من شعراء الأصالة والوضوح والتوازن، يحرص دائماً على التواصل العميق، عمل في الكثير من المجالات؛ ما زاد من تلاحمه مع الطبقة الكادحة وترك بصمة كبيرة في مدينة "حماة".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 تشرين الأول 2014، الشاعر والكاتب "مزاحم الكبع" في نادي "الصحفيين"، فتحدث عن شاعرنا العريق "الشيخ خليل"، ويقول: «أكثر من خمسين عاماً وشاعرنا يسطر الشعر والمقالة الاجتماعية، كما كتب المسرحية الشعرية أيضاً، رغم أنه نشر قصائده ونتاجه الأدبي بغزارة في أغلب الصحف السورية والعربية، وإلى اليوم أصدر ديوانين من شعره، هما: "مناجاة الشموع"، و"سماط الروح"، وبقيت العشرات منها رهينة الأدراج، لأسباب أجهلها، ربما لضيق المعيشة، أما في "مناجاة الشموع" -كما يقول الدكتور "مصطفى العلواني"- فإن هذا الديوان نسخة من شاعرنا "عبد الوهاب" بدمه ولحمه بمشاعره وأحاسيسه بعواطفه وأمنياته، بحنانه ووفائه، بكرمه وهدوئه وصداقته وتعاونه ومشاركته للآخرين أفراحهم وأتراحهم، فهو شاعر من القلة ممن يشبهون كتاباتهم، فلا نجد فرقاً بين شعره وأسلوبه الحياتي، وهنا نجد ديوانه الثاني "سماط الروح" بذات الصدق والعاطفة والشاعرية الأصيلة».

تطرقت الكثير من الأقلام إلى تجربة شاعرنا الكبير، وكتب عن حياته وعن إنسانيته ووطنيته، وبدوره هو أيضاً كتب الكثير عن التجارب الشعرية والحياة الاجتماعية

وقال "الكبع": «من الأشياء المؤثرة التي تركت بصمة في الساحة الثقافية بمدينة "حماة" كانت "الأوراق العشر" التي تطرق فيها الشاعر "عبد الوهاب الشيخ خليل" إلى مذكراته ضمن حلقات، نشرها على صفحات جريدة "الفداء"، وعنونها على الشكل التالي: "في الكتّاب"، "طفولتي المهنية"، "في سوق الطويل"، "الفرنسيون في سورية"، "كيف كانت الأزياء في أوائل الثلاثينيات - أزياء الرجال"، "أزياء النساء"، "المقاهي في حماة ودورها الاجتماعي من عام 1930- 1945"، "أثر المقاهي في الحياة الاجتماعية"، "الأثر الفني والرياضي للمقاهي"، "الطب والطبابة في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي"، وجاءت هذه الدراسات وثيقة دونت فيها مرحلة تاريخية لمدينة "حماة"».

عبدالوهاب الشيخ خليل مكرماً

وينهي حديثه: «تطرقت الكثير من الأقلام إلى تجربة شاعرنا الكبير، وكتب عن حياته وعن إنسانيته ووطنيته، وبدوره هو أيضاً كتب الكثير عن التجارب الشعرية والحياة الاجتماعية».

أما الأستاذ "عبد الرزاق الأصفر" فيقول في كتاب "مع الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل" الصادر عن "اتحاد الكتاب العرب" عام 2008، ضمن سلسلة "أدباء مكرمون": «ولد الشاعر "عبد الوهاب" في مدينة "حماة" عام 1926، وقد اكتفى والده بتعليم أولاده في "الكتاب" القرآن الكريم ومبادئ العربية والحساب، وتلقى "عبد الوهاب" علومه الضرورية هذه في كتّاب الشيخ "عبد الرحمن جنيدي" المشهور بـ"قتال التين"، في جامع "الأربعين" بالقرب من حي "اليعاقبة"، ولكنه ترك الكتَّاب وهو في العاشرة من عمره، ليساعد والده في مهنة "الحذاء"، وبدأ ميله للأدب وهو في مقتبل العمر، حيث شجعه والده على حفظ الشعر والقصائد وأخذه ليحضر مجالس "الحكواتي" و"خيال الظل" التي كانت تعرض في المقاهي، ولأن مهنة "الحذاء" لم تكن تسد رمق العيش؛ ما أرغمه على أعمال مؤقتة وشاقة، تقلب منها في مسلسل متنافر الحلقات زاد من تلاحمه مع الطبقة الكادحة فخبر عذاباتها وجميع أحوالها، فاشتغل عاملاً في رصف مدارج مطار "حماة"، وعتالاً على عربة، وشاحذ سكاكين، وهاجر إلى "فلسطين" قبيل النكبة لقصد العمل، وهناك وقف على جرائم الإنكليز ومكائد اليهود، وعاشر الفلسطينيين والعمال المهاجرين، ثم عاد إلى بلده فأصبح شرطياً فجابياً فجمركياً، وأتيح له في كوخ الشرطة أن يجد فراغاً يملؤه بقراءة بعض الكتب الأدبية والمجلات الجديدة، وأن يدرس الابتدائية وهو في الثالثة والعشرين من عمره».

مزاحم الكبع

ويضيف: «ثم قاده قدره ليعمل مستخدماً في مقسم مديرية التربية في "حماة"، وأن يلتقي مديرها الشاعر "عمر يحيى"، ولما آنس المدير من هذا الشاب الأمانة والجد والطموح وحب المطالعة، وعلم أنه يستعد للتقدم لامتحان الكفاءة أعجب به وشمله بعطفه ورعايته وأتاح له المجيء إلى بيته؛ ليعلمه دروساً في منهاج اللغة العربية، إضافة إلى ما كان يتلقاه على يد المشايخ النحاة، وهكذا حصل على الشهادة الإعدادية وأصبح معلماً، ثم تابع دراسته الخاصة فنال الشهادة الثانوية عام 1960، ولم يقف طموحه عند هذا الحد بل انتسب إلى كلية الحقوق، وجمع بين الدراسة وأعباء الوظيفة والأسرة إلى أن نال الإجازة في الحقوق عام 1968، ولكنه لم يعمل في المحاماة أو القضاء، بل آثر مهنة التعليم التي يحبها ويراها أشرف المهن».

الأديبة "فادية غيبور" تقول في ذات المصدر: «سمعت اسم الشاعر "عبد الوهاب الشيخ خليل" عندما انتسبت إلى دار المعلمات في "حماة"، وقرأت بعض شعره، غير أنني لا أذكر بدقة متى قابلته وجهاً لوجه، كل ما أذكره أنه أعاد إلى ذاكرتي صورة والدي الراحل حناناً وطيبة وصدقاً ودماثة معشر وسخاء كف، هذا إضافة إلى تميزه عن والدي بملكة الشعر، ويوماً بعد يوم ترسخت هذه الصور في قلبي وعقلي وتجسدت محبة واحتراماً لهذا الرجل الإنسان بكل ما تعنيه كلمة إنسان من معان جميلة، فكيف إذا كان هذا الإنسان شاعراً بفطرته وإحساسه الصادق وسلوكه اليومي».

سلسلة مكرمون عن الشيخ خليل

يذكر أن الشاعر "عبد الوهاب الشيخ خليل" عضو "اتحاد الكتاب العرب"، كرمه الاتحاد عام 2008؛ من خلال كتاب احتوى بين دفتيه العديد من المقالات والقصائد للشاعر، وما كتب عنه من قبل الشعراء والكتاب.

مختارات من شعر "عبد الوهاب الشيخ خليل" من قصيدة "باب النهر في حماة"، يقول فيها:

"جمال فوق ما تسع العيون

وسحر لا الخيال ولا الظنون

وآيات من الألحان تتلى

وباب النهر أبدعه الفتون

كأن النهر أحلام العذارى

مسلسلة وإن خفيت تبين

يمر مخالساً حذراً وئيداً

وفي الشلال يعروه الجنون".

وفي قصيدة "طائر النيل" يقول:

"أتاني على جنح الأثير يرفرف‏

رسولٌ من النعمى، أرق وألطفُ‏

وهاج شعوري بالرفيف جناحهُ‏

فأمسيت أختار النجوم وأقطفُ‏

تضمّخ من عطر الكنانة ثوبهُ‏

ومن عطرها تزكو النفوس وتشرُفُ‏

ومن عطرها أحلام قلب مولّه‏

يذوب لدى الغيطان عشقاً وينزفُ".‏

وفي قصيدة "عجباً لهذا القلب" يقول:

"أشرقت في نفسي فعمّ مشاعري

وغدت جميع المدركات جميلة

وتسربت لخواطري أشواقي

فمضيت أذكرك الغداة بمجلسي

حتى تعجّب من سناك رفاقي

أسهبت في وصف الجمال وسحره

ورحلت أبحر في سنا الأخلاق

فوجدت نفسي في صلاة صبابة

تذكي الخشوع بقلبي الخفاق".