«بدايتي كانت مع الطباشير، ففي الوقت الذي يخرج فيه زملائي في الصف إلى الباحة وقت الاستراحة كنت أمسك بما تبقى من طباشير لأكتب بها على السبورة، حتى بدأت أكتب عنوان الدرس القادم، والتاريخ، والحصة، وهذا ما شجعني عليه الأستاذة فيما بعد، وكذلك زملائي من الطلاب».

كلام يشبه لحن أغنية شرقية يعزفها الفنان الخطاط "سمير الشيخ ياسين" بأنامله التي تمسك بالقصبة لترسم الحرف، كما تعزف على العود الذي اشتهر به، لكنه هجره بعد عملقة "الأورغ" على حد قوله الذي أسرّ به لموقع eSyria يوم الخميس 11 حزيران 2009

لأن الخط يبقى بعد كاتبه، وكاتب الخط تحت التراب مدفون، وجدت نفسي أغوص في ثناياه

كيف بدأ، ولماذا احترف، وما الشيء الذي شدّه إلى الخط، أشياء تأتي من الماضي، لتسكن حاضره، فتفجر تلك الطاقة، فكيف كان الانفجار:

الخطاط "سمير الشيخ ياسين"

«لا شيء يأتي من فراغ، فالإنسان مفطور على العلم، وحُسْنُ الخط من العلم، لذلك أعتبر نفسي من المحظوظين القلائل الذي استطاعوا أن يستفيدوا من أستاذ الفنون، وكان أن شدني الأستاذ "منذر الشيحاوي" وهو الذي اعتمد كثيراً على تعليمنا الخط، كذلك أستاذ الموسيقا "جمال خربيط"، لكن الفضل الكبير في تعلقي بفن الخط يعود للأستاذ "أمين الحاج" وكان وقتها أصغر مني سناً وكنا في المدرسة سوية».

قديماً قيل اكتب شيئاً يستحق القراءة، أو افعل شيئاً يستحق الكتابة، لهذا وجد "سمير" في الخط أحد الأمرين: «لأن الخط يبقى بعد كاتبه، وكاتب الخط تحت التراب مدفون، وجدت نفسي أغوص في ثناياه».

الخط فن ولكنه محاصر من التكنولوجيا

ولأن خط "الرقعة" هو خط الكتابة العادية كانت بدايته إلا أنه يقول: «أكثر الخطوط التي استهوتني هو خط "النسخ" المتبع في الكتب والصحف، فهو خط هادئ ومقروء».

فهل الخط موهبة أم اكتساب: «لم أتبع دورات تعليمية، فقط كان اعتمادي على نظري، ومتابعاتي لبعض المراجع التي تعنى بالخط العربي، وكان أهمها مرجع الخطاط الشهير "محمد هاشم البغدادي" ومع هذا أعتقد أن الموهبة سابقة الاكتساب، وإن كانت حياتنا بمجملها مكتسبة، ولكن هذا لا يمنع من الإطلاع على تجارب الآخرين، وهذا ما كان».

هجرت الموسيقا لأجل الخط العربي

ثم يضيف: «والدي كان خياطاً، ولكني لم أتعلم هذه المهنة لأنني رأيت كم عانى من آلام في الظهر نتيجة جلوسه الطويل خلف مكنات الخياطة، لذا قررت أن أجد لنفسي طريقاً مختلفاً، وهذا ما حصل بعد فترة الدراسة التي لم أتابع فيها لضيق حال اليد، وفيما كنت قد تمكنت من أدواتي في الخط، قررت أن أتخذها مهنة لي، إضافة إلى عملي في مجال الموسيقا مع بعض الفرق الموجودة في "سلمية"».

فهل هذه المهنة تسد الحاجة؟: «بت شخصاً مطلوباً ومرغوباً مع عودي في كل الحفلات، وهذا شيء أرهقني فيما بعد، لذا توقفت عن العمل الموسيقي، والتزمت مهنتي هذه التي أشعر بالارتياح الكامل لها، وهي مصدر رزقي الوحيد،

وأنا أجد أن مزاول هذه المهنة بإمكانه أن يعيش دون حاجة أحد، فالأسعار جيدة، والحاجة إلى الإعلانات باتت ثقافة عند كل أصحاب المحال التجارية وغيرها».

ولأن هم الفنان الظهور فمكان الخطاط هو قاعات المعارض، لكنه رفضها لقناعته التي ربما يعارضه الكثيرون عليها، فيقول: «لم أشارك في أي معرض للخط، وأنا بطبعي لا أحب الظهور، لأن للمعارض حسابات أخرى ومختلفة، وهي بحاجة لأموال، وأنا أمتهن الخط لأعيش، كما أن المعارض لا تحقق لي هذا التوازن، وأنا مؤمن بمقولة أن الفنان يقضي حياته (معتّراً) رغم أننا نحظى بالاحترام والاهتمام، وهذا لا يكفي،

كما أن رغبة كل مشارك في معرض أن يبيع لوحاته، ولكن هناك عزوف عن شراء اللوحات، فقط باتت المعارض عبارة عن بهرجة لصاحب العلاقة، وإضاعة وقت لا أكثر».

وأعلنت تقنية الكمبيوتر أنها تتحدى ريشة الخطاط: «التقنيات الحديثة أساءت للخط العربي، فأفقدته روحه ليشابه في شكله أي قطعة ميكانيكية، ومع هذا اضطر الخطاط لأن يعتمد على هذه التقنية التي حققت سرعة الإنجاز،

ولكن لا شيء يغني عن لمسات الفنان نفسه التي باتت أشبه بعملة نادرة، كما أن دخول التقنية على الخط أوجدت عدداً كبيراً ممن يدعون أنهم خطاطون، وأقولها صراحة إن الخط الصادر عن الكمبيوتر فيه الكثير من الدقة إلا أن أسوأ الخطوط هو الديواني بكل مفرداته فلم يستطع الكمبيوتر أن يقرأ روح هذا الخط الجميل».

الكل يشير إليه أنه يشبه الفنان الكبير "مارسيل خليفة" في الشكل، فقصة الشعر الذي خطّه الشيب، كذلك اللحية البيضاء، وربما سحنة الوجه أيضاً، فالعينان فيهما حزن، وقلق، وهذا أمر طبيعي عند الفنان، وربما يتشابه معه أيضاً بالعزف على العود، ويذكر لنا حادثة في هذا الخصوص فيقول:

«ذهبت برفقة الكثيرين من أبناء "سلمية" لحضور الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتب المسرحي "سعد الله ونوس" في قرية "حصين البحر" وأنا بطبعي لا أتخلى عن العود فهو يرافقني في تجوالي الدائم، كان هناك الكثير من الحضور، وكم استغربت التفاف الناس حولي وهم يعتقدون أنني الفنان "مارسيل خليفة" الذي كان سيحيي هذه الذكرى، وكان الفنان "مارسيل" في شرفة بيت مطلة على الساحة الملأى بالناس، وقد لمحته فقلت لهم إنني لست "مارسيل" إنه هناك، التفت الناس حيث أشرت، وكان هو يلوح بيديه للحضور، وأنا قد أكون سعيداً لوجود هذا الشبه مع شخصية محبوبة ولها قيمتها على الساحة الفنية، وهذا ما ساعدني أيضاً في عملي الموسيقي، فكان مجرد أن يراني أحدٌ ما حتى يقترب مني ويهمس في أذني وهو يقول: (هل قال لك أحد ما أنك تشبه مارسيل خليفة؟) وكأن به أول من اكتشف هذا الشبه، فكنت أقول له: (لست أول من قال لي)، ومع هذا لم تسنح لي فرصة مقابلة هذا الفنان المحبوب، وأتمنى لقاءه».