صحفي جريء ومناضل، قضى معظم أوقات عمره في الدفاع عن وطنه بقلمه، وكان من أوائل الذين أنشؤوا الصحف في "سورية"، قاد مظاهرات ضد الاحتلال، وألف العديد من الكتب والروايات.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 تشرين الثاني 2014، الباحث والموثق "محمد حسان العظم" من سكان مدينة "حماة"، الذي تحدث عن الأستاذ "عبد الحسيب الشيخ سعيد"، ويقول: «تلقى علومه في مدارس المدينة على يد بعض شيوخها وفقهائها، التحق بدار المعلمين في "دمشق" إبان الحكم العثماني، ولكنه طُرد منها قبل أن يكمل دراسته؛ لتصادم نزوعه القومي العربي بنزوع الطورانيين (أي أصحاب النزعة القومية التركية)، كان شغوفاً بالمطالعة منذ نعومة أظفاره، يختلس الهنيهات للقراءة في ضوء وسائل الإنارة البدائية، وظل دأبه هذا حتى أثناء حياته المهنية، فكان الكتاب يظل مفتوحاً أمامه وهو يعمل، ولا يتوانى عن قراءة كل ما يصل إلى يده لو لم يقتنع به، وأصبح صاحب قلم يكتب مباشرة دون مسودة».

كان يحاكم لدى إحدى المحاكم الفرنسية في "دمشق" عن مقال كتبه، عندها كنت أدرس في معهد الحقوق وأحضر جلسات المحاكمة مع لفيف من المواطنين، فلما برأته المحكمة، خرج معه عدد من الصحافيين في تظاهرة عابرة بعض الشوارع

ويتابع "العظم": «ساهم في إنشاء عدة صحف وعلى رأسها صحيفة "الهدف" سنة 1919م، التي أغلقها الفرنسيون بعد بضع سنوات، كما أسس مع إخوانه الوطنيين "النادي الأدبي" في "حماة" أيام الفرنسيين الأولى، فكان مركزاً للثقافة والتربية وبث الروح النضالية ضد الاستعمار، ومنه انبثقت شعلة الثورة السورية 1925-1927م، واشترك مع إخوانه ومنهم الثائر الخالد "سعيد العاص" في تأسيس ملجأ "الأيتام" في "حماة"، وكان من لجان "دار العلم والتربية" تلك المؤسسة النادرة التي أنشأها الملك "فيصل" الأول وجعل مقرها "قصر العظم" في "حماة"، وللأستاذ "الشيخ سعيد" ترجع فكرة أعياد الميلاد وممارستها، وكذلك فكرة جر المياه النقية إلى المدينة من العيون القريبة».

الباحث والموثق محمد حسان العظم

ويتابع: «سكن "عبد الحسيب" مع الثائر الشهير "فوزي القاوقجي" في دار عربية لصاحبها الحاج "صالح فلاحة" على "تل الدباغة"، ولما نشبت ثورة 1925م، راح الفرنسيون يقصفون الدار في غياب صاحبيها المشاركين في الثورة، فعانى الأمرين، وبعد تعطيل مجلة "الهدف" وعرقلة مكتبتها المنيرة التي حفلت بأصناف الكتب أنشأ المرحوم "عبد الحسيب" مطبعة سماها "الإصلاح"، وربما أصدر أيضاً جريدة سماها بهذا الاسم، وكانت قد سبقتها مطبعة "الإخلاص" لأحد المواطنين ثم انقرضت تلك المطبعة، وبقيت مطبعة "الإصلاح" الوحيدة في "حماة" حتى اليوم، ويذكر أنه في خمسينيات القرن الماضي أعيد نشر مجلة "الهدف" بحلة جديدة على يد ولديه ثم عطلتها الحكومة بعد سنتين».

تحدّث الوطني المرحوم "رئيف الملقي" الذي كان يشغل وزير المعارف قبل أن تصبح وزارة التربية عن "الشيخ سعيد"، ويقول: «كان يحاكم لدى إحدى المحاكم الفرنسية في "دمشق" عن مقال كتبه، عندها كنت أدرس في معهد الحقوق وأحضر جلسات المحاكمة مع لفيف من المواطنين، فلما برأته المحكمة، خرج معه عدد من الصحافيين في تظاهرة عابرة بعض الشوارع».

ويشير مدرس اللغة العربية "محمد الحمود" إلى أن "عبد الحسيب" ألف عدداً من الكتب رأى بعضها النور، وظل بعضها في الظلال، وفُقد بعضها الآخر، ويقول: «أصدر سنة 1921م كتابه "خواطر"، وسنة 1923م كتابه "الصناعة الوطنية" وأهداهمها إلى قراء "الهدف"، وأصدر سنة 1945م الجزء الأول من كتابه عن ثورة "حماة" سنة 1945م الذي حمل اسمه مع اسم المقرئ الضرير الشيخ "عثمان الحداد" واسم "حسن القطان" صاحب مكتبة في حي "الحاضر" من أحياء "حماة"، وكان اشتراكهما في الاسم لغاية التوزيع، أما مضمون الكتاب فهو بقلم الأستاذ "عبد الحسيب"، كما أصدر كتاب "رجال الثورة الحموية"، وفي الأربعينيات أصدر روايتين هما "تريفون" قصة قائد حموي شهير في الجيش الروماني، ورواية "جولياميزا" قصة سيدة من الأسرة الحمصية التي حكمت "روما"، وقد كان شغوفاً بالتاريخ والآثار التاريخية، ولكن مخطوطات التاريخ ضاعت في خضم الأحداث ولم يصدر الجزء الثاني من ثورة "حماة"، وكانت من المخطوطات المهيأة أيضاً كتاب عن الأديرة في العالم العربي والإسلامي بعنوان "حديث الشيخ المقنع"».

يذكر أن "عبد الحسيب الشيخ سعيد" من مواليد "حماة" سنة 1894، ورحل سنة 1960، مخلفاً ذكراً حسناً وتواضعاً واسعاً وإباءً وعنفواناً قل نظيره.