بيوت من "الطين" بنيت من رحم الأرض، وآوت ساكنيها من برد الشتاء وحرارة الصيف، ولم يبقَ منها إلا بقايا الجدران، أو ما علق بذاكرة من عاش بتلك البيوت.

ولمعرفة كيفية بناء تلك البيوت ومزاياها التقى eSyria الأستاذ "عيدان العمران" الباحث بالتراث، والذي بدأ حديثه معنا بالقول: «عند البدء ببناء بيت الطين لابدّ من توافر المواد الأولية، وهي موجودة ولا تكلف أي ثمنٍ لأنها من صنع الطبيعة، ومن تلك المواد التراب ذو القوام الطيني، أو ما يسمى بلهجتنا المحلية "الحري" وهو شديد التماسك وصلب جداً عندما يجف، وكذلك نحضر مادة القش وهي بقايا حصيد القمح والشعير، وتسمى أيضاً "التبن" وهي مقسمة إلى قطع صغيرة وليست على شكل سيقان كاملة، ومن ثم يخلط التراب المخصص لبناء بيوت الطين مع مادة التبن، بعد ذلك يضاف إليها الماء ويتم تقليبها إلى أن تصل إلى مرحلة التجانس وكذلك يتم تدويسها بالأقدام، ليأخذ الماء مكانه ضمن حبيبات التراب، بعدها تترك لمدة أسبوع حتى يتخمر الطين، وبعد هذه الفترة يكون الطين جاهز ليتم تشكيله بأشكال مستطيلة بواسطة قالب خشبي يسمى "الملبن" حيث يؤخذ الطين بواسطة حمّالة من الخشب تشبه النقالة تسمى "باب الوحل" حيث يوضع عليها الطين وينقل إلى مكان الملبن والذي يبعد مسافة جيدة لسهولة تهويته وسرعة جفافه، بعدها يوضع الطين ضمن الملبن ويكبس بشكل جيد ثم يرفع الملبن مباشرةً وتبقى قطعة الطين على الأرض من 3-5 أيام حتى تجف وذلك حسب درجات الحرارة ففي الشتاء تحتاج أياما أكثر مما هو عليه في فصل الصيف، وتسمى قطعة الطين الناتجة من هذه العملية "اللبنة" وهي بأبعاد 50×7 وسماكة 5سم وتكون جاهزة لبدء بناء بيوت الطين».

لبناء بيت الطين العادي نقوم بتحديد قطعة الأرض المراد بناء البيت عليها، حيث يجب أن تكون مرتفعة قليلاً عن الأرض الطبيعية لتجنب مياه الأمطار، وكذلك يجب إجراء تسوية للأرض، بعد ذلك يتم رسم مخطط للمنزل وملحقاته من بيت المونة وغرفة المطبخ والحمام، حيث نبدأ بعمارة لبنات الطين ضمن المخطط المرسوم، وعندما ننتهي من بناء الصف الأول نقوم بإضافة الصف الآخر ويوضع بينها الطين الممزوج مع التبن ليزيد تماسكها ولتغطية الفراغات بينها، وهكذا وحتى ارتفاع 1متر نقوم بتحديد مكان النوافذ ضمن الجدران

وعن كيفية بناء بيت الطين العادي أضاف "العمران" بالقول: «لبناء بيت الطين العادي نقوم بتحديد قطعة الأرض المراد بناء البيت عليها، حيث يجب أن تكون مرتفعة قليلاً عن الأرض الطبيعية لتجنب مياه الأمطار، وكذلك يجب إجراء تسوية للأرض، بعد ذلك يتم رسم مخطط للمنزل وملحقاته من بيت المونة وغرفة المطبخ والحمام، حيث نبدأ بعمارة لبنات الطين ضمن المخطط المرسوم، وعندما ننتهي من بناء الصف الأول نقوم بإضافة الصف الآخر ويوضع بينها الطين الممزوج مع التبن ليزيد تماسكها ولتغطية الفراغات بينها، وهكذا وحتى ارتفاع 1متر نقوم بتحديد مكان النوافذ ضمن الجدران».

الباحث عيدان العمران

وبهذا الخصوص أضاف: «وكذلك يجب تصميم مكان لوضع الفراش المخصص للنوم وهو يشبه النافذة ولكنه مغلق ولا يطل إلى الخارج ويسمى "الليوان"، ويجب تحديد مكان الأبواب منذ بداية العمل، ونبدأ بتشكل زوايا البيت وهي من اللبنات المتدخلة مع بعضها أي إنها متشابكة، لأن بيت الطين خالٍ تماماً من العضائد، وعند وصول مكان الأبواب والنوافذ يوضع لها عتبات من الأعلى مصنوعة من أعواد الحور الفراتي السميكة والقاسية، ويتم إكمال البناء فوقها إلى أن يصل إلى مرحلة السقف، حيث يتم وضع جذوع الحور الفراتي من الأشجار المتقدمة بالعمر وبعد ذلك يتم وضع الأغصان فوقها وكذلك يوضع القش ذو السيقان الطويلة ويوزع على السطح بشكل جيد، بعدها يتم وضع الطين المستخدم في صنع اللبنات وبكميات كبيرة، ويتم تسويته وإعطاؤه ميولا مناسبا لنزول الأمطار مع وضع المزاريب حتى لا تسيل المياه مع الجدران، ويتم صقل الجدران وتغطية الشقوق من نفس الطين المستخدم، أما النوافذ والأبواب فتصنع من خشب الحور وتركب في مكانها عند الانتهاء من بناء البيت».

وهناك بيت طيني من نوع آخر وهو على شكل قباب، تحدث عن طريقة بنائه بالقول: «نبدأ بتجهيز الطين كما في الطريقة السابقة، ثم نقوم بتخطيط المنزل ولكن هذه المرة بشكل طولاني والغرف بعضها بجانب بعض، حيث نبدأ بوضع الحجر الأبيض أو الأسود وبارتفاع 40-70سم ويعتبر كأساس لمنازل القباب، بعدها نضع اللبنات بعضها فوق بعض مع تحديد مكان الأبواب والنوافذ، وفي هذه المرحلة يرفع اللبن إلى أن يصل إلى مرحلة السقف، عندها نقوم بتجهيز القبة لكل غرفة، وتتم العملية بأن نحضر الطين الممزوج مع التبن ونبدأ بتشكيله بشكل دائري فوق السقف، وكلما ارتفعنا قليلاً تصغر الدائرة إلى أن نصل بالشكل النهائي وهي القبة وتكون شبيهة بالمخروط إلا أنها مكسورة الرأس، حيث يكون الضغط الناتج عن ثقل الطين موزعاً على قاعدة القبة، وتترك فتحات على جانبي القبة لسهولة خروج الهواء من الغرفة وتهويتها بشكل جيد وتأمين شروط صحية، وكذلك تؤمن تلك الفتحات دخول أشعة الشمس من كافة الاتجاهات منذ شروق الشمس وحتى وصولها إلى زاوية الغروب، ولبيوت الطين ميزة أنها مصنوعة من مواد طبيعية بالكامل ولم تدخل فيها المواد الصناعية، فهي صديقة للبيئة ولا توجد لها مخلفات تؤثر على البيئة، وكانت مسكن الفقير والغني، ويعتبر الطين عازلا جيدا للحرارة، فهي دافئة شتاءً وباردة صيفاً».

بيت من الطين لم تبقى منه الا الجدران

أما عن تجهيز البيت من الداخل فقال: «يتم تجهيز الغرف ومدها بالفراش أو ما يسمى "السوح" وهي مصنوعة على النول أو ما يسمى في منطقتنا "الجومة"، وكذلك هناك فرشة تسمى اللبادة وهي مصنوعة من صوف الأغنام الخالص والمضغوط والملون بألوان مختلفة، وأيضاً يتم صنع البرادي للنوافذ ويخصص مكان لأدوات الإضاءة كالضّواية والقنديل، وتجهز غرفة المونة بالأدوات التي تحفظ الطعام مثل "المكبة" وهي تصنع من أعواد الطرفاء وتنسج على شكل قفص يوضع الطعام تحته، وهناك من تذكر هذا البيت بالأهازيج، "محلى بيتنا الحري وحجر/ محلى أمي عالتنور

والدوري يلعب عالشجر/ والجشج عالنار يفور"، والجشج هي أكلة الكشكة المشهورة في منطقة الفرات».

بيوت الطين التي على شكل قباب

وفيما يخص الناحية المعمارية والبيئية لبيوت الطين تحدث عنها المهندس المعماري "ثامر الخلف" بالقول: «الطين بالأساس ناتج عن تحلل الصخور والمواد التي تدخل في تركيبها، ويأخذ الطين لونه من المواد والعناصر المعدنية الداخلة في تركيبه، فنلاحظ تدرج ألوانه بين الأبيض والبني، وأيضاً له ميزة هامة أنه عازل جيد للحرارة وتبادله الحراري بطيء فهو يحافظ على درجة حرارة البيت لفترة زمنية جيدة خلافاً لدرجات الحرارة في الخارج، ويعود الفضل في ذلك أيضاً إلى سماكة جدرانه التي تصل في بعض الأحيان من 50-70 سم وحسب طريقة وضع اللبنات طولانية أو عرضانية، وبيت الطين صديق للبيئة فجميع المواد التي تدخل في تركبيه من الطبيعة، ولا يدخل في بنائه أي مادة صناعية، فعند هدم تلك البيوت لتجديدها أو ما شابه ذلك فجميع موادها قابلة للتحلل والرجوع إلى شكلها الطبيعي، خلافاً لما نعانيه من الأنقاض الإسمنتية والتي أصبحت من المناظر غير المرغوب فيها ومشوهة لجمالية الطبيعة، فيجب إيجاد أماكن مناسبة لطمر هذه البقايا والاستفادة منها بالشكل الأمثل».

هكذا كانت وهكذا بنيت، ولم تؤثر يوماً على الطبيعة التي أمدتها بعناصر القوة لتقف شامخة في وجه العوامل الجوية، وتبقى ذكراها حاضرة، والحنين إلى ماضيها أصبح جزءاً من الذاكرة الشعبية لأبناء الفرات.