"أمة إقرأ.. لا تقرأ" عبارة قالها يوماً الأديب "حسن م يوسف" في إحدى لقاءاته، وهذا ما ينطبق على الكثيرين منا الذين يجدون مبرراً، وعذراً لابتعادهم عن الكتاب، وهذا عائد وحسب رأي الغالبية إلى غلاء الكتب، وهو حسب رأي الكثيرين السر وراء عدم القراءة، لكن الكثير منا أيضاً يجد في صخب الحياة ملاذاً للهروب من صفحات الكتاب، ومع هذا ما زال هناك بريق من أمل وذلك عبر انتشار دور الكتب، أو ما يعرف بالمكتبات، رغم أن البعض صمّ أذنيه عن سماع أن المدينة فيها من المكتبات ما تلبي له الطموح له ولأولاده إن وجد، من بين هذه المكتبات زرنا "دار سلمية للكتاب"، بحثاً عن إجابات واضحة وشافية لواقع القراءة في مدينة أقل ما يعرف عنها أنها تمتلك في كل بيت مكتبة.

eSyria طالع بعض الكتب في "دار سلمية للكتاب" قبل أن يلتقي بمديره السيد "حسين الحاج" ثم بدأ حديث الذكريات التي أمضاها مع هذه الكتب الجميلة منذ نشوء الفكرة، حيث قال: «عندما كنت أسافر خارج "سلمية" كانت شهرتها الثقافية تتبعني أينما توجهت، وقد كنت أُسأل كثيراً عن هذا الموضوع، وبالأخص عن المكتبات في "سلمية"، توقعاً من السائل أن هذه الشهرة لا بد أن هناك خلفها مكتبات حديثة وكثيرة، وأخرى تعود إلى عصور قديمة، الأشياء التي لم تكن متواجدة بشكل مبلور، كل ذلك دفعني لأن أحلم بأن يكون هناك في "سلمية" مكتبة كبيرة خاصة بالكتب فقط، تحوي بين رفوفها قيمة فكرية كبيرة أضعها بين يدي أبنائها».

لا يعقل أنم نتحدث في عمل فني كامل عن شخصية شعرية، وقامة عملاقة كالشاعر "نزار قباني" ولم نلحظ عليه أنه أمسك كتاباً

وعن تبلور المشروع أضاف: «قمت بطرح هذا المشروع على بعض من معارفي، وقد وجدت تجاوباً كبيراً من الكثيرين، لكن الذين ساهموا بشكل فعلي كانوا قلة، ثم تم افتتاح المشروع الحلم في 29 تموز 1987، وقد أسميناه بالـ"دار" بدلاً من "المكتبة" لأن الدار هو الذي يجمع أفراد العائلة كاملةً في جلسة نصائح مع جدهم ذو الخبرة الكبيرة، وهذا هو هدفنا، فكانت "دار سلمية للكتاب" التي صارت واقعاً ملموساً، وجزءاً من الحالة الثقافية العامة، واليوم وصلت الدار لمرحلة أعتقد أنها تجاوزت فيها ما يمكن أن يسمّى سن الرشد، أي لا خوف عليها بعد الآن».

السيد "حسين الحاج"

وعن ما يحتويه "دار سلمية للكتاب" قال: «بالإضافة إلى بيع الكتب بجميع أنواعها واتجاهاتها ومستوياتها العمرية، فإن ما يميز دارنا هو "جناح الإعارة" النادر الوجود بين المكتبات الخاصة على مستوى المنطقة وربما القطر، حيث أنه يحوي حوالي/ الخمسة آلاف عنوان/ لكتب متنوعة، رقم نحلم بمضاعفته قبل أن نكمل الخمسة وعشرين عاماً من عمر الدار، وطبعاً هذه الكتب متاحة للجميع مقابل رسم اشتراكٍ شهريٍ بسيط، لا يساوي نصف سعر كتاب واحد».

"دار سلمية للكتاب" لديها جناح خاص للأطفال، وقاعة مطالعة، هذا ما تحدث فيه السيد "حسين الحاج" قائلاً: «نهتم في دارنا كثيراً بالأطفال لأننا نعتقد أن القراءة وبالتالي الثقافة، لا بد أن يتم تلقينها للإنسان منذ طفولته، لذلك فجناح الأطفال لدينا يحوي عدداً كبيراً ومتنوعاً من القصص والكتب والوسائل التعليمية الخاصة بهم وبتطلعاتهم، وأحلامهم، وعالمهم المتغير بشكل مستمر، آخذين بعين الاعتبار أن طفل هذه المرحلة لم يعد يقتنع بقصص "ليلى والذئب" وغيرها من نفس الشاكلة، بل أصبح يبحث عن عالم مليء بألعاب الكمبيوتر، وغيرها».

جناح الأطفال

وأضاف: «كما أننا نقيم للأطفال برنامجاً صيفياً ثقافياً منوعاً، حيث تنظم مسابقات في القراءة، والتحديات في الشطرنج، وتعرض الأفلام التربوية الهادفة، وهذا ما شكل حضوراً مميزاً للدار في أذهان العائلات، فقد وصل عدد الأطفال الذين يرتادون "دار سلمية للكتاب" في العطلة الصيفية ما يقارب/ السبعمئة طفل/، يستثمرون وقتهم بشكل مفيد وصحي بعيداً عن التلوث الكبير الذي أصاب مجتمعنا، ونتمنى أن يكون لدينا مكان أوسع لنستقبل عدداً أكبر لنتوسع في أنشطتنا الموجهة لهم، ولكن ذلك بحاجة إلى دعم مادي وكما يقول المثل "العين بصيرة واليد قصيرة"».

ثم ينتقل بنا الحديث حول الرؤى المستقبلية لهذه الدار، وما يمكن من تطور قد يلحق بها، فقال: «في العام 2012 ستحتفل هذه الدار بيوبيلها الفضي، لذلك فنحن نخطط من اليوم لإقامة احتفالية ثقافية لمدينة "سلمية" بهذه المناسبة، وقد تكون على شكل معارض دائمة، أو شيء من هذا القبيل، لكن الهدف منها سيكون تسهيل وصول الكتاب إلى أيدي الجميع، فبالكتاب فقط ترتقي المجتمعات. هذا من جهة، من جهة أخرى فقد بدأنا بإطلاق نشرة ثقافية باسم "المحطة"، تحتوي مختارات بسيطة من بعض الكتب، بحيث تكون محطة قصيرة يقضيها القرّاء في عالم الثقافة، وبالتالي هي بمثابة فاتح شهية على القراءة».

أطفال الدار

وعن حال الكتاب في "سلمية" والمجتمع السوري قال: «أعتقد أن مشكلة مجتمعنا هي ثقافية قبل أن تكون اقتصادية، فلا يوجد في برنامج الإنسان العربي عموماً ما يعرف بالوقت المخصص لقراءة كتاب، أو حتى للمرور على مكتبة والإطلاع على كتبها، أي أن القراءة اليوم أصبحت الجانب الأكثر إهمالاً في حياتنا اليومية، وفي مجتمعاتنا عامة».

والسبب وكما يقول السيد "حسين الحاج" هو: «التراجع الفكري والحضاري الذي يصيب مجتمعاتنا من أهم الأسباب التي أدت إلى هذه الضحالة المعرفية، فقراءة كتاب تزيد المرء معرفة، وعمقاً، وتطور قدراته في كيفية التعامل مع المحيط بشكل أفضل، وهذا من شأنه أن يدفع بنا إلى حياة أكثر رقياً، وأوسع منظوراً، وبالتأكيد هذا الحال لا ينطبق على الأشخاص الذين تخلو عن صداقتهم للكتاب».

وتعليقاً على قلة تواجد الكتاب في الوسائل الإعلامية التي تعيش مع الناس قال: «بنظرة بسيطة إلى ما يقدم من مسلسلات تشد إليها الانتباه، تجد أن الكتاب مغيّب عن الوجود، حتى البيوت الفارهة والتي كثيراً ما نتناولها في أعمالنا تنأى بنفسها عن هذا الحمل، رغم أن مثل هذه البيوت تعتبر وجود مكتبة نوع من أساسيات المنزل، بمعنى آخر هي قطعة ديكور جميلة يمكن الافتخار بها في بعض المواقف».

وضرب لنا مثلاً حول مشاهدته لمسلسل "نزار قباني" فقال: «لا يعقل أنم نتحدث في عمل فني كامل عن شخصية شعرية، وقامة عملاقة كالشاعر "نزار قباني" ولم نلحظ عليه أنه أمسك كتاباً».

ويتابع معاتباً: «في نفس الوقت تجد أن انتشار المحطات الغنائية، والراقصة تنتشر كالنار في الهشيم، ولا حول ولا قوة للكتاب في هذه المعمعة الصاخبة».

وحين سألناه عن المسبب الحقيقي لهذا الإهمال قال: «الأسباب كثيرة فالفرد بشكل عام مقصر نوعاً ما، مثلاً هناك الكثيرون يقضون ساعات يتابعون المباريات الرياضية، والبرامج الغنائية وعشرات المسلسلات وهناك منهم من يسهر على "ورق اللعب" حتى الصباح، كل ذلك ولا يتركون ساعة يومية للقراءة، أنا لست ضد الرياضة والموسيقا والترفيه، لكننا بحاجة إلى ميزان حتى تنجح حياتنا».

وأضاف في نفس الموضوع: «التقصير الأكبر هو من المؤسسات المعنية، فالثقافة لا تصنع من خلال الأبنية، الثقافة بحاجة إلى أن يشعر الإنسان بأن الكتاب يلاحقه أينما ذهب، هكذا تصبح القراءة ثقافة اجتماعية بحد ذاتها، فالكتاب ومكتباته يجب أن يوجدوا في البيت والمدرسة والدوائر الرسمية والمقاهي والتلفزيون وفي كل الأماكن، وكذلك ضرورة إيجاد أساليب الترغيب بالقراءة ووسائل دعائية لذلك، وطبعاً هكذا مهمة لا تستطيع "دار سلمية للكتاب" أن تقوم بها منفردة أو حتى بدعم بعض الأفراد، هكذا خطوة بحاجة لدعم من المؤسسات الكبيرة المعنية بالأمر، لأننا إذا بدأنا بمشروع كهذا وضمن إمكانياتنا المتواضعة فلن يتقبل الناس الموضوع كثيراً، لأن مجتمعنا للأسف يصفق للقوي فقط بينما يحبط الضعيف النامي».

وفي رسالة إلى الناس المحبة للمعرفة، قال: «أتمنى أن يعيد الناس النظر في علاقتهم مع الكتاب، وأن يعتبرونه من جديد الصديق الذي لم ينساهم، ولن ينساهم، وبأنه سرهم الدفين، وعالمهم نحو المعرفة».