لم يعد خافياً الدور المهم الذي يلعبه العمل الطوعي في المجتمع، وشأنها شأن بقية المناطق والمدن السورية شهدت مدينة "سلمية" منذ سنوات عديدة خلت نشاطاً كبيراً يجسد التكافل الاجتماعي؛ الذي يعبر عن رغبة أبنائها في مساندة بعضهم بعضاً في جميع الظروف.

فما هو حال التطوع في مدينة الزهور؟ وماذا عن تحولاته من العمل الفردي إلى ظهور المؤسسات الأهلية؟ للوقوف على تلك التحولات مدونة وطن "eSyria"، وبتاريخ 30 كانون الثاني 2014، التقت الأستاذ "سمير جمول" الذي عمل متطوعاً بالعديد من الجمعيات الأهلية، فحدثنا عن الطقس الاجتماعي القديم الذي يطلق عليه (الفزعة) وهي التي شكلت أساس التطوع، وكيف بدأ في مدينة "سلمية"، بقوله: «إذا رجعنا بالزمن إلى أكثر من أربعين سنة تقريباً عندما كان الطوفان يمر بالمنطقة، كنا نرى الناس يهمون إلى مساعدة الآخرين فيتعاونون مع بعضهم بعضاً على بناء ما دمرته الطوفة، إضافة إلى مساندة بعضهم بعضاً في مواسم الحصاد وحالات العزاء وغيرها من تقاليد وأعراف اجتماعية كانت سبب التكافل بين أبناء المدينة، فيمكن القول: إن التعاون ومساعدة الآخرين شكّل بداية لفكرة التطوع».

العمل لسنوات في هذا المجال كان مثل ورشات ودورات تدريبية هامة، وأحاول أن أكرس خبرتي في العمل بالتعاون مع المتطوعين الجدد، فنحن نكمل بعضنا بعضاً، وهم ليسوا صناعاً يعملون عندنا وبأمر منا، فإذا تم العمل بهذه الطريقة فسيكون ناجحاً بالتأكيد

يتداول معظم الناس فكرة التطوع على أنها مرتبطة بخدمات تقدّم للآخرين دون مقابل، فإلى أي مدى يصح هذا التعبير؟ يقول "جمول": «هناك فهم خاطئ حول مفهوم العمل الطوعي، فالعمل الآني والمؤقت كتنظيف شارع مثلاً، هو اندفاع المتطوع لهذا العمل، وليس الغرض منه تحويله إلى عامل بلدية، فلا يمكن للشارع أن يبقى نظيفاً دائماً، فعندما تقوم الجمعيات الأهلية في مدينة "سلمية" بهذه المهمة ما هي إلا محاولة منها لتكريس ثقافة العمل الطوعي لدى أبناء المدينة».

سمير جمول

ويتابع "جمول": «للأسف نجد صعوبة كبيرة في غرس هذه الثقافة بين المواطنين وحتى بين المتطوعين، فالمتطوعون ليسوا على نفس السوية لأنهم غير مؤهلين ضمن منظومة واحدة فيها معايير واضحة، فتجد بعضهم يقدم عملاً رائعاً يفوق طاقة الإنسان العادي، بينما يفكر بعضهم الآخر بالعمل الطوعي كعمل مؤقت فيترافق عمله بالاستسهال وقلة الجدية، ومنهم من يُقدم على هذا العمل من أجل كسب علاقات اجتماعية معينة أو حتى الاستفادة من ميزة ما، فهذا المفهوم غير متأصل فينا، حتى إن تنفيذها بين الناس هو أمر بغاية الصعوبة، لذلك باعتقادي أن غرس وترسيخ ثقافة العمل التطوعي أمر هام ومتعب ويتطلب مسؤولية كبيرة حتى على القائمين عليه، فعليهم أن يؤمنوا بهذا العمل».

مساندة الناس وضرورة التكافل الاجتماعي بينهم هي الفكرة الأساسية للعمل التطوعي، وهو عمل ضروري للمجتمع فتحول إلى أمر واقع، يقول المتطوع الشاب "شفيع عجوب": «عملت في أكثر من ثلاث جمعيات أهلية في مدينة "سلمية" وهي تعمل على مساعدة الناس، ولكن ليس هدفنا تحويل الأشخاص المستفيدين إلى أناس اتكاليين متسولين سلبيين، ينتظرون ما تقدمه لهم جمعيات أهلية متعددة، لأن هذا يفرز طبقة عالة على المجتمع يهمها الحصول على المكاسب المادية دون أي جهد، فمن الضروري معرفة أن تقديم المساعدة لمن يحتاج إليها الآن هي لفترة محدودة ومؤقتة فقط، حتى يستطيع الشخص المستفيد أن يكون قادراً على العمل فيتحول من إنسان محتاج إلى إنسان منتج، وهنا تكمن أهمية وضرورة انتشار ثقافة العمل التطوعي».

شفيع عجوب

مهمة المجتمع الأهلي ليست بالقليلة، فنجد أنه قد أخذ على عاتقه هموم الناس وحاجاتهم، ليس هذا فحسب، بل أخذ يهتم ببعض المحاولات الشابة المغمورة، يقول "عجوب": «كانت لي مشاركات في حملة تنظيف البيئة وإعادة إحياء منطقة "الجندول"، وإزالة الكلمات المكتوبة على الجدران وحملات اللقاح، وتوزيع السلل الغذائية وغيرها، ومن خلال مشاريع الثقافة في جمعية "العاديات" ساهمت في تشكيل فرق موسيقية ومعارض للرسم والفن والعمل اليدوي للمواهب الشابة بهدف تحسين مستوى الشباب في المدينة، فمن المعروف أن أبناء مدينة "سلمية" فيها القاص والشاعر والرسام والكاتب على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم؛ تلك المواهب التي ترافقهم مع مهنهم المتعددة، وهذه أيضاً أعمال أخذت على عاتق هذه الجمعيات».

"علي عجوب" (57 سنة) انضم إلى الهلال الأحمر في "سلمية" بعد أن ترك "دمشق" ليكون من أفراد العمل التطوعي، وعن معوقات العمل يقول: «بدأت مع فريق المتطوعين لمساعدة الناس فقد كرست معظم وقتي لهذا العمل، وذلك لسببين: أولهما خدمة المحتاجين والمهجرين خصوصاً أنني لامست مشاعرهم عن قرب فأساعدهم وأشاطرهم همومهم ومتاعبهم، وثانيهما أنني لا أريد التوقف عن العمل حتى لو كان مقابل أجر زهيد أو حتى دون أي مقابل مادام فيه خدمة للإنسانية جمعاء، ولا شك أن ما تقدمه الجمعيات الأهلية هو غاية في الروعة، لكن في الحقيقة إن أكثر ما نعاني منه هو عدم تقدير الجهد الحقيقي لكل متطوع من قبل الإدارات التي تشرف على العمل التطوعي، فإذا تغيب المتطوع عن عمله لا يجد من يسأل عنه من المشرفين والمنظمين لعملنا، في حين يجب أن يكون الموقف على العكس بتقديم الامتنان لشخص حتى لو لم يشارك سوى لأيام معدودة، عدا أن استقبال المتطوعين يتم بشكل عشوائي وغير منظم، وبرأيي هذا ما يقف عائقاً أمام نزاهة العمل التطوعي».

نبيل عيد

يوافقه بالرأي "شفيع عجوب" الذي يتحفظ على بعض الإدارات الكهلة في المجتمع الأهلي، فهي غير قادرة على تحمل المسؤولية بالشكل المطلوب ويتابع: «أفضل أن يكون لعنصر الشباب الدور الأكبر في اتخاذ القرار؛ فهم قادرون على تحمل ضغط العمل أكثر، فيتواصلون مع الناس ليكونوا أقرب إليهم، فالشباب لديهم طاقة كبيرة في العمل يجب استغلالها بشكل أفضل، ومن الجيد تحفيز الشخص المتطوع معنوياً على الأقل».

المهندس "نبيل عيد" مدير مركز المجتمع المحلي في "سلمية" - شبكة التنمية الريفية، يقول: «من واجب المسؤول عن إدارة العمل الطوعي تعبئة استبيان تقييم شهري لعمل كل متطوع، وهو من أساسيات العمل التطوعي، وبناءً عليه يحصل المتطوع على مقابل مادي بسيط إضافة إلى تكريم معنوي ما، وفي بعض الأحيان تتم مكافأة الأكثر نشاطاً بوضع اسمه على لائحة موظفين لجهة عامة أو خاصة، وهذا يعدّ تشجيعاً للمتطوع للمحافظة على استمراره في العمل وتحفيزه على العطاء أكثر».

تراكم العمل الطوعي على مدار السنين، كما هو تراكم أي عمل، يكوّن لدى الشخص خبرات في هذا الاختصاص، فبأي صيغة تتم معاملة من ليس لديهم الخبرة؟ يقول "جمول": «العمل لسنوات في هذا المجال كان مثل ورشات ودورات تدريبية هامة، وأحاول أن أكرس خبرتي في العمل بالتعاون مع المتطوعين الجدد، فنحن نكمل بعضنا بعضاً، وهم ليسوا صناعاً يعملون عندنا وبأمر منا، فإذا تم العمل بهذه الطريقة فسيكون ناجحاً بالتأكيد».

جدير بالذكر أن هناك تنوعاً بالجمعيات الأهلية في "سلمية" وازداد انتشارها ومن أهمها: "الهلال الأحمر- مؤسسة الآغا خان - جمعية العاديات - جمعية أصدقاء سلمية - جمعية الشلل الدماغي"، وغيرها.