يكون ابنهم طبيباً، فيعملون على تهيئته نفسياً لهذا الأمر ومنذ الصغر، فينظر أغلب الأطفال إلى حلم يبدو متشابهاً في غايته لديهم جميعاً هو أن يكونوا أطباء، بعد سن الثامنة عشرة، تبدأ شخصية الإنسان بالاستقلال، ويكون له خياره».

سامح بيجو

ويضيف "بيجو": «مجموعي أهلني لأن أدرس كلية الهندسة المدنية مع أني تقدمت بمفاضلتي للطب البشري والأسنان، إلا أني ومنذ صغري كنت أميل للرسم والموسيقا والأكشن، والوقت الذي كنت أشعر بالراحة فيه هو الوقت الذي يكون القلم بين يدي وأرسم، في الجامعة لم يكن اهتمامي كبيراً بدراستي ومنذ السنة الثانية تعرفت على الكمبيوتر، وتعرفت على برامج الغرافيك، والرسومات ثلاثية الأبعاد، وطورت لدي هذه الموهبة بشكل مكثف في السنة الخامسة، ووجدت أنه من الممكن أن أدخل في مجال الرسوم ثلاثية الأبعاد وكنت سعيداً جداً بهذا التعلم، أما مشروع تخرجي فكان عقدة "الفيض" بحلب، حيث كان الدكتور المشرف هو أحد الأشخاص الدارسين للمشروع، وكان اختصاصي مواصلات».

بعد التخرج بدأ "سامح" تجهيز نفسه للسفر حيث لم تشكل الوظيفة طموحاً له، يقول: «كنت أجد فيها قتلاً لموهبتي، وهدراً لوقت شباب مفعم بالطاقة والحيوية، وواجهت بعض المشاكل مع الأهل بسبب عدم تقديمي على الوظيفة، إلا أنني لم أكن أرغب بتعليق حلمي بشيء، لم أكن أريد أن أخسر المزيد من الوقت، والعمل في القطاع الخاص لم أجد فيه ما أبحث عنه، خاصة أن هناك بعض الشركات الخاصة التي تجبر المتعاقد ليوقع على استقالته منذ البداية إلى جانب عقد العمل».

ذاهباً إلى عمله

بعد سفره في عام 2007 بحث المهندس "سامح بيجو" في الخارج عن المجال الذي يطمح للعمل به، ولكنه لم يحصل على ما يريد، لم يلق الحظ الذي يريده في البداية، يقول: «عملت العديد من المقابلات لدى تلفزيونات وبيوت الفن، وعندما انتهت "فيزا" الزيارة اضطررت للعمل في النهاية كمهندس في أحد المواقع، كان العمل مجهداً جداً تحولت على أثره إلى آلة، بل أسوأ من ذلك، كنت مطالباً بأن أصرخ وأشتم العمال البسطاء، فواجهت الكثير من المشاكل مع الإدارة، وجدت نفسي أتجرد من إنسانيتي، ولم أجد نفسي، فبدأت أرسل سيرتي الذاتية إلى العديد من الشركات بغية إيجاد ذاتي».

إلى أن اتصل به شخص سوري اسمه "إياد عيد" كان قد آمن بموهبته في مجال التصميم الثلاثي الأبعاد، فترك عمله كمهندس ليعمل "بيجو" براتب أقل من الراتب الذي كان يعمل به بحوالي 20% ومن دون أي امتيازات أخرى، لكن كانت بالنسبة له فرصة ليغتنمها في حياته، وعلى هذا الأساس تقدم باستقالته، وتكبد مبالغ طائلة كي لا يحرم من العمل في الإمارات بسبب قوانين الدولة الصارمة في مجال العمل، وبعد عمله في الشركة الجديدة بثمانية أشهر وصل إلى نقطة الصفر ولكن كان لديه الإيمان أنه يمكن أن يكون هنا، يقول: «بدأت أبني الثقة وبدأت أرتاح وأتطور، ولكن أهم من كل هذا أنني أفتح عيوني صباحاً بابتسامة، فأنا أعرف أنني أعمل أمام جهاز كمبيوتر بداخله كل ما أحب، ودخلت في أكثر من تحدٍ وتفوقت به».

يعمل ما يحب

في البداية واجه "سامح" العديد من الضغوطات من الأصدقاء والأهل الذين لم يتفهموا سبب تركه لمهنة مربحة هي الهندسة المدنية وعمله في مجال التصميم، يقول: «أبي لا يعرف إلى الآن ماذا أعمل في الإمارات، ويستغرب جنوني لتركي مهنتي كمهندس».

لا يفكر "سامح" في العودة في المدى المنظور على الأقل، ويشعر بالتعاطف مع الشباب الذين يحملون همه، كما أن الإمارات ليست نقطة النهاية بالنسبة له، فهو يطمح بأن يجد نفسه في بلد آخر يقدم له المزيد من الخبرات ويعمل به ما يحب، يقول:

«أنا مستعد أن أفيد كل شخص من الخبرة التي حصلت عليها وبالمجان، وأحلم بمشروع يهم شباب "محردة"، وسوف أحاول البدء بالتعاون مع صديقي "شادي شموط" على إقامة مشروع لتعليم الشباب تصميم مواقع الإنترنت».

أنجز "سامح" مع شركته الجديدة أول حلقات مسلسل ثلاثي الأبعاد، وتسعى الشركة الآن إلى تسويقه، ويخشى أن يأخذ خطوة يدعوها -إلى الوراء- بأن يعود إلى عمله كمهندس مدني، تحت ضغط متطلباته المادية.