تتميز قرية "الحيلونة" في منطقة "مصياف" بصناعة القش، وهي من الحرف الفنية والتراثية، التي كلما زاد عمرها فرضت نفسها كقطع فنية بارزة، موادها طبيعية لا يدخل في صناعتها إلا عيدان القمح، فهي مهنة تعتمد على الخبرة والذوق والصبر.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "الحيلونة" التابعة لمنطقة "مصياف"، بتاريخ 30 تشرين الأول 2014، والتقت السيد "نصرمحمد حسن" الذي كان له باع طويل في التعامل مع أطباق القش، حيث كان يبيع أطباق القش التي "تديرها" نساء القرية، فحدثنا قائلاً: «أغلب نساء القرية تعلمن هذه المهنة من جداتهن وأمهاتهن نظراً لتوافر المواد الأولية، إضافة لأنها تمثل مورد رزق رديف للزراعة، وهذه المهنة تعتمد على الفن والذوق والصبر، وهي تتناسب وطبيعة النساء، وجميع منازل القرية تحتوي أنواعاً كثيرة من الأطباق التي تحتفظ بها العائلات في منازلها، وللطعام نكهة مختلفة عندما يوضع على أطباق القش».

أغلب نساء القرية تعلمن هذه المهنة من جداتهن وأمهاتهن نظراً لتوافر المواد الأولية، إضافة لأنها تمثل مورد رزق رديف للزراعة، وهذه المهنة تعتمد على الفن والذوق والصبر، وهي تتناسب وطبيعة النساء، وجميع منازل القرية تحتوي أنواعاً كثيرة من الأطباق التي تحتفظ بها العائلات في منازلها، وللطعام نكهة مختلفة عندما يوضع على أطباق القش

ويتابع: «للقش استعمالات عديدة؛ فهناك ما يسمى بـ"الجوني"، وهي تكون مخصصة لوضع الخبز فيها، ولها غطاء من فوق وشكلها أسطواني وتأخذ شكل الرغيف، وأيضاً هناك الطبق المرفوع من الجانبين والمعد لوضع الطعام عليه ويسمى "الصينية"، وأيضاً "القفة" عالية الجانبين قطرها عريض لوضع الصحون أو المؤونة، أما "القرطيل" فتشبه السلة، حيث توضع فيها الخضار والفواكه، ويحملها المزارع عندما يذهب إلى الحقل، وهناك أنواع أخرى ولكن هذه أشهرها».

المخرز

وعن طقوس هذه المهنة، حدثتنا المعمرة "أميرة سلامة" قائلة: «أغلب النساء كانوا يجتمعن حول مدفأة الحطب في فصل الشتاء؛ نظراً للوقت الطويل وقلة الأعمال الزراعية، وكل واحدة منهن ترافقها عيدان القمح التي تعطي للسهرة دفئاً وحرارة، وتدخل الأم وابنتها أمام تحد، فكل واحدة منهن تريد أن تثبت أن طبقها الأجمل للتباهي به، ومن ثم سيكون من نصيب العروس التي عرسها قريب لتضع عليه مصاغها من ذهب ومال، فتأخذ صانعته شهرة في القرية والقرى المجاورة، ويكون لها عائد مالي جيد، وكل عروس يخرج مع جهازها عدة أنواع من الأطباق، ولا ننسى الأهازيج والأغاني الشعبية التي ترافق تدوير الأطباق».

السيدة "منيفة حامد زهرة" من اللواتي اشتهرن بصناعة أطباق القش، فحدثتنا أيضاً بالقول: «كنت أعمل كثيراً في السابق، أما الآن فعند الطلب فقط، وإنني أحن إلى هذه المهنة وأفرح جداً عندما أمسك عيدان القش.

المعمرة أميرة سلامة

ولدى سؤالنا عن عمر مهنتها؟ ابتسمت وأخبرتنا أن عمرها 76 سنة، وتعلمت المهنة بعمر الثانية عشرة أو قبل، حيث كانت تراقب أمها وجدتها وشيئاً فشيئا أتقنت المهنة، وبدأت تلك العلاقة المميزة بينها وبين القشة ووصفتها بأنها رفيقة دربها، ففي الصيف ترش الحنطة وترعاها إلى أن تكبر وتنضج حتى يحين موسم الحصاد، فتقوم بانتقاء المناسب والمرن من عيدان القمح، ومن ثم تنزع السنبلة والورق وتجمعهم في "شمائل"؛ أي حزم لتخزينهم في فصل الشتاء لتمضية أوقات الفراغ».

أما عن مراحل صنع الأطباق، فابتسمت مرة أخرى وأمسكت بيدها القشة المطواعة لها، وبدأت تشرح لنا: «أولاً ننقعه بالمياه الساخنة لمدة نصف ساعة حتى يلين، ومن ثم نجففه وعندها يصبح جاهزاً للاستعمال، نأتي بثلاث قشات ونضعهن عكس بعضهن؛ أي نجدلهن تجديلاً عادياً ومن ثم نربطهن، والعقدة هي الأساس لنجاح الطبق، ونأتي بعود آخر ونضيفه إلى الحزمة بواسطة "المخرز"؛ وهي آلة حديدية تشبه المسلة ومعقوفة من جهة، وهي أساسية لصناعة الطبق، فنجاح الطبق يعتمد على العقدة، أيضاً نحتاج إلى "المقرد" وهو يشبه المقص لجعل القشة "مذلوفة" أي ناعمة وتدخل في المكان المناسب، نأتي بحزمة من عيدان القش ونلفها بداية بالعود المثبت بالعقدة، قبل نهاية عود اللف نثبت عوداً جديداً بواسطة المخرز ضمن الحلقة، ونلفه على نهاية العود السابق لتثبيته؛ حيث نثبت أيضاً كل دائرة بالدائرة السابقة عبر وصلهم بعود اللف، وبتكرار العملية يتكون الطبق».

سنابل القمح

وتفرح "منيفة" حين تدخل الألوان إلى طبق القش ليشبه أعشاب الأرض المتنوعة، أما عن كيفية صباغ القش بالألوان فأجابتنا قائلة: «أضيف الصباغ إلى المياه المغلية ضمن وعاء وأحرك المزيج حتى يذوب، ومن ثم أنقع القش لمدة يوم كامل وأحركهم من وقت لآخر حتى تختلط جميع العيدان بالصباغ، وكل وعاء أضيف إليه لون صباغ واحداً ليعطيني اللون الذي أريد، فلم تكن المعامل متواجدة من قبل.

عند إضافة الألوان لعيدان القش بدأت نساء القرية التفنن بصناعة الأطباق وكل حسب ذوقها، ومن ثم بدأت الأشكال الهندسية التي ترسم على الطبق تأخذ شكلاً أجمل، وأدوات الزينة القشية لاقت رواجاً كبيراً، حيث كنت أصنع صحن ضيافة مؤلفاً من عدة طوابق ملوناً ومزخرفاً، إلى أن أصبحت معروفة بطريقة صنعه بين القرى، وتعلمت كتابة الأحرف والكلمات على الطبق مع العلم أنني لا أقرأ ولا أكتب، ولكني كنت أرسم الحرف رسماً، وهكذا تعرفت إلى كلمات كثيرة بسبب هذه المهنة».

أما عن أنواع القش فأخبرتنا: «هناك نوعان من القش؛ الطبيعي وهو الذي تفضل العمل به، أما الاصطناعي فهناك من يفضلن العمل به بسبب ألوانه المميزة، وهو منتشر الآن بكثرة بسبب المعامل البلاستيكية التي تنتج بسرعة ولندرة القش الطبيعي، وأضافت أنه يمكن الاستفادة من الحصر المهترئة بإعادة تدويرها مرة أخرى.

هذه الحرفة من الحرف النادرة في القرية، فلم تعد موروثاً اجتماعياً أو تقليدياً، وإنما أصبحت تعتمد على محبة الشخص لهذه الحرفة، وتقتصر على المعمرات من القرية فوق 70 سنة؛ لأن الأبناء لهم اتجاهات أخرى، حيث اقتصرت صناعة القش على المشاركة بالأعراس، فتجدها في أكاليل الورود، أو تتصدر واجهات المحال، أو تزين جدران المنازل».