حظيت مملكة "ماري" باهتمام العلماء والآثاريين والدارسين والباحثين وأسفرت معاول المنقبين عن اكتشاف لوحات فنية على جدران المعابد والقصور وعن صفحات تاريخية نقشت على رقم أثرية تروي للعالم وللأجيال المقبلة قصة مملكة سبقت عصرها بآلاف السنين.

موقع eSyria التقى بتاريخ 28/3/2012 الباحث الآثاري "ياسر شوحان" "بدير الزور" ليحدثنا عن مكتبة "ماري" بالقول: «بقيت مملكة "ماري" لغزاً حضارياً بالنسبة للباحثين الأثريين في سورية وبلاد الرافدين، والرقم الأثرية التي عثروا عليها في الممالك الأخرى كانت تتحدث عن مدينة غاية بالروعة والجمال والإبداع المعماري وهي "ماري"».

أدت سجلات "ماري" إلى تصحيح تاريخ الألف الثاني فقد كان لها أثر آخر وهو تسليط النور الكامل على ماض عريق كنا نجهله، فهذه السجلات معجم يستطيع الاختصاصيون أن ينهلوا من معينه خلال سنوات

وأضاف "شوحان" بالقول: «تم الكشف في "ماري" عن مكتبة ضخمة تعود إلى القرن الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد، حيث تضم المكتبة محتويات تصل إلى 25 ألف رُقم طيني، وهي تعتبر من أكبر المكاتب في تاريخ الممالك الأثرية، فيها ذكر لأسماء شرائح من البشر من طبيب ووزير وفارس وفلاح، كما تحدثت الرقم عن التجارة والمزروعات التي كانت تزرع في "ماري" وصناعة السفن والمتاجرة، يمكن للباحث من خلالها أن يتصور الدور الحضاري الذي كانت تلعبه "ماري"، كما ضمت المكتبة حديثاً عن واقع القبائل في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد».

الانسان البدائي والكتابة على الرقم الطينية

وتابع "شوحان" يمكن اعتبار هذه الرقم بمثابة "دار محفوظات" بما فيها من وثائق اقتصادية وسياسية وزراعية وعسكرية، وهي من جهة أخرى أرشيف تعرف المعاصرون من خلاله على كثير من مدن وحضارات الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد وعلاقتها ببعضها بعضاً، وعلاقات "ماري" بالبادية وبالممالك الأخرى».

وبين "شوحان": «أدت سجلات "ماري" إلى تصحيح تاريخ الألف الثاني فقد كان لها أثر آخر وهو تسليط النور الكامل على ماض عريق كنا نجهله، فهذه السجلات معجم يستطيع الاختصاصيون أن ينهلوا من معينه خلال سنوات».

الباحث ياسر شوحان

وعما تحتويه الرقم الطينية في "ماري" أشار الآثاري "عمار كمور" قائلاً: «كانت المراسلات التي تصدر عن "ماري" إلى المدن الكنعانية المنتشرة على الساحل السوري دليلاً على أن أناساً قد سكنوا "بلاد الشام" على الأقل قبل الألف الثاني قبل الميلاد، وتشير الوثائق على ممارسة سكان "ماري" للزراعة التي كانت تعتمد على الري لقلة الأمطار ولجفاف المنطقة ما دفعهم إلى الاهتمام بالري بوسائله المتعددة وكان من أهم مزروعاتهم الحنطة والشعير، كما اهتموا بتربية الماعز والغنم والبقر والخنزير والجاموس».

وعن كتابات الرُقم قال "كمور": «كانت تلك اللوحات الطينية مكتوبة بنقوش مسمارية وبلغة مسمارية أكادية قديمة، وتدل الكتابات المسمارية المكتشفة أسماء ملوك "ماري" مثل "لمجي ماري" و"ايكوشان ماغان" و"ابلول" و"اسراداب" و"زمري ليم" و"ياغدليم"، كما تبين الوثائق والرسائل الكتابية الهدايا الكثيرة التي كان ملوك هذه المدن يرسلونها بالسفن والقوافل إلى "ماري"، كما عثر على بعض الرقم الطينية التي تشير إلى طريقة العد والحساب البابلية وهو الشكل الشبيه بالمحسب حالياً».

موقع ماري الأثري

وأضاف "كمور" بالقول: «عثر من خلال الرُقم على رسائل كانت الملكة تكتبها لزوجها عندما يكون في الريف أو في الحرب، ونقرأ في إحدى الرسائل القصيرة المرسلة إلى الملك تقول فيها "كل شيء على ما يرام في "ماري" المعابد والقصور وأتمنى أن تعود سالماً معافى مسرور القلب"».

وختم "شوحان" بالقول: «بالمقارنة مع المكتبات الأخرى في ممالك فترة الألف الثالث والثاني قبل الميلاد تبين أن مملكة "إيبلا" كانت تحفظ الرقم الطينية دون شيها في الفرن وبالتالي فإن بقاءها دون حرق يبقي الرقم قابلة للتفتت ولحسن الحظ أن حريقاً ضخماً جاء على مكتبة "إيبلا" وحرق الرفوف مما ساعد على شي الرقم وفخرها وقد يكون الأمر مشابه في "ماري" إلا أن ما وصلنا من هذه المدونات الأثرية أن الطين كان ينقى من الشوائب ويخلط بالماء ويبقى رطباً ليتم تشكيله على شكل ألواح مربعة أو مستطيلة تحدها خطوط أفقية أو عمودية وقد تحمل هذه الرقم إشارة أو رمزاً على الملك أو الحاكم، حيث كان الرقيم يحمل ختماً أو يحفظ في ظرف أيضاً من الفخار مدوناً عليه بعض الكتابات التي تشير إلى المرسل أو المرسل إليه».

  • الصورة الرئيسية رقم طينينة في متحف دير الزور" لموقع "ماري".