تحوّلَ مطبخٌ شعبيّ من مطبخ أمهات الجنود إلى مطبخ أمهات الشّهداء، فاستشهد مؤسسه "معين صليبه" ليكمل إخوته "نهلة"، "كوتلين"، "طارق"، و"ابراهيم" ما بدأ به، وذلك بالتشارك مع مجموعة نساء من أمهات الجنود والشّهداء في "سلحب"، ووصلت وجباتهم إلى مختلف الجبهات، ("ريف حماة"، "إدلب"، "حلب"، "حمص"، "ريف اللّاذقية"، وإلى مطاري "أبو الضّهور"، "حماة"، ولمرّة واحدة إلى مطار "السّين")، غير آبهين بالصّعوبات الكثيرة، من غلاء معيشي وقلّة المعدات وغياب الدعم، إذ لم يتلق المطبخ أيّ دعم من جهة رسمية، وبقي خيرياً وشعبياً بالمطلق.

مدوّنة وطن "eSyria" تواصلت مع "نهلة صليبه" إحدى العاملات في المطبخ منذ البدء وشقيقة مؤسسه وأمٌّ لجنديّ، فقالت إنّ مطبخهم الذي وصفته بالمتواضع انطلق بالعمل في شهر آذار عامَ 2011، أي في بداية الحرب على "سورية"، بغيةَ إطعام عناصر الجيش العربي السّوري والقوات الرّديفة في جبهاتهم البعيدة، واستمروا بالطهو وتوزيع الوجبات رغم كلّ ما ألمّ بهم من استشهاد إخوتهم وأبنائهم، بل زادهم ذلك إصراراً أكثر من السّابق، فالذين على الجبهات هم أبناؤهم، لكنهم اضطروا للتوقف قليلاً خلال الحجر الصحي الذي فرضته الدولة من أجل الوقاية من فيروس "كورونا"، فالتزموا لمدة شهر واحد، وعند استئناف العمل فوجئوا بارتفاع الأسعار، ما دفعهم لتقليل عدد الوجبات المنتجة، خاصةً بعد سرقة السّيارة العائدة لأحد مواطني "سلحب" وهي السّيارة الوحيدة الموضوعة بخدمة المطبخ.

وأكدت "صليبه" أن عملهم يكبر بدعم الجميع إن كان معنوياً أو لوجستياً، وأنهم يملكون صفحة على موقع "فيس بوك" توثّق عملهم طيلة السّنوات الماضية حتى الآن، ولها آلاف المتابعين الداعمين، فكلّ كلمة طيبة منهم تترك أثراً كبيراً ومشجعاً على المتابعة والاستمرار ما دام هناك رحى حرب تدور وسوريّ يقف في البرد أو الحرّ ويده على زناد البندقية، لكنهم يتمنون تلقي الدعم الكافي ليستمروا، فالوضع الاجتماعي ليس كالسّابق وبالتالي التبرعات قلّت، وعدد الوجبات قلّ، ومعظم التبرعات تأتي من أهل "سلحب" خلال المناسبات مثل ذكرى وفاة لأحد، أو مناسبات سعيدة.

الالتزام بالإجراءات الصّحيّة الوقائية

وقال "طارق صليبه" إن فريق العمل صادف طيلة السنوات العشر السابقة عدّة مواقف جعلت أفراده يصممون على الاستمرار ومواجهة الصّعوبات أكثر من قبل ومنها أنه أثناء توجه عدّة سيدات لإحدى الجبهات، فوجئت إحداهنّ بوجود ابنها الذي لم تره منذ زمنٍ طويل بين رجال الجّيش العربي السّوري، وفي إحدى المرات وبمناسبة عيد الطيار السّوري تم أخذ وجبات إلى أحد المطارات، فقام قائد المطار باصطحاب الفريق برحلة ضمن الطائرة ورمي مناشير ورقية تحمل عبارات شكر للمطبخ ولجهود نساء "سورية" في الوقوف إلى جانب رجال الجّيش العربي السّوري في ظلّ الحرب، وموقفٌ آخر لا يمكن نسيانه أيضاً، وهو حدوث اشتباك وهجوم على إحدى المناطق التي كانوا يزورونها، ما اضطرهم للاحتماء بالموقع والانتظار حتى عودة الهدوء والأمان.

جدير بالذّكر أنّ النّساء العاملات بشكلٍ دائمٍ في المطبخ هنَّ "سهام خليل"، "مها سلوم" أمّ لشهيد ولجنود أبطال ضمن صفوف الجيش، "كوكب ضويا" والدة شهيد، "ميسلون سلّوم" زوجة "إبراهيم صليبه" أحد العاملين ضمن المطبخ، "ابتسام عيسى" والدة جنود أبطال، "هالة العلي" أم لجندي، "سميرة الطوشي" والدة جنود، بالإضافة إلى عدّة متطوعين ومتطوعات غير دائمين من سكان "سلحب" يقدمون المساعدة حسب أوقاتهم ومتطلبات ضغط العمل.

معداتهم البسيطة التي بدؤوا بها

أجري اللقاء بتاريخ 20 كانون أول عام 2020.

أثناء توزيع الوجبات في أحد المواقع