يعتبر السور الذي يحيط بمدينة "ترقا" الأثرية، (والتي تقوم على أنقاضها الآن بلدة "العشارة" التابعة لمحافظة "دير الزور") علامة معمارية فارقة ميزته عن كافة أسوار المدن المكتشفة في منطقة سورية والرافدين، وذلك لأمور عديدة تفرد بها سواء بضخامته أو بطريقة بنائه.

eSyria التقى الباحث الآثاري السيد "يعرب العبد الله" لتوضيح أهمية هذا السور المعمارية فتفضل قائلاً: «يحيط بمدنية "ترقا" الأثرية سور دفاعي كبير، يتألف من ثلاثة أطواق "حلقات" مبنية من اللبن المتين، وقد وصل عرض السور بأكمله إلى حوالي 20 متراً، حيث إن عرض الطوق الداخلي "المبكر" 5-6 م، وهو مزود بالحجر الكلسي عند قاعدته على الوجه الخارجي منه.

إن التخطيط المعماري لجدار المدينة الرابع "CW4"مختلف نوعاً ما عن تخطيط بقية الجدران العائدة إلى الألف الثالث ق.م، ويدل هذا على أن وقتاً طويلاً مرّ بين بناء جدار المدينة الرابع "CW4"، وبين جدران المدينة الأخرى. ربما كان سبب التخطيط المعماري الجديد للسور هو اتساع المدينة، واستيعاب الزيادة السكانية الحاصلة عبر الزمن، وبهدف زيادة تحصين النظام الدفاعي للمدينة

أما الطوق الوسيط فعرضه يتراوح بين 9-10 م، وهو مزود أيضاً بالحجر الكلسي عند القاعدة على الوجه الخارجي منه، بينما تراوح عرض الطوق الخارجي بين4-5 م، وأمامه فراغات بعرض2م لعلها كانت تشكل ممراً يقود إلى الجدار.

الباحث الاثاري يعرب العبد الله

أحاط السور بمدينة "بترقا" الأثرية حيث إن محيطه وصل إلى 1800م، ولكن معظمه انهار بسبب ما تعرض له من التهدم، والجرف الذي سببته الفيضانات المتكررة لنهر الفرات، وكان في السور أبراج تبرز إلى الخارج وإلى الداخل، وأحاط به خندق عريض.

استمر استخدام السور الدفاعي الذي بُني في الألف الثالث ق.م خلال الألف الثاني ق.م، وذلك حتى نهاية وجود ترقا كمركز استيطاني في منتصف الألف الثاني ق.م، وقد شكل الطوق المبكر والوسيط العناصر الأساسية للسور في الألف الثالث ق.م.

أثناء عمليات ترميم السور الدفاعي 1

بينما كان الطوق المتأخر هو المكون الرئيسي للسور في هذه المرحلة الزمنية، وقبل الحديث عن الطوق المتأخر تجدر الإشارة إلى أنه تمت إعادة ترميم أجزاء من السور في أواخر الألف الثالث ق.م، وأخرى في الألف الثاني ق.م، ويتضح من العناصر المعمارية المتشابهة التي ظهرت داخل جدران المدينة- أن السور استمر استخدامه في الألف الثاني ق.م، كما أن بقاء جداري المدينة الأول وجدار المدينة الثاني يشكل شاهداً على عملية إعادة البناء.

يبدو أن المكان الذي تمّ فيه إعادة بناء السور لم يشكل جزءاً أساسياً من النظام الدفاعي للمدينة، حيث إنه ظهر كما لو كان جزءاً من نظام دفاعي جديد».

أثناء عمليات ترميم السور الدفاعي 2

وقد اتبعت طريقة الكربون المشع في تقدير عمر السور، إذ شرح لنا "العبد الله" ذلك بالقول: «تم تأريخ السور بوساطة استخدام طريقة الكربون المشـع 14 أو C14 في تحليل بقايا من الفخار وُجِدت داخله وخارجه، فتبين أن بناء الطوق الداخلي يعود إلى حوالي 2900 ق.م، والطوق الوسيط إلى حوالي 2800 ق.م، أما الخارجي فيعود بناؤه إلى حوالي 2700 ق.م، و تم ترميمه مرات عديدة، ولاسيما في نحو 1700 ق.م، ولذلك يؤرخ معظم الباحثين هذا الطوق بنحو1700 ق.م، وقد استمر استخدامه إلى نحو 1200 ق.م، لذلك فإن هذا السور يُعَدّ أضخم سور من الألف الثالث ق.م تم اكتشافه في سورية وبلاد الرافدين».

وقد عثر على صخور مصقولة استخدمت في السـور الدفاعي للمدينة، كانت الغاية من استخدامها بهذا الشكل بحسب ما لخصها "العبد الله" هي: «ربما كانت الغاية من صقل الصخور زيادة فعالية الجدار في ردّ الهجمات العسكرية التي تتعرض لها المدينة من قبل الأعداء، أو مواجهة فيضـانات نهر الفرات المتكررة، والتي كانت تغمر مساحات كبيرة من الأراضي المجاورة للنهر.

لم يتم اسـتخدام أية عناصـر معمارية للربط بين هذه الصخور لأنها كانت ضخمة تصمد في مكانها، ولا تتأثر بالفيضانات والهجمات العسكرية.

وأكدت الأبحاث الجيولوجية الحديثة والتي جرت على الصخور بأنه تم جلب الصخور إلى الموقع من مناطق البادية الموجودة على بعد حوالي 5- 10كم إلى الغرب من مدينة ترقا».

ويتميز جدار المدينة الرابع بتخطيط معماري جديدة مقارنة ببقية الجدران، إذ يقول "العبد الله" مبيناً ذلك: «إن التخطيط المعماري لجدار المدينة الرابع "CW4"مختلف نوعاً ما عن تخطيط بقية الجدران العائدة إلى الألف الثالث ق.م، ويدل هذا على أن وقتاً طويلاً مرّ بين بناء جدار المدينة الرابع "CW4"، وبين جدران المدينة الأخرى.

ربما كان سبب التخطيط المعماري الجديد للسور هو اتساع المدينة، واستيعاب الزيادة السكانية الحاصلة عبر الزمن، وبهدف زيادة تحصين النظام الدفاعي للمدينة».

كما التقينا المهندس "أمير حيو" وهو المدير السابق لدائرة آثار "دير الزور" فلخص الأهمية المعمارية لهذا السور بالقول: «يعكس هذا السور التطور العمراني الكبير الذي شهدته "ترقا" في الماضي، وذلك من خلال الدور الوظيفي المهم الذي لعبه هذا السور سواء تجاه العوامل البيئية والمتجسدة بالدرجة الأولى في الفيضان السنوي لنهر الفرات وهو عادة بشهر نيسان من كل عام، فهو يأتي مدمراً في بعض الأحيان، أو الدور الآخر الذي لعبه السور وهو القدرة على صد هجمات الممالك المعادية، وهذا واضح في خصوصية التصميم "سماكة الجدران، مع استخدام الأحجار الصقيلة في البناء"».