تميز بموقعه على نهر الخابور فقد كان موقعاً عسكرياً بامتياز في العهد الآشوري ولم يكن أقل أهمية عن غيره من المواقع وتميز بفن النحت على الأختام، إنه "تل الشيخ حمد" الواقع على بعد 70 كيلومتراً عن مركز محافظة دير الزور.

وللتعرف أكثر على هذا الموقع الأثري التقت مدونة وطن eSyria الباحث التاريخي "عواد العلي" والذي قال: «اكتشف هذا التل الأثري في العام 1975 عن طريق المصادفة، عندما كان أحد الأطفال يلعب مع أقرانه قرب نهر الخابور خلال فصل الصيف، وكان في المكان عدد من الأجانب في بعثة تنقيب أثرية يقومون بالتقاط كسر الفخار المتناثرة فوق سطح التل وعلى جوانبه.. حيث جاء طفل إلى رئيس البعثة البروفيسور (كونه) حاملاً رقماً مسمارياً ظاناً أنها الكسر الفخارية التي تقوم البعثة بجمعها، وبعدها دلَّه إلى المكان الذي وجد فيه الرقم وليلتقط أعضاء البعثة أكثر من ثلاثين رقماً مسمارياً دفعتها ساقية ري أحد المشاريع الزراعية والتي تمر على سطح التل، ثم كانت المفاجأة الثانية حين أكدت إحدى اللقى أن هذا التل هو موقع المدينة الآشورية المجهولة (دوركاتليمو)».

بينت الحفريات في موقع المدينة الثانية أن تاريخها يعود للدولة الآشورية الوسطى أي القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وما عثر من كتل معمارية ضخمة البناء تؤكد أنها منطقة عسكرية وفي مركز المدينة (القلعة) عثر على غرفة الأرشيف، وفيها ستمئة لوحة مسمارية، وهي جزء من بناء ضخم ما زالت الحفريات مستمرة للكشف عن معالمه

ويضيف "العلي": «عثر عام 1977 على ثلاثين لوحة مسمارية في إحدى سواقي الري القريبة من التل، تؤكد إحداها أنه هو نفسه المدينة الآشورية (دوركاتليمو) التي تتألف من قلعة ومنطقتين سكنيتين إحداهما في الشمال، والأخرى في الشرق يحيط بهما سور يصل إلى حوالي أربعة كيلومترات كما يضم الموقع منطقتين سكنيتين خارج أسوار المدينة، ومن خلال اكتشاف (دوركاتليمو) أصبح بالإمكان استنباط معلومات تاريخية مباشرة تدل على أن الإمبراطورية الآشورية الوسطى امتدت حدودها حتى نهر الخابور الأسفل وأن وظيفة (دوركاتليمو) الرئيسية حماية الجبهة الجنوبية الغربية للإمبراطورية، أما في العهد الآشوري الحديث /1000 – 600 ق . م/، فكانت المدينة موقعاً عسكرياً يتصل بالطريق الذي كان يمر به الملوك الآشوريون».

أحد جدران المدينة المكتشفة

وعن شكل الموقع الأثري يقول "عواد العلي": «الموقع يقسم إلى ثلاثة أقسام الأول هو المركز الأثري القديم أي القلعة، أما القسم الثاني فهو المدينة الأولى التي تقع شرق القلعة وهي مربعة الشكل ذات نموذج بنائي محدد، ربما يكون موقعاً عسكرياً والقسم الأخير هو المدينة الثانية شمال القلعة وهي ذات مساحة كبيرة ومحاطة بسور أثري ظاهر للعيان يصل طوله إلى حوالي أربعة كيلومترات، أما خارج السور فتوجد المقابر بالإضافة إلى منطقتين سكنيتين، وقد سلمت المدينة من فيضان الخابور في كل عام نتيجة لوقوعها فوق مرتفع طبيعي ساعد على استمرار السكن فيها منذ الألف الرابع قبل الميلاد، وقد أخذت المدينة أقصى مدى لها في العهد الآشوري بين /1300 – 600/ قبل الميلاد حيث بلغت مساحتها /110/ هكتارات».

أما أبرز المكتشفات في المدينة يقول "العلي": «بينت الحفريات في موقع المدينة الثانية أن تاريخها يعود للدولة الآشورية الوسطى أي القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وما عثر من كتل معمارية ضخمة البناء تؤكد أنها منطقة عسكرية وفي مركز المدينة (القلعة) عثر على غرفة الأرشيف، وفيها ستمئة لوحة مسمارية، وهي جزء من بناء ضخم ما زالت الحفريات مستمرة للكشف عن معالمه».

تل الشيخ حمد

ويتابع: «تتألف المكتشفات من نصوص اقتصادية وإدارية تزودنا بمعلومات عن تصدير واستيراد حبوب وحيوانات وأقمشة ومواد مختلفة، وتشير بعض النصوص إلى أن (دوركاتليمو) كانت مركزا سياسيا هاما وعاصمة لمقاطعة فيها حاكم محلي، وتذكر بعض النصوص الهامة عن وجود قوات عسكرية نقلت إلى المقاطعة ما يدل على وجود حامية عسكرية وأن الحاكم كان يسكن في القصر، وقد أصبح من المؤكد أن المنشأة المعمارية الضخمة المكتشفة هي جزء من القصر بدليل أن المحتويات والوظائف تشبه ما تم العثور عليه في قصور الشرق الأدنى القديم».

أضاف: «تقدم لنا الأختام الأسطوانية المكتشفة أرضية هامة لتطوير تاريخ الفن والفكر في الشرق الأدنى القديم لما تحتويه من موضوعات دينية وأسطورية لها علاقة مع أصحاب الأختام، وتميزت أختام العصر الآشوري الأوسط /1400– 1100/ قبل الميلاد بنوعيتها الجيدة ورشاقة الحركة في صورها، وقد تميز فن النحت على أختام تل الشيخ حمد بالمشاهد الجميلة التي تؤكد مدى رقي الفن في مقاطعة دوركاتليمو الذي يضاهي الفن في العاصمة آشور».

وختم "العلي" أن تل الشيخ حمد يقع على الضفة الشرقية لنهر الخابور الأسفل وعلى بعد /550 كم/ شمال شرق دمشق العاصمة، ويبعد عن مدينة دير الزور حوالي /70/ كيلومتراً باتجاه الحسكة ويقع في قـرية غريبة شرقية التابعة لناحية الصور، ويبلغ ارتفاع التل عشرين متراً.

ويذكر "هاشم عبد الله أمين" من متحف دير الزور أن موقع تل الشيخ حمد هو عبارة عن مدينة تتألف من قلعة ومنطقتين سكنيتين بلغ عدد سكانها في أوج ازدهارها في العهد الآشوري الأوسط بين ألفين إلى ثلاثة آلاف نسمة ويوضح الارشيف المكتشف في الموقع أن مدينة دور كاتليمو تل الشيخ حمد كانت عاصمة أقليمية للدولة الآشورية ومركزاً ادارياً لبيئة نظام سكني يعمل على تنظيم الحياة اليومية في المساكن بالمدينة وتشرف على توزيع الأراضي الزراعية ومنتجاتها واستثمار الاراضي الصالحة للزراعة في وادي الخابور وتضمنت المدينة شبكة مواصلات لتحرك الوحدات العسكرية وتبادل الاخبار والبضائع بين الاقاليم الآشورية لافتاً إلى إنه تم ترميم أجزاء من جدران الموقع ورصف أرضه بالقرميد.

ويذكر السيد "هاشم عبد الله" أمين متحف دير الزور أن أهم المكتشفات الأثرية في الموقع هي اللوحات المسمارية التي كانت تمهر بالاختام كوثيقة تكتسب صفة الاعتراف والرسمية وعدد من الاواني الفخارية وطبعات من الاختام الاسطوانية على اللوحات المسمارية التي تصور الحيوانات الاسطورية كما عثر على مخازن للاسلحة والعديد من الأواني الفخارية مع قواعدها وباشكال واحجام متنوعة بعضها مرسوم عليها رسومات تحاكي الحياة اليومية في المدينة داعيا الى زيادة الاهتمام بهذا الموقع التاريخي الهام والترويج له مع المواقع الاثرية والسياحية العديدة المنتشرة في أرجاء المحافظة.