«عندما كنت شاباً يافعاً ذهبت إلى سينما"حماة" بصحبة بعض الأصدقاء واستمتعنا بأحد الأفلام القتالية، لكن ما حدث بعد أن عرف والدي كان غير متوقع، فقد نهرني بشدة وأخذ عليّ عهداَ بعدم الذهاب إلى السينما مرة أخرى».

لعل هذا هو الموقف الذي يذكره الشاب "ياسين ورار"من سكان مدينة "حماة" عندما قرّر الذهاب لحضور فيلم سينمائي ليس غريبا، فهو موقف متكرر عند معظم أبناء هذا الجيل، وبدليل أن المتتبع لنشاط السينما يؤكد أنه ليس على ما يرام، وهذا ما دفع eSyria للاستقصاء عن الأسباب المحتملة لهذا الركود منذ فترة طويلة.

كانت سينما"الشرق"سينما عائلية، وكانت تقام فيها أيضا عروض للنساء فقط في أيام معينة ، وحتى سيدات المجتمع الراقي كن يعتبرن السينما مكانا راقياً لإقامة حفلاتهن الخاصة

فالإعلامي"عبد الرحيم فاخوري" أحد وجوه "حماة" المميزة يتذكر السينما في المدينة منذ كان شابا حيث يقول:

الأستاذ عبد الرحيم فاخوري

«كان يوجد في مدينة"حماة"خمسة دور سينما هي"الدنيا" و"الشرق" و"الأمير" و"الفردوس" و"المنتدى"، كانت تكتظّ بالناس حيث كان لها ألق وروعة وجمال، وحتى الحفلات الكبرى للمغنين الكبار كـ"صباح" و"عبد الوهاب" كانت تقام في السينما، لكني لاحظت أنه في السبعينات بدأت السينما تتراجع في المدينة بسبب ظهور التلفزيون الذي أخذ المشاهد من السينما».

ويضيف: «كانت سينما"الشرق"سينما عائلية، وكانت تقام فيها أيضا عروض للنساء فقط في أيام معينة ، وحتى سيدات المجتمع الراقي كن يعتبرن السينما مكانا راقياً لإقامة حفلاتهن الخاصة».

السيد محمود كزكز

ويشاركه الحاج "محمود كزكز" الذكريات الجميلة عندما كان شابا حيث قال:

«ارتدت السينما منذ وقت طويل منذ ما يقارب الخمسين عاما أيام الشباب، حيث كانت تعدّ مصدر التسلية الوحيد بسبب أن التلفزيون كان غير موجود، وكنا ننتظر أفلام"الكاو بوي" الأمريكية ونتابعها بحرارة، لكن في الستينيات دخل التلفزيون إلى"حماة" مما سبّب انخفاض متابعتي للسينما حتى انعدمت منذ سنوات طويلة».

السيد اسعد الظريف

لكن السيد "أسعد الظريف" صاحب أحد أشهر المحلات لبيع الأفلام في المدينة يرفض مقولة أن التلفزيون سرق المشاهد من السينما وعلل ذلك بقوله:

«ليس من المعقول التصديق أن التلفزيون أو الراديو هم من سببوا خلو قاعات السينما، لأن متعة مشاهدة الفيلم داخل السينما لا تشابهها متعة، وأنا واحد من الأشخاص ممن يتمنون أخذ أولادهم لمشاهدة فيلم في السينما».

وعن هل يمكن أن طبيعة الناس في"حماة"هي من سببت انعدام نشاط صالات السينما يقول الأستاذ "عبد الرحيم": «المجتمع الحموي مجتمع "بيتوتي" أي يحب السهرات في البيت كثيرا، لكنه مجتمع كباقي المجتمعات في سورية متطور ومنفتح، ولعل سبب عدم رغبة الآباء دخول أبنائهم للسينما هو التدخين، حيث تحولت السينما في الفترة الأخيرة إلى منتدى للمدخنين ولا تصلح لمشاهدة الفيلم فيها».

أما السيد "أسعد الظريف" فهو يرفض إلقاء اللوم على أهالي المدينة حيث يقول:

«أهالي"حماة" يذهبون للمسابح والمطاعم والمسارح فمن غير المنطقي اتهامهم بأنهم لا يحضرون الأفلام، ومن موقعي كبائع للأفلام وجدت أن الحمويين متابعين جداً للأفلام وهناك ارتياد كبير على شراء الأفلام التي تزيد من ثقافتهم، كون قسم كبير من أبناء هذه المدينة مثقف ويهمهم الإطلاع على الأفلام التي ربما تطلع المشاهد على التطور في العالم».

أما الشاب "طرفة الإدلبي" يذكر النشاط الذي قام به في كليته والذي يؤكد أن الشباب في المدينة متابع جداً ومحب للسينما فيقول:

«كون الكلية التي أدرس فيها علمية تطبيقية، كانت تحوي على العديد من أجهزة الإسقاط الضوئي، فقمت بتنظيم عرض سينمائي لفيلم "أفاتار" وما كان غير متوقعا هو الحضور الشبابي الكبير للعرض الذي فاق خمس مئة طالب وطالبة من جميع كليات مدينة "حماة"، وهذا الحضور دل على الحب الشديد الذي يملكه شباب المدينة للسينما».

وعن السبب الذي أدى إلى حالة السبات الطويل الذي تعيشه السينما يقول السيد"أسعد الظريف":

«هناك العديد من الأسباب، أولاً نوعية الأفلام التي تعرض أقل ما يقال عنها أنها هابطة لا تستحق إهدار ساعتين من الوقت لمشاهدتها، فأنا من يبيعهم الأفلام وأعرف نوعيتها، وثانياً أسلوب الدعاية لديهم بدائي جداً يقتصر على صورة أو صورتين في الخارج ليتفاجأ الداخل بأنه يشاهد فيلما غير ما أعلن عنه بالخارج، وثالثاً الصورة السلبية التي طبعت في عقول الآباء بأن السينما أضحت مرتعاً للمراهقين والمدخنين، وهناك أيضا أنه لا أحد من أصحاب دور السينما قام بالتضحية وإجراء تحسينات كالصيانة وحملات الترويج لجذب الناس، وهذا سبب تراجع حاد في الزوار إلى أن وصلت إلى الحال التي نراها فيها هذه الأيام مغلقة دون زوار وكأن لسان حال أصحاب السينما يقول"اللي بيجينا أهلا وسهلا واللي ما بدو مع السلامة"».

ويكمل الأستاذ "عبد الرحيم" مؤيدا ما سبق ذكره من الأسباب ومضيفاً:

«وزارة الثقافة لم تدخل في دعم هذه الصالات، ولم تحدث صالة "الكندي" مثلا كما في"حمص" و"حلب"و"دمشق"، لذا يقع على عاتق الوزارة تدهور السينما، حيث من المفروض أن تتدخل وتعيد الروح إلى السينما».

ويطرح الأستاذ "عبد الرحيم" بعضاً من الحلول للنهوض بالسينما في المدينة حيث يقول:

«إذا أردنا الحفاظ على السينما هناك خطوتان لحل هذه المشكلة، الأولى هي من مسؤولية وزراة الثقافة حيث يجب أن تكون هناك مبادرة من ناحيتها تحديداً، وأن تضع بصماتها بشكل دائم وأن تكون مسؤولة جودة الأفلام، أما الثانية تتعلق بأصحاب دور السينما فلابد من تطوير هذه الصالات وجعلها مكاناً مريحاً يؤمن مشاهدة ممتعة، وهذا يتم من خلال أعمال تجديد لها، والاهتمام بالحملة الإعلانية لأفلام تنال إعجاب المتابعين للسينما، أي أن تكون الأفلام تحمل هدفا وذات أسلوب مشوق يجذب المتابع من البادية وحتى النهاية، وهذا باعتقادي هو الحل لإعادة العصر الذهبي للسينما في"حماة"».