مفردات العمل بصناعة كراسي الخشب التراثية في قرية "دير ماما"، بسيطة جداً لا تتعدى المنشار اليدوي والمبرد والحبال المجدولة، فهي حرفة لا تزال مستمرة طالما أسواق التصريف مفتوحة.

كراسي الخشب الصغيرة في قرية "دير ماما" تحاكي التراث "الديرمامي" بجميع مفرداته ومراحله الزمنية، فترى المعمرين يمارسون لعبة المنقلة على هذه الكراسي في مختلف الأماكن، وخاصة منها الضيقة والصغيرة المساحة، لأنها برأي السيد "أحمد حامد عباس" مختار القرية كراسٍ لا تحتاج إلى حيز كبير ليجلس عليها الفرد، فيمكن أن تكون في الأزقة الشعبية وبجانب النبع وضمن المحال التجارية، ناهيك عن جلستها المريحة التي تسر المعمرين، ومتانتها لجودة صناعتها اليدوية.

في السابق كنت أبيع الكرسي الواحد بليرة سورية واحدة، أما الآن فسعرها يصل إلى 700 ليرة سورية، وهو مبلغ جيد وإضافي يزيد من مدخولي في المنشرة وأستند إليه عندما لا يوجد لدي ورشات أعمل بها، خاصة أن الطلب عليها جيد محلياً في القرية وخارجياً ضمن مناطق ومحافظات أخرى كالساحلية مثلاً، لذلك أتعمد أن يكون لدي إنتاج احتياطي من هذه الكراسي لتكون جاهزة للبيع حين الطلب

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع أقدم حرفي وما زال يعمل بها حتى الآن السيد "محمد سليمان خضور"، بتاريخ 10 تشرين الأول 2014، قال: «منذ ما يزيد على عشرين عاماً تعلمت صناعة كراسي الخشب الصغيرة من والدي السيد "سليمان" الذي امتهن العديد من الحرف الأخرى، منها صناعة شرائح "بيوت الشعر" البدوية، وهنا يمكن القول إن حرفة صناعة الكراسي الخشبية هي حرفة متوارثة في العائلة، وقد امتهنتها كحرفة يدوية إلى جانب عملي بالنجارة العربية، فأستفيد في بعض الأحيان من بقايا الأخشاب لإتمام العمل بها، ولكن في العموم أستخدم بهذه الصناعة الحرفية جذوع الأشجار التي أستقدمها من وادي القرية، حيث كانت أخشابها في السابق من جذوع أشجار التوت التي ليس لها استخدام أو فائدة خلال مراحل تربية دودة الحرير، أما في الوقت الحالي فأخشابها من جذوع أشجار الصفصاف.

السيد محمد وبيده كبة الخيوط

العمل بهذه الحرفة بالنسبة لي متعة لأنها تملأ أوقات فراغي، وتمنحني الشعور بالرضا الذاتي عندما أقدم منتجها "كرسي الخشب" كهدية مع كل قطعة موبيليا أنتجها في ورشتي الصغيرة، كما أنها تساهم باستمرار اسمي كحرفي في القرية، خاصة أنني أول من عمل بها واستمر حتى الوقت الحالي، وهذا لا يعني أنه يوجد حرفيون يعملون بهذه الحرفة "صناعة كراسي الخشب"، سوى حرفي واحد شاب تعلمها منذ وقت قريب».

ويضيف الجد "محمد" في حديثه عن مراحل العمل بالقول: «أقول عن حرفة صناعة الكراسي إنها حرفة يدوية لأن العمل بها يدوي مئة بالمئة منذ البداية وحتى النهاية تقريباً، وذلك باستخدام أدوات عمل تقليدية بسيطة جداً وغير معقدة، أهمها المنشار، والمبرد، والغراء "لاصق"، والخراقة "المثقب اليدوي"، حيث أقوم بعد إحضار جذوع الأشجار بتقطيعها وفق مقاسات محددة إلى قطع طولانية مربعة الشكل بطول حوالي خمسين سنتيمتراً، وعرض حوالي سبعة سنتيمترات، تكون مثل أرجل الكرسي.

العدة البسيطة

وهذه الأرجل عددها أربع لكل كرسي، في الثلث الأخير من جانبي القطعة المتجاورين حفرتان غير مكتملتين، أي لا تخترقا القطعة الخشبية، وفي الربع الأول من القطعة في القسم العلوي يوجد أيضاً حفرتان متماثلتان على وجهين متجاورين كما الحفر السابقة، وهذه الحفر مخصصة لوضع وتثبيت أعواد أسطوانية الشكل فيها، تكون بمنزلة مرابط مع بقية القطع المربعة الثلاث المتبقية أي بقية الأرجل.

بعد حفر الفتحات في الأرجل وتثبيتها مع بعضها بعضاً لتأخذ الكرسي قوامها وشكلها الأساسي، تترك عدة ساعات حتى يجف الغراء جيداً، وهنا تبدأ مرحلة تركيب وشد الوجه الخاص بالجلوس، وهو عبارة عن خيوط مجدولة مع بعضها بعضاً حتى تصبح ثخانتها بثخانة القلم، حيث كانت هذه الخيوط في السابق من نبات "الحيصد" الذي يجمع من الطبيعة وينقع بالماء ليصبح طرياً وسهل التعامل خلال مراحل الجدل ومن ثم التركيب، أما الآن فهي عبارة عن خيوط بلاستيكية خاصة أشتريها من تاجر في مدينة "مصياف" يستقدمها من محافظة "حلب".

أمام السيد محمد أرجل الكرسي بعد الانتهاء منها

تشد الخيوط بشكل جيد بجانب بعضها بعضاً، على جنبي الكرسي المتقابلين، وبعد الانتهاء تشد مرة أخرى بذات الطريقة على الجنبين الآخرين المتقابلين أيضاً، مع محاولة تداخل الخيوط مع بعضها بعضاً، لتصبح الكرسي جاهزة للاستخدام بعد تلوينها باللون البني أو تركها على طبيعة لون الخشب».

هذه الحرفة التراثية تؤمن للجد "محمد" مصدر دخل إضافي اعتمد عليه في حياته المهنية، وهنا قال: «في السابق كنت أبيع الكرسي الواحد بليرة سورية واحدة، أما الآن فسعرها يصل إلى 700 ليرة سورية، وهو مبلغ جيد وإضافي يزيد من مدخولي في المنشرة وأستند إليه عندما لا يوجد لدي ورشات أعمل بها، خاصة أن الطلب عليها جيد محلياً في القرية وخارجياً ضمن مناطق ومحافظات أخرى كالساحلية مثلاً، لذلك أتعمد أن يكون لدي إنتاج احتياطي من هذه الكراسي لتكون جاهزة للبيع حين الطلب».