"يا بيتنا حري وحجر حوشك وسيع وبيه سجر*"؛ تمثل كلمات هذه الأغنية المعنى الحقيقي للمواد التي تم استخدامها في بناء البيوت الديرية القديمة؛ فهي مواد من نتاج الطبيعة وهي متوافرة في مناطق محافظة "دير الزور" بكثرة.

للحديث عن مواد البناء المستخدمة في بناء بيوت "دير الزور" القديمة؛ مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 كانون الثاني 2015، التقت المهندس الزراعي "غسان الشيخ الخفاجي" من حي "القصور"؛ الذي حدثنا بالقول: «إن أغلب البناء بل جله في مدينة "دير الزور" يعتمد على مواد أولية من منتجات ومكونات المنطقة سواءً الأحجار أو الأخشاب، ولكون "دير الزور" حلقة وصل بين "دمشق وحلب وبغداد والموصل"، تطور شكل البناء من البدائي إلى المنظم وأخذ شكله الهندسي الجميل، وذلك من خلال اتساع مساحة البيوت والغرف وشكل البناء والأقواس و"الحوش" وملحقات البناء، وذلك في الأحياء الحديثة خارج سور دير العتيق بعد توسع المدينة».

أجمل ما يشاهده الإنسان في بيوت "دير الزور" هو رخام غير خالص لكنه بديع الشكل يستخرج من مقالع قريبة من المدينة لتزين الشبابيك والأبواب بتلك الأقواس الرخامية

فقد وصف العلامة "محمد سعيد العرفي" جمال البيوت الديرية سنة 1931 بقوله: «أجمل ما يشاهده الإنسان في بيوت "دير الزور" هو رخام غير خالص لكنه بديع الشكل يستخرج من مقالع قريبة من المدينة لتزين الشبابيك والأبواب بتلك الأقواس الرخامية».

بيت الحاج فاضل

كما كان لنا وقفة فيما كتبه المهندس "فرحان الحيجي" على مواقع التواصل الاجتماعي عن المواد المستخدمة في بناء بيوت "دير الزور" القديمة: «قال المهندس المعماري "حسن فتحي" (مهندس الفقراء): "انظر تحت قدميك وابنِ بيتك"،

والبناء الديري القديم عمل بهذا القول دون أن يقرأه أو يسمع به، وقد استخدم جميع مواد البناء المتوافرة في البيئة المحيطة بمدينته، ولم يستقدم أي مادة بناء من خارج بيئته أو محيطه».

العلامة محمد سعيد العرفي

ويتابع: «ومن المواد المستخدمة ببناء البيت الديري القديم أربعة أنواع من الحجارة؛ وجميعها قريبة إلى مدينة "دير الزور"، وتتفاوت بقساوتها وتحملها ومقاومتها للرطوبة والتلف.

النوع الأول؛ وهو "الصخر الأسود" (البازلت)، وهو الصخر البازلتي وأقرب موقع إلى "دير الزور" ينوجد فيه هو ببلدتي "البغيلية وعياش" ويتوافر بكثرة، وبعضه يمكن جمعه من الأرض دون جهد، وينتج "البازلت" عن اندفاعات بركانية ويتميز بمقاومته العالية جداً للرطوبة وديمومته عالية ولكن تشكيله صعب، واستخدمه البناء الديري في الأساسات والمدماك الأول الظاهر فوق سطح الأرض حتى النافذة، وذلك لمقاومته لرطوبة التربة من ناحية ورطوبة الأمطار ورطوبة تنظيف النوافذ بالماء.

نموذج لأحد البيوت الديرية

أما النوع الثاني فهو "الرخام"؛ وهو صخر مقاومته جيدة وتشكيله سهل ولكن مقاومته للاهتراء ضعيفة، فقد استخدمه البنّاء الديري بكثرة بالأساسات والمدماك الأول حتى النوافذ، وكذلك بصناعة الأقواس للنوافذ والأبواب والبوابات، وقد تفنن الحجار الديري بتشكيل هذا الرخام؛ فصنع منه تشكيلات معمارية عديدة من أجملها مدخل بيت "الحاج هنيدي"، وكذلك مدخل دائرة النفوس القديمة وأظن أنه بيت "حج فاضل" رحمه الله، وهو من الأعمال الجميلة بالرخام، واستخدم أيضاً الرخام بصناعة "الأكباش"؛ وهي قطعة رخام منحوتة بشكل خاص وجميل لحمل "الطنف" (الشرفات)، وهذا الرخام منتشر وبكثرة في المرتفعات الجبلية المحاذية لـ"دير الزور" التي نسميها جبل "الولي" وخاصة عند منطقه "النوامير".

كما انتشر البناء بالحجر "الكلسي" وبكثرة؛ وهو ما ذكر عن المواد السابقة في إنشاء البيوت الديرية؛ فكان يستخدم في الواجهات والأقواس والبوابات والأبواب، وتكاد تكون أغلب واجهات البيوت الديرية القديمة منه، ومن أجمل الأعمال دار المحافظة القديم وكذلك المستشفى الوطني، وثانوية الفرات مثال رائع عن استخدامه في الواجهات.

ومن أنواع الحجارة التي استخدمت أيضاً "حجر السهل" وهو حجر رملي تتفاوت قوته بين نوع وآخر حسب المنطقة أو المقلع الذي يجلب منه، وهو ينتشر بكثرة بمحيط "دير الزور" ووادي الفرات، ويمكن اقتلاعه بـ"القزمات والمقاريص"، مقاومته قليلة وكذلك ديمومته، وتأثره بالمياه والرطوبة عالٍ، ومع ذلك كان انتشاره في أعمال البناء للبيوت الديرية واسعاً، وخاصة في أعمال الجدران الداخلية وبيوت الناس متوسطي الحال».

شرح لبعض المفردات:

*سجر: وهي تعني "شجر" وباللهجة الديرية يقلب حرف الشين لحرف السين لفظاً.