اهتم أهالي محافظة "دير الزور" بالمؤونة بكل أنواعها وذلك بسب السنين العجاف التي كانت تمر بها المنطقة كسنة أم العظام والجوع ولوفا، وكان لـ"الحميس" أو اللحم المطبوخ دوره المميز في هذه المؤونة.

«كانت العائلات الديرية سابقاً تقتني خروفاً أو نعجة في أول الصيف، ويقومون بعلفها وإطعامها إلى أن تكبر وتصبح جاهزة إلى أول الشتاء، فيتم ذبحها وتقطيع اللحم بحجم بيضة الدجاجة ومن ثم تحميسه في قدرية كبيرة (وعاء كبير من الألمنيوم أو النحاس يستخدم للطبخ)». هذا ما أشارت إليه السيدة "نريمان درويش" من حي "العرضي" لمدونة وطن "eSyria" في 26آذار 2014 عن مؤونة "الحميس"».

كانت العائلات الديرية سابقاً تقتني خروفاً أو نعجة في أول الصيف، ويقومون بعلفها وإطعامها إلى أن تكبر وتصبح جاهزة إلى أول الشتاء، فيتم ذبحها وتقطيع اللحم بحجم بيضة الدجاجة ومن ثم تحميسه في قدرية كبيرة (وعاء كبير من الألمنيوم أو النحاس يستخدم للطبخ)

وتابعت: «هذه الطريقة في حفظ اللحم للشتاء نسميها "حميس"، حيث بعد تقطيع اللحم ووضعه في القدرية نقوم بوضعه على نار هادئة إلى أن يذوب الدهن ويحمس اللحم، ومن ثم نضيف التوابل كالبهار والفلفل ونكثر من الملح، وبعد أن يحمس اللحم جيداً يترك ليبرد، ومن ثم يفرغ في آنية مخصصة تسمى "خوابي" وهي آنية مصنوعة من الفخار مخصصة لهذا الغرض وتوضع في السرداب، كما يوضع قسم منه في متناول الأيدي في المطبخ لاستخدامه وقت الحاجة في الشتاء أثناء الطبخ، ويتميز "الحميس" بأن اللحم لا يفقد طعمه ونكهته كما أنه لا يحتاج إلى فترة طويلة من الطبخ فهو مطبوخ مسبقاً، ولكن في وقتنا الراهن هناك القلة من العائلات التي مازالت تقوم بصنع "الحميس" وذلك لعدة أسباب منها الامتداد العمراني الذي أدى إلى ضيق المكان وعدم القدرة على تربية أي خروف أو نعجة، إضافة إلى توافر اللحم في أي وقت من الأوقات في الأسواق والقدرة على شرائه طازجاً».

الحميس

الشاب "مقداد حداد" من بلدة "حطلة" يقول: «"الحميس" من الأكلات المميزة التي لا نزال نقوم بصنعها في المنزل ليس بهدف المؤونة حالياً، وإنما لطعمها المميز، حيث نقوم بشراء اللحم من السوق وتحميسه ووضعه في متناول الأيدي للأكلات السريعة التي لا تحتاج إلى وقت وجهد، كخلطه مع البيض المقلي أو قليه وحده وتناوله مع "الطرشي"، وأيضاً يمكن تناوله بارداً دون طبخ».

الباحث "كمال الجاسر" أضاف: «تعود أهالي "دير الزور" وبشكل خاص في المدينة على صنع مؤونة الحميس، والحميس من حمس ويحمس حمساً، أي حمسه أغضبه، أو حمس اللحم قلاه، وارتبط صنع "الحميس" بعدة أسباب منها عدم توافر اللحم بشكل دائم على مدار العام في المدينة، وأيضاً القدرة على تربية الخراف في الأحواش الكبيرة التي كانت تتميز بها منازل الدير القديمة، إضافة إلى ذلك تعرض محافظة "دير الزور" للكثير من السنين العجاف والصعبة التي لا يزال يذكرها الأهالي ومنها سنة "الجوع" عام 1917، ففي هذه السنة مرت المنطقة بسنة محل وقحط نتيجة الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، وسنة "جلقيف" عام 1903 حيث أتى ثلج على المنطقة لمدة أربعين يوماً أبيدت إثره المواشي والحيوانات والكثيرون من الناس، وأيضاً هناك الكثير من السنين العجاف كأم العظام ولوفا. ولم يكتف الأهالي في تلك الحقب الزمنية بمؤونة "الحميس" فقط، وإنما كانوا يقومون أيضاً بتموين القمح والحطب والسمن والجبن والسكر والرز وغيرها من المواد الغذائية التي تقيهم الجوع».

مقداد حداد
كمال الجاسر