تُعتبر الحدائق رئةً للمدن تحصل بفضلها على الهواء النقي؛ فالغطاء النباتي الذي تحتويها تساعد بشكلٍ أو بآخر على تصفية الهواء الملوث المُنبعث من مختلف المصادر، إضافةً إلى المنظر الحضاري الذي يضفي نوعاً من الرقي على هذه المدن أو تلك؛ وبالتأكيد لا ننسى ما لها من فضلٍ في غرس الراحة والسكينة في نفوس زائريها. لكن هذه الأمور بعيدةٌ كل البعد عن واقع الحدائق في "البوكمال" والتي يتجاوزُ عددها عن خمسة.

موقع eSyria قام بجولةٍ ميدانية على بعض هذه الحدائق ورصدنا ما هو موجودٌ على أرض الواقع، فالحديقة الموجودة بحي المساكن؛ توحي بأنها مهجورةً منذ زمن؛ ابتداءً من الباب المخلوع ومروراً بالأشجار المُهملة والنافورة المُتكسرة وانتهاءً بالأرض المُتصدعة على جوانب أسوارها من الداخل؛ ناهيك عن غياب العامل (الحارس) عنها والذي من المفترض أن يتواجد خلال الدوام الرسمي ليقوم بواجبه في الاعتناء بهذه الحديقة.

إن الأهالي يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية؛ لكن الجزء الذي هو مسؤولية مجلس المدينة معدوم وغير موجود، فلو تم تفريغ حراس متناوبين لما تجرّأ البعض على العبث بممتلكات هذه الحديقة وغيرها من الحدائق في المدينة

بعض المواطنين القاطنين بجوارها عبّروا بأسى عن الوضع التي تقوم عليه الحديقة؛ فالمواطن "محمد العواد" قال: «أسكن في هذا الحي منذ أكثر من خمس سنوات ولم أجد أية عائلة تدخل إلى هذه الحديقة؛ حتى الأطفال لا يأتون إليها لأنها شبه مهجورة، فكما ترى فإن كل شيء مُهمل؛ فالحارس يأتي كل يومين أو ثلاثة أيام ويبقى بعض الوقت ثم يدير ظهره ويخرج».

النافورة المُتكسرة التي تتوسط الحديقة

أما المواطن "صالح دياب" قال: «منذ فترةٍ وجيزة جاء بعض العمال من البلدية ونظّفوا أرض الحديقة من أوراق الشجر المُتساقطة ثم رحلوا ولم يعودوا إلا بعد أيام، فهذه الأشجار بحاجة إلى رعايةٍ يومية وسقاية بانتظام وبسبب هذا التقصير يبست أغلبها وفقدت خضرتها ونضارتها حتى الأرضية تشكو من لونها البني وتفتقر إلى لونٍ أخضر يُعيد لها الحياة».

** مشهدٌ آخر لا يُبشّر بالتفاؤل:

الباب الحديدي شبه المخلوع لحديقة "سناء محيدلي"

لم تكن حديقة "سناء محيدلي" بأفضل حال من سابقتها عندما قمنا بجولةٍ إليها أيضاً؛ فهذه الحديقة المتواجدة في حي "تشرين" والتي تشغل مساحة كبيرة من الأرض تعاني أيضاً من الإهمال؛ فأول شيءٍ يكون باستقبالك هو الأبواب شبه المُكسّرة وبعض الأشجار اليابسة التي لم تعد تفيد بشيء؛ وعددٍ من الكراسي الموزعة فيها والتي لم يتبق منها سوى الهيكل المعدني؛ كذلك أعمدة الإنارة الخالية من المصابيح الكهربائية؛ وأخيراً في الوسط تتربع نافورةٌ كبيرة حائرة من المشهد الغريب الذي حولها حيث لم يلمس جسدها الكئيب نقطة مياه منذ زمنٍ ليس بقريب.

الكثير من أهالي الحي المذكور عبّروا عن آرائهم المختلفة جراء الوضع لهذه الحديقة، فالمواطن "سالم الأحمد" قال: «ما هو سبب عدم اهتمام مجلس المدينة بهذه الحديقة؟ فالمشهد هو نفسه منذ القديم ولا شيء تغير، فأنا أحلم بحديقةٍ مثل حدائق باقي المحافظات لاصطحب عائلتي وأقضي فيها أيام العطلة الأسبوعية، والأكثر غرابة هو عدم وجود عمال مُفرغين للاهتمام والعناية بها».

أما المواطن "فايز عبد السلام" الذي انضم لحديثنا؛ خالف كلام "سالم" حيث قال: «لا مصلحة لي في الدفاع عن مجلس المدينة؛ لكنها قدّمت كل شيء من أجل إعادة الروح لهذه الحديقة؛ فقد وضعت الكراسي وقامت بتركيب مصابيح كهربائية في أعمدة الإنارة وجاءت بمراجيح للأطفال، لكن نحن الأهالي لا نستحق هذا الدلال؛ فالكراسي تحطّمت

والمصابيح انكسرت والمراجيح تعطلت وكل ذلك بسبب سوء تصرف بعض شباب وأطفال الحي، فما ذنب مجلس المدينة؟».

وتعقيباً على ما قاله "فايز" فقد شاركنا الحديث المواطن "قصي جميل" والذي قال: «إن الأهالي يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية؛ لكن الجزء الذي هو مسؤولية مجلس المدينة معدوم وغير موجود، فلو تم تفريغ حراس متناوبين لما تجرّأ البعض على العبث بممتلكات هذه الحديقة وغيرها من الحدائق في المدينة».

** للمسؤولين كلامٌ أيضاً:

وبناءً على حجم الإهمال الموجود على أرض الواقع؛ توجّهنا بدورنا إلى رئيس مجلس مدينة "البوكمال" السيد "محمد المحجوب" ليوضح لنا ما هو غامض؛ حيث قال: «لدينا نقصٌ حقيقي في عدد عمال الحدائق؛ وربما يؤدي هذا الأمر إلى بعض الخلل في مهام العمال الموجودين، فنحن كمجلس مدينة نسعى لإظهار هذه الأماكن العامة بأفضل مظهر، فبسبب النقص الذي ذكرته نضطر إلى تخصيص يوم محدد لكل حديقة وإرسال كل العاملين الموجودين دفعةً واحدة للعمل فيها؛ وهكذا على مدار الأسبوع، فأمرٌ طبيعي أن نجد حدائق غير نظيفة في بعض الأيام. أما فيما يتعلق بالإنارة والخدمات الأخرى فقد بات يعرفها الجميع لأن يداً واحدة لا تُصفق، فنحن لم نبخل على المواطن بشيء على العكس تماماً فقد قدّمنا كل ما من شأنه أن يُظهر هذه الحدائق بأبهى حلة؛ لكن للأسف بعض المسيئين أساؤوا لأنفسهم وللحديقة فكسّروا وسرقوا ونهبوا كل شيء، ومجلس المدينة ليس بإمكانه أن يخصّص حراساً على مدار /24/ ساعة لمراقبة الداخل والخارج من وإلى الحديقة، لذلك يجب أن يكون هناك تعاونٌ من الأهالي حتى نستطيع أن نقدم ما بوسعنا وهذا واجبنا تجاه المدينة والمواطنين معاً».

يبدو أن الحل هو بالتعاون المشترك بين المسؤولين عن هذه الحدائق والمواطنين للإبقاء على رونقه وجمالها لتزين مدننا بأبهى حلة.