فض يا فرات.../ أنا التي ضيعت من زمنٍ.../ وها قد عدت... فافتح حيزاً/...كي أرتمي مثل الحقيقة.../ في يديك!!

فض يا فرات.../فما ألذ الموت إذ يزهو.../اقترابك .../ في اقترابي....

الجيد سيثبت نفسه لاشك، وبالمقابل كثرت الأقلام الذكورية إذا صحَّ التعبير، لكن القارئ والمستمع لديه القدرة على التمييز والمفاضلة

ربما تكون هذه المقدمة خير بداية للحديث عن "سميرة بدران" التي لم يفرح "الفرات" فقط بعودتها بل كل رواد ومتتبعي الحركة الثقافية في "ديرالزور".

الشاعرة سميرة بدران أثناء اللقاء معها

"سميرة" التي ابتعدت سنوات طوال عادت -والعود أحمد- لتعيش سنوات من الزهو وتصبح وجهاً أدبياً بارزاً في الساحة الثقافية, " سميرة" عضو اتحاد الكتاب العرب وعضو لجنة تمكين اللغة العربية, شاركت بالعديد من المهرجانات والملتقيات الشعرية والندوات.

فازت بجوائز عديدة منها:

  • جائزة "سعد صائب" للقصة والشعر1987/1988 على التوالي

  • جائزة اتحاد الكتاب العرب فرع"ديرالزور" 2007 المركز الأول

  • جائزة" المزرعة" للإبداع الأدبي والفني في" السويداء" 2007 المركز الثاني

  • لها ثلاث مجموعات أدبية " شموع- حمى الفصول- تجليات في حضرة عشتار"

    "eSyria" استطاعت أن تقتنص بعضاً من وقت الشاعرة"المنشغلة دائماً" وكان لنا معها الحوار التالي:

  • لمن لا يعرف "سميرة بدران", كيف تعّرفينها بعدة أسطر؟ وكيف كانت بداياتها؟
  • ** «فراتية, حملت نبض حرفٍ عشق الغَرَب والشيح, كتبتني القصيدة نزفاً وتآمرت معي عليَّ, حينما حضر الشعر وغابت خيام العشيرة.

    بداياتي في الظهور عام 1984 في "حلب" من خلال أمسيات طلابية, ثم عن طريق النشر في الصحف المحلية.

    ساهمت في الحركة الثقافية في"ديرالزور" بين عامي 1985/1990 وكان المشهد الثقافي آنذاك رائعاً يفيض حيوية, إذ ولد وقتها منتدى جميل هو منتدى"أصدقاء المركز الثقافي" وكنت أحد أعضائه, والمرأة الوحيدة فيه, إلى جانب كثير من الأدباء الشباب المبدعين, وكان المنبر آنذاك خلية لا تهدأ.

    في عام 1990 دعيت إلى أمسية أدبية في"حلب" بمشاركة الأستاذ "خليل جاسم الحميدي" إلا إنها كانت آخر مشاركة لي قبل الخروج من دائرة الضوء».

  • ما جئت على ذكره- أي الخروج من دائرة الضوء- لا يمكن إلا أن يخطر في ذهن كل من يحب "سميرة بدران" وما تكتب, ما هي الأسباب التي دفعت شاعرة في أوج عطائها إلى الانسحاب ؟
  • «أسوأ ما يمر به الأديب, وعلى الأخص- الشاعر- أن يشعر في لحظة ما أنه غير قادر على الإنتاج والعطاء، ولعلَّ هذا الإحساس نتيجة لموقف ما...

    أو التزام بقضية مصيرية تجبرنا على التخلي عن أمر ما في سبيل الفوز بأمر آخر له درجة من الأهمية ترجح على الأول, ولا أريد الإغراق في الغموض, إنما أقول: نحن معشر الشعراء منذ وجودنا وصرختنا الأولى نطارد القمع حتى في داخلنا.. ونحارب الخوف, رغم معاناتنا من الرفض والحب والكره والأسر والضياع .. والغربة.. لكنني في فترة ما.. أجَّلت رغبتي بالانتماء إليَّ.

    لقد ولد طفلي الأول وهيمن حضوره على كل الحضور وكل الهالات... الوقت.. الذاكرة.. الروح.. العاطفة .. والانتماء.. و احتاج لتفرَّغ كامل وخصوصاً في السنوات الأولى, فهذه سنوات التأسيس والإنشاء, وكما أن للأدب رسالة .. فتربية الأبناء رسالة هي الأخرى أعظم وأهم..

    كذلك صعوبة الحياة في ظل المادة.. فالأديبة منا هي عاملة وأم وربَّة منزل , والأمومة ليست احتضاناً, هي تنشئة فكرية وخلقية ونفسية قبل كونها عاطفية...

    المؤسسة الزوجية تستند على المرأة قبل الرجل, لذلك لتنجح رسالتي ابتعدت قليلاً».

    *قرار العودة متى كان؟ وكيف؟

    «عودتي كانت حتمية لأن الشعر هاجسي ولكن ابتعادي بشكل كامل أضاع الكثير من مخزن مفرداتي, وهنا قررت العودة للدراسة بعد عقدين من الانقطاع, وشعرت أن الكتاب والدراسة حرضا ذاكرتي وأعادا مخزوني بل أضافا إليه.

    فالحداثة الشعرية دخلت مناهج الآداب ومتابعتها إلى جانب الرديف الوافر في مكتبتي استنزف قواي وقدراتي، ومخزوني وحاولت التعويض، وأتصور أنني عوضت السنوات التي انقطعت فيها، وقد خاطبت "الفرات" في قصيدة الحب أبشره بعودتي:"فض يا فرات".

    *القلم النسائي في"دير الزور" ماذا يمكن أن تحدثينا عنه، سابقاً، ولاحقاً؟

    «القلم النسائي موجود قبل الانقطاع وبعد العودة، لكنه مغيب بفعل فاعل وبفعل النساء أنفسهن.

    قبل الانقطاع كنت المتمردة الوحيدة في "ديرالزور"شعرياً، ولكن في الظاهر, إذ كان هناك شاعرات كثيرات في الظل، منعهن من الظهور بساطة المجتمع وجهله آنذاك ومحافظته وتشدده، إذ كان يرى في ظهور المرأة عورة وجرماً تستحق العقاب عليه، لكن أسرتي -وعلى الأخص أبي- حرضتني على الظهور ودفعتني لذلك دفعاً، ولي حق الاعتزاز بذلك.

    بعد عودتي, تعددت المنابر الثقافية، ودخلت الحواسيب والفضائيات بيوتنا وافتتحت الجامعة في مدينتنا, مما مهَّد للاعتدال وبعض الحريات المدروسة.

    فلمعت أسماء كثيرة من بين بناتنا، الصوت النسائي عالٍ، ومسموع، وأثبتت بعض النساء وجودهن، وتركن بصمات لا تنسى، ولكن أكثر هذه الأصوات كانت في القصة والنثر.

    إذ ظلت مساحة الشعر النسائية خالية تقريباً إلا من شاعرة أو اثنتين أخرّهما ما أخرَّني وأخشى أن يبتعدا كما ابتعدت».

    *هل هي حالة إيجابية "كثرة الأقلام النسائية"؟

    «الجيد سيثبت نفسه لاشك، وبالمقابل كثرت الأقلام الذكورية إذا صحَّ التعبير، لكن القارئ والمستمع لديه القدرة على التمييز والمفاضلة».

    *كيف تصورين تفاعلك مع الوسط الأدبي؟

    «الاحتكاك بالوسط الأدبي ضروري للأديب إذ يبلور تجربته ويصقل نظرته إلى الأشياء ويساعد على دقة الحكم والتصور، ويحرض على توليد الفكرة.

    إنما ككل الأوساط المختلفة لا يخلو وسطنا من الأنانية والشللية والغيرة والحسد, وعلى العكس تزداد حدة كل ذلك لتصل إلى مرحلة من حبك المؤامرات وترويج الشائعات.

    لذلك آثرت التقرب حيناً والابتعاد أحياناً رغم رغبتي بالتفاعل و الاحتكاك البناء».

    *عمّ تتحدث سميرة في شعرها؟

    «قصائدي لا تسكنها الذات الأنثوية فحسب، ولا تختص بالقضايا النسائية فقط، قصائدي تحمل الوطن روحاً، و"الفرات" أملاً، والبؤس الاجتماعي هماً، هاجسها الأمومة، تفوح بالتمرد، وتعبق بالأسطورة تنهل من التراث حيناً والتاريخ العريق حيناً آخر».

    *ذكرت أن هناك شاعرات مميزات ظهرن وتخشين من ابتعادهن, فما هو السبب؟!

    «الزواج هو أحد الأسباب، ولا أقصد هنا أن الزواج هو مقتل الإبداع, و لكن الالتزام يحتم على الشاعرة "الفراتية" التضحية وهي التي كانت بشاعريتها وشفافيتها أقرب إلى العطاء

    اللامحدود, فإن تزوجت ورزقت بطفل فستضحي بالغالي والنفيس, والظهور هو أول الأمور التي ستضحي بها».

    *بمن تأثرت "سميرة بدران"؟ وكيف هو طقسك في ولادة القصيدة؟

    «منذ العاشرة من عمري, قرأت الكثير الكثير ابتداءً بالروايات العالمية مروراً بالعربية ثم انتقلت إلى الشعر بعد أن تشبعت بنثريات "جبران خليل جبران" و " غادة السمان" شدني "بدر شاكر السياب"، و"محمود درويش"، شغفت بـ"أدونيس" وأسرتني"فدوى طوقان"

    عشقت "الفرات"، حاصرتني عشتار، بل سيطرت علي ولبستني أو لبستها لست أدري،

    صار الشعر كائناً حياً يطاردني، يقرأني وجعاً، وأقرأه وطناً وأمومة.

    نزيف دائم ووجع مستمر، إن حضر وتبلورت الفكرة عند حضوره حجبني عن العالم المحيط ودفعني إلى عمق الشعور بالألم, ألم المخاض اللذيذ ثم وبعد مكابرات موجعة، يبدأ العد التنازلي للحظة الولادة فتنفلت القصيدة على الورق ليبدأ الرسم واشتغال المهارات واللغة فروحي سيدتي كالتربة، تؤول إلى التصحر والجفاف إن لم تشقها ماء الكتابة حتى الارتواء، والانتشاء».

    وفي ختام الحوار انتقت الشاعرة مقطعين من قصيدتين لها.

    "خراب"

    هيهات ترجعُ

    يا زمان الودَّ

    مبتهجاً

    وتنفض

    عن مدينتي الخرابِ

    فغدي الذي صادرت

    -منذ تمرّدت لغتي-

    توزع فاتحاً صدراً

    للهفة دهشتي الأولى

    إذ تأتي

    وفي فيروز دمعتها

    يلوح سنا عتاب!!

    =======================

    "تجليات في حضرة عشتار"

    أيُّ الفجائع سوف أقرأ

    أيُّ سفرٍ دافئ للموتِ أعبرُ

    آن ترتعش الأماني

    في انكسارات الفرح»

    هذا وقد استطلعت "eSyria" آراء عدد من الأدباء والمثقفين بالشاعرة"سميرة بدران" فكانت الآراء كالآتي:

    السيد "عبد القادر سلامة" مدير الثقافة في "ديرالزور":

    «عرفت "سميرة" أديبة وشاعرة تميزت بإمكانات شعرية كبيرة وطاقة حسية هائلة وهي صوت نسائي تعود معرفتي به إلى 20 سنة تقريباً حين كنت آنذاك مديراً للمركز الثقافي في "البصيرة" شاركت في معظم المواسم الثقافية فيه, كنت أسعد دائماً بحضورها كما يسعد كل الحضور».

    السيد "أحمد العلي" مدير المركز الثقافي"بدير الزور":

    «الشاعرة "سميرة بدران" هي لاشك من وجوه الصف الأول في الساحة الثقافية والأدبية في"ديرالزور", ولا يمكن أن تمر أمام اسم "سميرة بدران" دون أن تشعر باحترام كبير لها كأديبة وإنسانة وأم, وأن تُكبر فيها هذا النشاط وتلك الإرادة التي دفعتها إلى مواصلة دراستها والجلوس على مقاعد الدراسة الجامعية مع أولادها».

    السيد "سراج الجراد" شاعر وقاص مختص بأدب الأطفال:

    «"سميرة" إحدى شاعرات "الفرات" اللواتي يحاولن بجد ومثابرة العمل على شق طريقهن وسط الأصوات النسوية لتشكل معهن حالة شعرية مميزة ترفد الحركة الشعرية العربية».

    الأديب القاص"خالد الجمعة" :

    «منذ زمن و"سميرة بدران" تحاول أن تلحق بركب شعر الحداثة بمفاهيمه الجديدة والمتطورة على أسس سليمة, وحسب" سميرة" أنها نالت ما تصبو إليه, وهذا ما لمسناه واضحاً في ديوانها تجليات في حضرة "عشتار" علاوة على الحضور المتميز واللغة البسيطة والسهلة».

    هذا ومن الجدير بالذكر أن الشاعرة "سميرة بدران" أم لأربعة أبناء محبوبين اجتماعياً ومتفوقين دراسياً, مما يشعرها ويشعرنا أن تضحيتها لم تذهب سدىً.