هي ليست مدينة أثرية فحسب، ولكنها حضارة بمنتهى الأهمية والعجب تدل على مستوى الرقي الذي وصل إليه التاريخ البشري، والتي أنارت بتطورها وقوانينها العالم القديم.

فعلى بعد 14 كم من مدينة "البوكمال" تختفي مملكة "ماري" إحدى العواصم القديمة الكبرى وعاشر المدن العظمى التي قامت فيما بين النهرين، فقد اكتشف فيها الكثير من المخطوطات والوثائق التي تدل على مدى الرقي والتطور التي ساد المملكة، فكأنها أشبه بوثائق وزارة خارجية في ذلك القرن.

قدمت وثائق مملكة "ماري" السورية معلومات عن وجود جمعيات للفقراء والمساكين كان يُطلق عليها اسم «الموشكينوم

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 25/11/2012 الآثاري "عمار كمور" والذي تحدث عن المراسلات التي وجدت في "ماري" بالقول: «أهمية ماري ليست بتماثيلها وبنائها فقط، ولكن بوثائقها الملكية التي وجدت وتتألف من 25 ألف لوحاً من الطين ملأى بالكتابة، وعرف العلماء أنها مراسلات ملكية بين آخر ملوك "ماري" الذي يسمى "زمرليم" مع جميع الملوك والدول المجاورة، وقد عثر على المراسلات بين ملك العشارة التي تسمى "تركة" وبين ملك "ماري"، هذه المراسلات تعتبر فريدة من نوعها في تاريخ الشرق، حيث استطاع من خلالها إعادة كل التاريخ السياسي "لماري" منذ 2000 سنة قبل الميلاد».

موقع ماري الأثري

وشرح الباحث "عبد القادر عياش" عن مراسلات "ماري" في كتابه (*) "حضارة وادي الفرات" بالقول: «عرفت من خلال اللوحات والمراسلات أن مملكة "ماري" كانت في وقتها أقوى الممالك في الشرق، فقد استطاعت أن تصمد ضد السومريين والبابليين، فقد نصت الوثائق المكتشفة على أن الممالك المجاورة "لماري" كانت تشكل أحلافاً عسكرية ضدها، ولذلك هدمت وحرقت في البدء حوالي 3000 قبل الميلاد من قبل السومريين وأخيراً من قبل البابليين سنة 2000 قبل الميلاد.

ومن الوثائق اللافتة لمملكة "ماري" رسالة من حاكم المدينة إلى ابنه يستخدم فيها مثلاً شعبياً عربياً لا يزال دارجاً حتى اليوم، وهو كما ورد في الوثيقة التي تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام "الكلبة من عَجَلتها ولدت جراءً عمياناً"».

يتابع: «ولقد وجد العالم الآثاري "اندريه بارو" قصراً ملكياً يعود إلى 2000 سنة قبل الميلاد يحتوي على 300 غرفة وردهة، حيث كان يعد من أفخم القصور التي شيدت في بلاد ما بين النهرين لدرجة أن ملك "أوغاريت" أرسل خطاباً إلى الملك "الحوري" "يارملم" يطلب تعريفه بملك "ماري" الذي يملك قصراً فخماً زينت جدرانه بالمناظر الملونة وذلك رغبة منه في تشييد قصر على نمطه».

وحول وثائق التي دلت على وجود الجمعيات الخيرية والحرف الصناعية بيّن "عياش" بالقول: «قدمت وثائق مملكة "ماري" السورية معلومات عن وجود جمعيات للفقراء والمساكين كان يُطلق عليها اسم «الموشكينوم» بمعنى المساكين، وهذا يدل على مدى الرقي الإنساني والحضاري للمملكة، وفي مجال الحرف الصناعية أظهرت وثائق ماري وجود 11 نوعاً من الزيوت، كما أن في ماري 10 أنواع من العطور، ويشير المؤرخ الفرنسي "جان بوتيرو" إلى أنه تبين له أنه في ورشات ماري كان يصنع نحو 600 لتر من العطور شهرياً، وكانت تصدر العطور إلى كافة البلدان، كما دلت الوثائق على وجود 26 نوعاً من الحلي والمجوهرات، و31 نوعاً من أواني الشرب، و21 نوعاً من الألبسة الداخلية».

وأشار السيد "عدنان بدر الدين" مدرس تاريخ بالقول: «أكد الباحثون أن وثائق مملكة ماري ساهمت في دراسة تاريخ وحضارات الشرق القديم، وتعد السجلات الملكية من أروع الاكتشافات وتؤلف مكتبة تنافس مكتبات "نينوى" و"أوغاريت" و"ايبلا"، وهذه الوثائق والسجلات أشبه ما تكون بوثائق وزارة خارجية في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، كما اكتشف في "ماري" مدرستان لتعليم القراءة والكتابة المسمارية ومجموعة ضخمة من ألواح الطين المجفف عددها 2000 قطعة من الألواح المجففة التي كانت كتبت بالخط المسماري الأكادي يعود تاريخها إلى 2000 ق.م، وتعد مكتبة القصر الملكي في مملكة ماري مركزاً للوثائق التاريخية والأرشيف الحكومي والمواضيع التي عكست الفترة المعينة من سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية خصوصاً في حضارة بلاد الشام وتاريخ الشرق القديم».

(*)المرجع "حضارة وادي الفرات مدن سورية" للباحث عبد القادر عياش صفحة 20- 26.