لها مكانتها عند أي مقيم أو عابر سبيل، لم يفوّت ذكرها مؤرخ تحدث عن منطقة الفرات وآثارها، ولم يعبر المنطقة سائح أو رحالة دون أن يمر بالقرب منها ويحاول وصفها، تقع القلعة في منطقة "الميادين" والتي تبعد عن "دير الزور" 40 كم وينحدر السكان الأصليون "للميادين" من هذه القلعة لذلك نجد بعض الأهالي يكنون أنفسهم بـ "الرحبي" أو "القلعيين"، وصفها الرحالة "إلوا موسيل" أثناء مروره بمنطقة "الميادين" في القرن التاسع عشر بقوله:

«كانت ترتفع إلى يميننا أطلال قصر الرحبة فوق تل اصطناعي ينفصل عن الأجراف الشديدة الانحدار وكأنها تحدق من علٍ على السهل الفيضي وقد بنيت على نتوءٍ يفصله عن سهل يمتد إلى الغرب منه خندق بصورة تجعله تلاً منعزلاً، وكان التل محاطاً بسور حجري متين أنشئ عليه طريق متعرج يوصل إلى القصر.

كانت ترتفع إلى يميننا أطلال قصر الرحبة فوق تل اصطناعي ينفصل عن الأجراف الشديدة الانحدار وكأنها تحدق من علٍ على السهل الفيضي وقد بنيت على نتوءٍ يفصله عن سهل يمتد إلى الغرب منه خندق بصورة تجعله تلاً منعزلاً، وكان التل محاطاً بسور حجري متين أنشئ عليه طريق متعرج يوصل إلى القصر. أما مواد البناء التي بني منها السور فقد هدمت منذ ذلك الوقت ونقلت إلى الميادين واختفت بذلك معالم الطريق وأصبح من العسير الصعود إلى القصر ولا تزال في حالة جيدة الأقبية الواسعة المبنية بالآجر تحت أرضية القصر وجدار عال يحيط بباحة مستطيلة الشكل ويقوم في مركز هذه الباحة بناء واسع سميك الجدران بداخله باحة ثانية، وقد تهدمت جزئياً جميع هذه الجدران، أما بعضها فقد نقل بكامله، وإلى شمال تل القصر وشرقه يمكن مشاهدة بقايا أبنية قديمة من الآجر وأكوام كبيرة من قطع فخار مهشم ليست لها أهمية تذكر وتدل الحفر التي حفرت حديثاً هنا وهناك على أن التنقيب في هذه الخرائب كان يجري إما للحصول على مواد البناء أو للعثور على كنز

أما مواد البناء التي بني منها السور فقد هدمت منذ ذلك الوقت ونقلت إلى الميادين واختفت بذلك معالم الطريق وأصبح من العسير الصعود إلى القصر ولا تزال في حالة جيدة الأقبية الواسعة المبنية بالآجر تحت أرضية القصر وجدار عال يحيط بباحة مستطيلة الشكل ويقوم في مركز هذه الباحة بناء واسع سميك الجدران بداخله باحة ثانية، وقد تهدمت جزئياً جميع هذه الجدران، أما بعضها فقد نقل بكامله، وإلى شمال تل القصر وشرقه يمكن مشاهدة بقايا أبنية قديمة من الآجر وأكوام كبيرة من قطع فخار مهشم ليست لها أهمية تذكر وتدل الحفر التي حفرت حديثاً هنا وهناك على أن التنقيب في هذه الخرائب كان يجري إما للحصول على مواد البناء أو للعثور على كنز».

الباحث مازن شاهين

وللتعرف على هذه القلعة الأثرية بصورة أفضل التقينا الباحث "مازن شاهين" عضو لجنة حفظ التراث في محافظة "دير الزور" الذي حدثنا قائلاً: «يعود تارخ "الرحبة" إلى الألف الثالث قبل الميلاد أسوةً بجارتها "ماري" و"دورا أوروبس" و"قرقيسيا"، ومن المواضع التي ورد اسمها في الكتابات الصفوية موضع "رحبوت" وهو "الرحبة" وقد ورد في نص سجله رجل اسمه "حنين بن رحبوت" من أهل "الرحبة" إنه كتب كتابه في السنة التي دار فيها قتال مع قبيلة "آل حمد" كما نقل الدكتور "جواد العلي" أن الملوك الثمانية الذين قتلتهم أسرة "حمدون" كانوا يقيمون في "وادي سرحان" عند الحدود الشرقية "لحوران" وفي "الرحبة" هذا وقد زحف الملك الآشوري "شلما نصر الثالث" إلى هذه الربوع مرتين متعاقبتين في السنتين 858 و857 قبل الميلاد،

وأخضع ما تبقى من المدن الآرمية ومن بينها بيت "رحوب" "الرحبة" وأخذ منها الجزية، وأعقب ذلك خرابها أي في القرن السادس قبل الميلاد تقريباً أما في اليونان والرومان الذين استولوا على هذه البلاد فإننا لا نجد شيئاً هاماً عن مدينة الرحبة لأن المدينة كانت قد خربت، أما في المصادر العربية فإن "الرحبة" لم تذكر إلا في عهد الأمير التغلبي "مالك بن طوق العتابي" المتوفى سنة 259 هـ وهذه المصادر لم تذكر إلا نتفاً قليلة عن "الرحبة" في سياق الأحداث الإسلامية في العصور العباسية وما تلاها من عهود، إن كتب التاريخ كافة لم تشر إلى فتح "الرحبة" علماً بأنها قد أشارت إلى فتح جارتها "قرقيسيا" وهذا ما يدل على أنها كانت خرائب غير مسكونة، وهذا يدل على أن "الرحبة" الشامخة كانت موجودة قبل "مالك بن طوق" بقرون عديدة ولكنها كانت خالية من السكان بسبب ما أصابها من الغارات والزلازل ولم يبق فيها غير الأطلال التي تشهد بقدمها، ما حمل "مالك بن طوق" على إعادة الحياة إليها لما في موقعها من أهمية فأخذت تستعيد أهميتها وشيئاً من أمجادها في عهد العباسيين والأيوبيين والمماليك وغيرهم وقد لاقت "الرحبة" عبر التاريخ محناً شديدة وخربت مرات كثيرة حتى اختفت آثارها وطمست أخبارها على الرغم من الإشارة إليها من قبل عدد من الرحالة الأجانب والآثاريين الأوربيين منذ القرن السادس عشر إلى اليوم، وورد اسمها في مؤلفاتهم ورحلاتهم فضلاً عن ذكرها في بعض الموسوعات ودوائر المعارف الأجنبية وبخاصة دائرة المعارف الإسلامية».

قلعة الرحبة

ولذلك وجدنا "أبو الفدا" يتحدث عن "الرحبة" قائلاً: «"الرحبة" مذكورة خربت وبقيت قرية وبها آثار المدينة القديمة من المآذن الشاهقة وغيرها وتحدث "شريكويه بن أحمد بن شريكويه" صاحب "حمص" جنوبها ناقلاً عن "الفرات" "الرحبة" الجديدة على نحو فرسخ من "الفرات" وهي بلدة صغيرة ولها قلعة على تل ترابي وشرب أهلها من قناة من نهر "سعيد" الخارج من "الفرات" وهي اليوم محط القوافل من "العراق" و"الشام" وهي أحد الثغور الإسلامية في زماننا.

هذا وتذكرني رواية "أبي الفدا" هذه بسبب تسمية "المياذين" التي هي حفيدة "الرحبة" وبيان ذلك أن القوافل والعربات الرائحة والغادية على طريق "الفرات" أو القادمة من البادية كانت تسمي هذا المكان بأبرز ما فيه من آثار باقية إذ كانت تعلو أسوار "الرحبة" التي كانت لا تزال قائمة، أبراج عالية تشبه المآذن فكانوا يطلقون عليها بلهجتهم البدوية ذات الأصول العربية كلمة "المياذين" بدلاً من المآذن في قصد التخفيف من النطق، فقد تحدث عنها المؤرخون والجغرافيون والرحالة كافة إذ لا يخلو من وصفها أو الحديث عنها كتاب سواء كان "لأبي الفدا" أو "لابن العديم" أو "لابن الأثير" أو "لابن حوقل" أو "لابن مسكويه" أو "للطبري" أو "البلاذري" أو "للاستخطري" أو "للمسعودي" أو "لابن القلاشي" أو "لابن خلدون" أو لغيرهم مما لا مجال لحصرهم هنا كما تحدث عنها مستشرقون ورحالة أجانب أمثال "كود فري" و"هرتمان" و"ريشترد" و"هوفمان" و"موسيل" و"غسبارو بالين" وغيرهم وقد توالت على حكمها - منذ عهد أول والي لها في العصر الاسلامي وهو "مالك بن طوق التغلبي العتابي" الذي اقترن اسمه باسمها لأنه مجددها وباعث نهضتها- أسر متعددة عربية وأعجمية سواء كان ذلك في زمن العباسيين أم الفاطميين أم من تلاهم نذكر منهم على سبيل المثال "التغالبة" و"الحمادنيين" و"المردانيية" و"العلقليين" و"السلاجقة" و"الزنكيين" و"الأيوبين" و"المماليك" و"العثمانيين"، واستطاع رجل من أبنائها يدعى "ابن محكان" أن يستقل بأمرها بعد الذي أصابها من "القرامطة" و"السلاجقة" وغيرهم واستعان بعربي مثله هو "صالح بن مرداس الكلابي الحلي" ولكن هذا "المرداسي" انقلب على "ابن محكان" بعد أن تزوج ابنته.

وقد دخلت "الرحبة" الشامخة التاريخ الأدبي كما دخلت التاريخ السياسي فقد خلد اسمها فحول الشعراء والكتاب "كأبي تمام" و"البحتري" و"دعبل الخزاعي" و"العتابي" و"أبي الشيص الخزاعي" وغيرهم كما خلدها "الحريري" بمقامته العاشرة التي سماها المقامة الرحبية أما "القلقشندي" فقد سجل في كتابه "صبح الأعشى" نصوص المراسيم التي كان يعين بموجبها ولاة "الرحبة" من الفاطميين والأيوبيين وأخيراً انتقل حكم "الرحبة" إلى أيدي العثمانين وفي سنة 1868 جعلت "الرحبة" سنجقاً يضم 4 أقضية هي "رأس العين" و"العشارة" و"القشلة" و"البوكمال" وقرية "عربان" وقرية "عجاجة"».

المراجع:

الوا موسيل، كتاب الفرات الأوسط رحلة وصفية ودراسات تاريخية، مطبوعات المجمع العلمي العراقي.