تعد حرفة حياكة مناديل الحرير في قرية "دير ماما" من الحرف التراثية المستمرة التي اعتمد عليها أبناء القرية كمصدر دخل أساسي أسسوا عليه كيانات أسرهم، واستنبطوا منها حرفاً أخرى.

هذه الحرفة الموغلة في القدم تحاول البقاء صامدة رغم الحداثة والعصرنة، لأن العاملين بها مدركون لأهميتها، والمستخدمين لمنتجاتها كثر حتى يومنا هذا، وهو ما أكدته لمدونة وطن "eSyria" السيدة "وحيدة خضور" من أبناء وسكان القرية، بتاريخ 2 تشرين الأول 2014، حين قالت: «العمل بحرفة حياكة الحرير عمل متوارث عبر أجيال متعددة في القرية، وأنا إحدى العاملين بها حتى هذا الوقت منذ عدة عقود، لأنه عمل ساعدني وزوجي المدرس "محمد حسن" على تعليم أبنائي وتنشئتهم تنشئة جيدة، فهو من يقدم لي الخيوط الحريرية التي ينتجها من تربية دودة الحرير.

يكون ملمس الحرير خشناً بعض الشيء، أشعر به بين يدي، وفيه شيء من عدم المطاوعة "القساوة"، ولكن بعد حياكته وغسله بالماء الدافئ يصبح ناعماً جداً وطرياً

أقوم بحياكة الحرير بواسطة السنارة اليدوية، وأصنع منه المناديل و"الشالات والكنزات"، وجميعها لزينة المرأة في وقتنا الحالي كما كان في العقود السابقة، فنحن لم نضف أي تعديل على المناديل المحاكة الآن، لأن أشكالها وقوالبها ثابتة منذ دخلت إلى قريتنا.

منديل مثلث

ولكل منديل نقوم بحياكته اسم ووظيفة تعتمد على طوله وطريقة حياكته واستخدامه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، منديل حرير يطلق عليه اسم منديل "نصف فجة" ويكون طوله نحو مترين ونصف المتر، وعرضه نحو أربعين سنتيمتراً، وهو مخصص للسيدات المتوسطات بالعمر والجدات المعمرات، حيث يضعنه على رؤوسهن كغطاء، أما منديل الحرير العادي فيكون طوله حوالي المترين وعرضه نحو أربعين سنتيمتراً كما السابق، وهو مخصص للشابات في مقتبل العمر، وهذه المقاسات متوارثة من حياة أجدادنا التراثية القديمة، كما يوجد المنديل ذو الشكل المثلث الذي يوضع على الكتفين، ويكون طوله حوالي المترين، وعرضه كذلك، إضافة إلى الشال الحريري العادي الصغير المخصص للرقبة كزينة للشابات، و"الكنزة" الحريرية للأطفال».

وتتابع السيدة "وحيدة": «يكون ملمس الحرير خشناً بعض الشيء، أشعر به بين يدي، وفيه شيء من عدم المطاوعة "القساوة"، ولكن بعد حياكته وغسله بالماء الدافئ يصبح ناعماً جداً وطرياً».

ماسورة الخيوط

السيد "محمد سعود" من أبناء وسكان قرية "دير ماما" وأحد العاملين بحرفة حياكة الحرير على نول تراثي عمره نحو 180 عاماً، حتى الآن، قال: «حياكة الحرير تتم عبر طريقتين: الأولى طريقة شعبية رائجة بين سيدات القرية، وهي بواسطة الماسورة القصبية التي تلتف حولها خيوط الحرير، وتحيك هذه الخيوط سنارة يدوية معدنية صغيرة، والثانية تخصصية بواسطة النول التراثي، وهي في الأغلب تكون طريقة "حرفة" متوارثة ضمن العائلة، كما أفراد عائلتي الذين عملوا على ذات النول منذ ما يقارب 180 عاماً وحتى الآن.

وهذه الطريقة تسمى نسج الحرير لصناعة ما يسمى بثوب الحرير أي كما ثوب القماش الخام الجاهز لتصنيع القطع منه، فنحن ننسج أثواب الحرير وفق الطلب، ولها أسواقها الرائجة المفتوحة».

المغزل

لقد كانت هذه الحرفة أساس نشأة حرف أخرى قامت عليها أسر بكاملها، بحسب رأي السيد "محمد سعود" حين قال: «العمل بالحرير وحياكته تطلبت من أبناء القرية صناعة كافة مستلزمات إتمام العمل لتكون حلقة متكاملة، فمثلاً بعد التعرف على حياكة الحرير بواسطة السنارة في العقود القديمة، استنبط أبناء القرية طريقة صناعة النول الخشبي وأصبحت حرفة تمتهنها عائلات وتتوارثها فيما بينها، كما في عائلتنا التي تملك أقدم نول في القرية، إضافة إلى صناعة دواليب الحل، التي تجمع خيوط الحرير وتنسجها فيما بينها لتصبح شللاً سهلة التعامل وجاهزة للاستخدام».

وفي لقاء مع الأستاذ "محمد حسن" مدرس تاريخ متقاعد قال: «دخلت حرفة حياكة الحرير إلى القرية منذ زمن بعيد، ويعتقد أنها مبادرة من بعض الفتيات في تلك الفترة التراثية التاريخية، ناتجة عن عملية تربية دودة الحرير وحل شرانقها من حوالي القرنين تقريباً أي عام 1830، حيث تبدأ مرحلة الحياكة من مرحلة الحصول على خيوط الحرير بعد حلها.

وكان للقرية نوعية عمل "حياكة" خاصة تميزت بالأشكال المقدمة على مستوى المنطقة كلها، وقد بقي هذا التميز حتى وقتنا الحالي مع التميز بالاستمرارية على مستوى "سورية"، ويتميز الحرير الطبيعي عن الحرير الصناعي برائحته التي تشبه رائحة احتراق مواد عضوية حية، عند تعريضه للحرارة».