تمكن أبناء قرية "دير ماما" من توظيف بيئتهم الطبيعية والجغرافية لخدمة حياتهم المعيشية، فاحترفوا أعمالاً مختلفةً تحولت إلى إرث يعتزون به ويعتاشون منه.

لقد عمل أبناء في قرية "دير ماما" بأكثر من خمسة عشرة حرفة تراثية تناقلوها عن الآباء والأجداد، بغية العمل وتحقيق شخصية اجتماعية مستقلة إنتاجية غير استهلاكية، تميزهم عما يحيط بهم من مجتمعات بشرية، وقد أكد هذا حديث الأستاذ المتقاعد "محمد حسن" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 تشرين الأول 2014 حيث قال: «لقد تميز مجتمعنا القروي بالنشاط والحيوية، وتوظيف مكونات الطبيعة والبيئة الجغرافية المحيطة به لخدمته، فأسسوا من مختلف أعمالهم حرف يعتاشون عليها ليكونوا أناساً منتجين، فالجغرافية الطبيعية التي سكنوها على سبيل المثال، بقساوة تضاريسها ومساحتها الصغيرة لم تمتص كامل طاقاتهم الإنتاجية وحيويتهم الإبداعية، بل على العكس جعلتهم يفكرون بأفق أرحب شمل حين التنفيذ الفعلي لأعمالهم الحرفية مناطق وقرى ومحافظات عدة.

لقد أدرك أبناء القرية حاجة أبناء البادية لبيوت الشعر للسكن والترحال، وهم يملكون المواد الأولية لصناعته وهي شعر الماعز، الذي يعملون على تربيته بخلاف غيره من المواشي، وذلك بما يتناسب وطبيعتهم الجغرافية الصعبة، فعملوا على صناعة شرائح هذه البيوت وامتهنوا هذه الصناعة لسنوات طويلة في حياتهم التراثية

وبتوضيح أكثر، هم مدركون بأن من يعمل من أجل التسويق الدائم يسعى دوماً لإنتاج الأفضل، وخير مثال على ذلك، في موسم إنتاج الرمان امتهن أبناء القرية منذ القدم صناعة الدبس منه، وتميزوا بهذه الصناعة على مستوى المنطقة، حتى بات تجار دبس الرمان يأتون من مختلف المناطق والمحافظات لشراء كامل إنتاجهم، وهذا الأمر دفعهم للعناية الفائقة بما ينتجون للمحافظة على هذه الأسواق وفتح أسواق جديدة».

العمل على النول الخشبي

لقد استطاع أبناء القرية بجدارتهم ومحبتهم للعمل، استنباط مهن من أعمال فرضتها عليهم بيئتهم وواقعهم المعيشي، فلا يوجد شيء دون فائدة بالنسبة لهم، حتى ولو كانت قطع قماش بالية، وهنا قال السيد "محمد": «درجت في القرية حرفة صناعة البسط يدوياً، وعمل بها أناس أحبوا هذا العمل بعد أن ابتكروه من أفكار مجردة، حتى أصبح سمة تعرف بها عائلاتهم، وباعتقادي أن محاولة الاستفادة من كل شيء هي سبب نشوء فكرة صناعة البسط، لأن المواد الأولية في هذه الصناعة أقمشة بالية لا نفع لها، حاكوها بطريقة فنية راقية لتصبح عوازل يستخدمونها في أثاث منازلهم ويتاجرون بها في الأسواق التي ابتكروها لها، حتى أن من أمتهن هذه الحرفة في عقود سابقة كان حرفي جوال يقصد القرى والمدن البعيدة ليقدم خدماته فيها.

وكذلك بالنسبة لصناعة المناديل الحريرية، والتي باعتقادي كانت شرارتها مبادرة من بعض فتيات القرية، في محاولة للاستفادة من انتاجهم لشرانق الحرير».

غزل خيوط الحرير على المغزل

وفي حديث للسيد "أحمد حامد عباس" مختار قرية "دير ماما" قال: «في الزمن الغابر من حياة أبناء القرية، تعلم أحدهم مهنة الحلاقة فعلمها لأبنائه وأحفاده، ولسنوات طويلة بقيت هذه المهنة حكر على عائلتهم، وكانوا حلاقين جوالين في القرى ضمن مواسم وفترات محددة يخصصونها للقرى القريبة والبعيدة بالتناوب.

ومن المهن التي تؤكد توظيف أبناء القرية قدراتهم لخدمة معيشتهم، والاستفادة من الطاقات التي يمتلكونها بالشكل الأمثل، مهنة "الشعارة"، وهي مهنة فريدة وغربية بعض الشيء، وتعتمد على أصوات شجية وجميلة تطرب سامعها حينما يقوم بتقديم المقطوعات الشعرية غناءَ».

الأستاذ محمد حسن

ويضيف المختار "أحمد": «لقد أدرك أبناء القرية حاجة أبناء البادية لبيوت الشعر للسكن والترحال، وهم يملكون المواد الأولية لصناعته وهي شعر الماعز، الذي يعملون على تربيته بخلاف غيره من المواشي، وذلك بما يتناسب وطبيعتهم الجغرافية الصعبة، فعملوا على صناعة شرائح هذه البيوت وامتهنوا هذه الصناعة لسنوات طويلة في حياتهم التراثية».

إنتاج الحرير في القرية كان جيد جداً، وكان لابد لأبناء القرية من توظيف كميات هذا الإنتاج لخلق مناخ سياحي تسويقي يستفيدون منه بأمور مختلفة، وهنا تحدث السيد "محمد سعود" حيث قال: «صناعة الحرير حرفة رائجة وقوية في القرية يعمل بها جميع أبناء القرية دون استثناء، فمنهم من يعمل بإنتاج الشرانق، ومنهم من يعمل بحل شرانق الحرير، ومنهم من يعمل بحياكة هذا الحرير، وهذا دفعني لتوظيف هذه الحرفة بشكل آخر يخدم البيئة الاجتماعية في القرية، ويعرف مختلف القرى والمناطق والمحافظات المحيطة بنا بإنتاجنا، ويجذب السياح والمهتمين بالحرير للقرية، ويخلق مناخ استثماري جديد لم يكن معروفاً في تلك الفترة، علماً أني حرفي نول أي أعمل على نسج الحرير الطبيعي على نول خشبي عمره حوالي 180 عام، فأقمت معرض حرير دائم في القرية ضمن منزلي، استقدم السياح من مختلف الدول وخلق أجواء استثمارية جديدة».

السيد "محمد سليمان خضور" نجار خشب من أبناء القرية حاول طوال حياتهم المهنية الاستفادة من بقايا أخشاب ورشته الحرفية وجذوع الأشجار غير المفيدة، ليخفف استقدام أخشاب جديدة، فأنتج منها كراسي خشبية صغيرة، أحبها المعمرون لأنها لا تحتاج إلى مساحات كبيرة.