تُشكّلُ المراكز والدّور الثقافية في مختلف المدن والتجمعات السكانية الأخرى؛ رافداً حقيقياً لنشر الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع المحلي؛ كما أن لها دوراً بارزاً في مواكبة الحركة الأدبية والفنية بكافة صوّرها. المركز الثقافي العربي بـ"البوكمال" واحدٌ من هذه المراكز في محافظة "دير الزور" والذي يسعى جاهداً إلى تأكيد حضوره في الساحةِ الثقافية وإثبات ذاته كمركزٍ فاعل ضمن العملية التوعوية.

فخلال جولتهِ إلى مقر المركز أجرى موقع eSyria عدة لقاءات للتعرف على البدايات الأولى لهذا البناء؛ فيقول السيد "ذاكر العلي أبو محمد" أحد أقدم الموظفين في رواق المركز:

كان البناء القديم عبارة عن غرفتين من الطين والحجارة الهشّة؛ ثم انتقل إلى بناءٍ جديد يحتوي على ثلاثة غرف مع صالة تتسع لـ/50/ مقعدا فقط، وكانت جميع الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية تُقام فيه قبل أن ينتقل إلى المكان الحالي

«كان البناء القديم عبارة عن غرفتين من الطين والحجارة الهشّة؛ ثم انتقل إلى بناءٍ جديد يحتوي على ثلاثة غرف مع صالة تتسع لـ/50/ مقعدا فقط، وكانت جميع الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية تُقام فيه قبل أن ينتقل إلى المكان الحالي».

الأستاذ "فواز الشعبان" أمين مكتبة ثقافي "البوكمال"

وقد واكب العديد من الفنانين والأدباء تلك البدايات الصعبة للمركز؛ فيقول المسرحي الفراتي "تحسين الجهجاه": «تم افتتاح أول مركز ثقافي بـ"البوكمال" عام /1972/م بإدارة الفنان التشكيلي "عبد الكريم موسى"، وكان عبارة عن منزلٍ قديم مؤلف من غرفتين فيه فسحة سماوية، وبعد تشكيلنا لفرقة مسرحية قمنا ببناء خشبة مسرح من الإسمنت والبلوك داخل هذه الفسحة الفارغة من أجل تقديم أعمالنا المسرحية، وبعد تطور البناء في المدينة نُقِلَ المركز إلى المقر الحالي وتم بناؤه وفق أحدث التصاميم».

وعلى الرغم من قِدَم بناء المركز في تلك الفترة إلا أن مؤسس فرقة "البوكمال" الموسيقية الأستاذ "محمد حسو" أشاد بالنشاطات الفنية والأدبية في تلك الأوقات؛ فيقول:

جانب من المكتبة

«لم يكن البناء الرديء وقتها يُشكلُ حاجزاً أمام الحركة الثقافية في المدينة؛ فكان ذلك المركز شعلة من الثقافة ونشر الوعي باحتضانه للعروض المسرحية والأمسيات الشعرية والندوات الفكرية وذلك من خلال المتابعة واستقدام مُحاضرين وشعراء من مختلف المناطق».

لم يقتصر التطور الذي حصل لمقر المركز على البناء الخارجي فقط؛ بل تعداه إلى داخل كل غرفةٍ وكل قسمٍ من أقسامه؛ وعن ذلك تحدّث الأستاذ "فوزي الشعبان" أمين المكتبة؛ قائلاً:

الأستاذ "أكرم الدندل" مدير ثقافي "البوكمال"

«بدأت مكتبة ثقافي "البوكمال" باستقبال روادها منذ عام /1976/م ولم تكن وقتها تحتوي إلا على /1500/ كتاب فقط، ومع مرور الأيام وانقضاء السنين ازدادت أعدادها وتضمنت مختلف العناوين التي تناسب كافة المراحل العمرية، والفضل بالتأكيد يعود لوزارة الثقافة التي تُموّل كل المراكز بالكتب على مدار العام؛ وبحسب الجرد السنوي لعام /2009/م فقد بلغ عددها نحو /11000/ كتاب؛ منها /388/ كتابا ومجلة خاصة بالأطفال. لكن بعدما ازداد الطلب على عددٍ من عناوين الكتب غير الموجودة لدينا؛ اقترحنا على وزارة الثقافة أن تمنحنا الحرية باختيار ما يناسب طلبات الزوار بدلاً من إلزامنا بكتبٍ لا طلب عليها؛ وبالفعل حصلنا على الموافقة والآن أحاول تدوين كافة العناوين التي لا يجدها الزائر في مكتبتنا وبالتالي جلبها لاحقاً، فأغلب مرتادي المكتبة هم من الطلبة على مختلف المراحل وخاصةً طلاب الشهادة الثانوية والجامعات قسم الآداب؛ وهناك إقبال لافت من جانب فئة الإناث القاطنات في الريف؛ وهذا الأمر يبشر بولادة جيلٍ واعي ومثقف».

من منزلٍ ريفيٍ قديم إلى بناءٍ حديث؛ رحلةٌ طويلة للهيكل الخارجي لثقافي "البوكمال" بدأت بغرفتين من الطين والحجارة وبعض الكراسي الخشبية المُكسّرة؛ وانتهت بعشرات الغرف المُكيّفة داخل بناءٍ جديد؛ الأستاذ "أكرم الدندل" مدير ثقافي "البوكمال" تحدّث عن المركز الحالي وما يتضمنه من أقسام؛ قائلاً:

«افتُتِحَ المركز الحالي بتاريخ 16/11/2006م على مساحةٍ تبلغ /4250/ مترا مربعا؛ وهو مؤلفٌ من طابقين؛ أما الأول فيتضمن غرفة الإدارة وأخرى لمعاون المدير إضافةً إلى ديوان وذاتية وقسم لمكتب محو الأمية ومكتب لنقابة الفنانين، كما يتضمن مسرحاً بكامل التجهيزات لاحتضان مختلف النشاطات الأدبية والفنية والفكرية؛ تتسع هذه الصالة لاستيعاب /250/ شخصا. وأما الطابق الثاني فيتضمن قسما لشبكة المعرفة الريفية وتُقام فيها دورات مستمرة للحاسوب واللغات الأجنبية؛ كما يتضمن مكتبة تحتوي على الكثير من الكتب الأدبية والعلمية وأيضاً تحتوي على قاعة مطالعة. يقوم المركز بإقامة العديد من الأنشطة الثقافية والمهرجانات الفنية على مدار العام بشكلٍ متواصل وفق برامج شهرية؛ وأهمها مهرجان "ماري" ومهرجان "الصالحية" الثقافي، بالإضافة إلى عدد من الأمسيات الشعرية والمحاضرات الفكرية والعلمية وذلك باستضافة محاضرين وأدباء من داخل وخارج المحافظة».