كانت "قناة العاشق" تروي قديماً مدينة "أفاميا" بشكل رئيسي، ورغم خرابها اليوم بسبب ما أصابها من عوادي الزمن وجنوحها إلى غياهب النسيان بين الحين والآخر إلا أنها ما تزال شاهداً على عظمة بُناتها الأوائل وعبقريتهم الهندسية.

مدونة وطن eSyria في 3/10/2012 تلقي الضوء على قصة حب شرقية، نبتت وسط سورية.

ما تزال البعثات الاستكشافية تعمل في البحث عن أماكن خربتها أعمال الفلاحة والزراعة. والخطر الأكبر عليها أن تنسى نهائياً، رغم أنها ما زالت تعيش في وجدان كل عاشق وكل سلموني

الأستاذ "علي كلول" رئيس لجنة الآثار في "جمعية العاديات" تحدث عن هذه القناة، قال: «يرجع تاريخ شق هذه القناة إلى نهايات القرن الأول وبدايات القرن الثاني للميلاد وذلك استناداً لنص اكتشف في رواق الشارع المستقيم داخل أفاميا، وهو مؤلف من أربعين سطراً نقشت على حجر كلسي في ذكرى تكريم أفاميا لحبيبها "لوقيوس جوليوس" لقيامه بإهداء مدينة "أفاميا" الخالدة أروقة وحمامات ولتوزيعه القمح والزيت على أهلها وذلك في عهد الإمبراطور "تراجان" ما بين عامي /116 - 117م/».

شكل القناة في أفاميا

وعمد المهندسون الذين أشرفوا على تشييد هذه القناة على حمايتها من دخول الشوائب إليها، وهنا يقول: «غُطيت القناة بالأحجار المستطيلة الكبيرة بشكل أصبح ما فوقها طريقاً مرصوفاً ومساوياً لسطح الأرض، ما يُسهل المرور فوقها، ولمنع تسرب المياه من جدرانها ومنع انهيار التربة من أطرافها، طُلي مجرى القناة من الداخل على طول القناة بمادتي "الكلس" و"القصرمل" غير النفوذتين، كما أقيم للقناة عدة جسور مختلفة وصل عددها إلى اثني عشر جسراً».

ويكمل: «حال هذه القناة حال الكثير من القنوات الأخرى في منطقة "سلمية" لم تكن تقوم بوظيفة الإرواء فقط بل إنها كانت تدير العديد من الطواحين التي شُيدت على مجاريها ما يسمح لنا برسم صورة واضحة عن غزارة مياهها وقوة تدفقها».

جسر لتسير القناة فوق الوديان

أما أستاذ التاريخ والباحث "غسان قدور" فيتحدث عن أصل الحكاية، قال: «ما وصل إلينا أن منافسة حامية نشأت بين أمير "مملكة جلميدون" في "مصياف" وأمير "سلمية" على استحواذ قلب أميرة "أفاميا"، لكن قلب الأميرة أحب أمير "سلمية" الذي تقدم لخطبتها، وكانت حاضرة "أفاميا" حينها تعاني من شح في مياه الري، في حين أنها غزيرة في "سلمية" التي تمتلك حوالي /350 قناة مياه/، ووافقت الأميرة على الزواج شرط نقل المياه من "سلمية" إلى مدينتها العطشى».

أما جغرافيا فأوضح حول المكان الذي انطلقت منه هذه القناة حتى وصلت حاضرة "أفاميا": «ثمانون كيلومتراً المسافة التي تفصل "سلمية" عن "أفاميا" بشكل مستقيم، أما نقطة انطلاق القناة فإنها ترتفع /475 متراً/ عن سطح البحر، في حين ترتفع "أفاميا" قرابة /308 أمتار/ عن سطح البحر، ليصل الفارق بينهما إلى /167 متراً/ ترتفع بها أراضي "سلمية" عن أراضي "أفاميا"، حيث كان ميل جريان القناة ينخفض بمعدل متر واحد كلما قطعت مسافة /1 كم/، أما طول القناة وحسب جغرافية ميل الأرض فوصل إلى /152 كيلومتراً/».

خريطة تبين خط سير القناة

وعن منبع القناة قال: «في "سلمية" كانت تتشكل بحيرة كبيرة من خلال نبع "عين الزرقاء" إلى الجنوب من "قلعة شميميس"، وكانت المنطقة تشتهر بزراعة العنب والأشجار المثمرة، ويتحدث الناس عن غابات حقيقية كانت حاضرة بفعل الوفرة الكبيرة في المياه حيث وصل عدد أقنيتها إلى 350 قناة، حتى إن البعض كان يقول إن عدد أقنية "سلمية" بعدد أيام السنة الميلادية».

وفور موافقة الأميرة على عرض الزواج بدأ العمل في شق القناة: «جنّد أمير "سلمية" عدداً كبيراً من العمال لشق هذه القناة، وتمتاز بقيمتها الهندسية والإنشائية العالية، فهي ممتدة تحت سطح الأرض وتعتبر أطول القنوات المعروفة في المنطقة الوسطى».

أما وضعها الراهن فقد بقي على حاله مذ تعرضت للهدم نتيجة زلزال أصابها في القرن الثاني الميلادي: «ما تزال البعثات الاستكشافية تعمل في البحث عن أماكن خربتها أعمال الفلاحة والزراعة. والخطر الأكبر عليها أن تنسى نهائياً، رغم أنها ما زالت تعيش في وجدان كل عاشق وكل سلموني».

ختاماً بقي أن نعرف أن الحكاية لم تنته النهاية التي تمناها العاشقان، فكانت مثل حكايا الحب العذري، ولم تتوج بالزواج، لكن المياه وصلت "أفاميا".