رغم تميزه في وطنه الأم، فإن طموحه لم يقف في حدود المحلية إنما تجاوز ذلك ليبرز موسيقياً في المغترب، ملحناً وموزعاً بل حتى كاتب كلمات، ليحول تجربة الاغتراب من تجربة قاسية للبحث عن سبل أفضل في العيش إلى فسحة لبناء نجاح موسيقي يشار له بالبنان، إنه الفنان "رفيق محمد أمين الجاسر" الذي التقاه eSyria فابتدأ حديثه معنا بقوله: «ولدت سنة 1967، درست جميع مراحل دراستي في "دير الزور" حيث تخرجت في معهد إعداد المدرسين- قسم التربية الموسيقية عام 1989، وبعد التخرج مباشرة مارست التدريس، ثم ما لبثت أن التحقت بالخدمة الإلزامية بين عامي 1990 و1992، وقد أضافت لي الخدمة الإلزامية كمّاً هائلاً من المعارف الموسيقية النظرية والعملية، حيث خضعت لدورة مدتها ستة أشهر على النوطة الموسيقية والنظريات ومبادئ العزف على "الترومبيت"، ثم التحقنا بأوركسترا آلات النفخ النحاسية والخشبية، حيث كنا نتمرن خمس ساعات يومياً، وكان يدربنا مدربون من روسيا، وقد استطاعت هذه الأوركسترا عزف المقطوعات العالمية الكبرى بنجاح، بعد أن يعاد كتابة نوطتها الموسيقية لتناسب آلات النفخ، وكان كبير المدربين يدعى "الإسكندر" صاحب اللمسات الأميز في تدريبنا والذي لشدة براعته في العزف على "الترومبيت" كان زملاؤه يلقبونه "ساشا" نسبة إلى أهم عازف "ترومبيت" في روسيا، وذلك لتميزه على هذه الآلة الموسيقية، وقد نلت مكانة عند هذا الأستاذ حتى إنه حاول جاهداً إقناعي بدخول المعهد العالي للموسيقا ووعد بمساعدتي في ذلك، ولكنني لم أستطع بسبب الظروف المادية الصعبة التي مررت بها.

بعد الخدمة العسكرية، اهتممت أكثر بآلة العود والتي كنت في فترة المعهد أركز عليها من بين الآلات، ثم ما لبثت أن خضعت لدورة لمدربي الكورال، وبعدها توليت تدريب فرقة شبيبة الثورة فرع "دير الزور" في عامي 1993-1994 وفي عامنا الأول حزنا المركز الثالث على مستوى القطر بالنشيد الموزع، وكان النشيد الذي قدمناه بعنوان "ثائرون" وهو من ألحان وتوزيع الأستاذ الكبير "محمود إسماعيل" في المهرجان الشبيبي الذي أقيم في "الرقة".

بالنسبة للجالية السورية الموجودة في الإمارات فهي برأيي أرقى جالية عربية هناك، وأكثرها ثقافة وتحضراً ومعرفة، وأنا أتواصل دائماً مع أبناء بلدي

أما في العام الثاني فقد تطورت الفرقة بشكل أكبر وأعمق وكان بالفرقة مجموعة من عشر فتيات، وكذلك عدد من الفتيان، أصبح بعضهم فنانين معروفين كالفنان "ساهر عبد الغني" مثلاً، وقد تتوج تفوق فرقتنا الموسيقية بالمهرجان الشبيبي سنة 1994 في "مصياف" وذلك بحصولنا على ثماني جوائز على مستوى القطر، منها المركز الثاني في النشيد الموزع والذي كان من ألحاني وتوزيعي، وكذلك المركز الثالث في الأغنية الشعبية حيث وزعت أغنية "يا غزال البر" ، كذلك حصل الفنان "فراس القاضي" على المركز الثالث في العزف الإفرادي على العود، وحصل الفنان "فرهاد شيخ موس" على المركز الأول في العزف على البزق، فكانت نتيجتنا النهائية ثالث في الترتيب العام.

أثناء تدريبه للطلبة في الإمارات

كما شكلت فرقة نحاسية لمصلحة منظمة طلائع البعث فرع "دير الزور" وكان مقرها المدرسة التخصصية، حيث شاركنا حينها بحفل افتتاح مهرجان الطلائع القطري والذي أقيم في "دير الزور" في الاستاد الرياضي العام».

ثم تابع حديثه شارحاً تجربة الاغتراب الطويلة التي عاشها وما زال يعيشها: «سافرت إلى الإمارات في يوم لن أنسى تاريخه وهو 10/9/1995، وهناك درست في المنطقة التعليمية الغربية التابعة لإمارة أبو ظبي، ثم تنقلت بعدة مدن وعدة مدارس كان آخرها مدرسة "زايد الخير" النموذجية للبنين، وهنا اتجهت للعمل الموسيقي التربوي الخاص بالتعليم، كتلحين الأناشيد المدرسية للأطفال، وكتابة شعر الأطفال، وركزت على مشروع ربط مادة التربية الموسيقية ببقية المواد التدريسية الأخرى، وكان لي تجربة واسعة في هذا المجال معروفة ضمن المنطقة التعليمية التي أدرس بها.

الفنان محمد جراد

لحنت عدة "أوبريتات" أي "مسرحيات غنائية" للأطفال منها مسرحية "القرد الذكي" والتي حازت المركز الأول على مستوى مدارس الإمارات، كما حاز نشيد "لغة الضاد"، الذي من أبياته المعروفة: "لغة إذا وقعت على أسماعنا/ كانت لنا برداً على الأكباد. ستظل رابطة تؤلف بيننا/ فهي رجاء لناطق بالضاد"، وهو من كلمات الشاعر المعروف "حليم دمّوس"، المركز الثالث على مستوى الإمارات بما يسمى ملتقى اللغة العربية».

كما بيّن "الجاسر" النقاط التي أضافتها الغربة لتجربته إذ قال: «فنياً وسعت خبرتي في مجال التربية الموسيقية، كما توجهت للعزف على آلة الأورغ بأسلوب البيانو، وقد طورت نفسي في هذا المجال، كما أضيفت لي خبرة بالموسيقا الخليجية لكونه صار لي خمس عشرة سنة في الخليج العربي.

الفنان رفيق الجاسر

اجتماعياً: أضافت لي خبرة كبيرة بمعرفة المجتمع العربي، وعادات وتقاليد كل قطر من الأقطار العربية بحكم وجود جالية لها في الإمارات».

كما شرح "الجاسر" طبيعة علاقته بالجالية السورية في الإمارات: «بالنسبة للجالية السورية الموجودة في الإمارات فهي برأيي أرقى جالية عربية هناك، وأكثرها ثقافة وتحضراً ومعرفة، وأنا أتواصل دائماً مع أبناء بلدي».

كما أضافت لي تجربة الاغتراب تجربة التعامل مع الحاسوب وخصوصاً في مجال الموسيقا، حيث حزت شهادة الرخصة الدولية في قيادة الحاسب ISDL وكذلك حزت شهادة "الإنتل"».

و"للجاسر" أمنية عبر عنها بقوله: «أتمنى أن تعار التربية الموسيقية اهتماماً أكبر في بلدنا الحبيب، وأن يخصص لها قاعة صف خاصة في كل مدرسة، لما لها من أثر كبير على المواد الدراسية الأخرى، فهي تشكل عاملا داعما لبقية المواد في موضوع التعلم».

ومن الفنانين الذين عايشوا تجربة "الجاسر" التقينا الفنان "محمد جراد" الذي قال لنا: «يعد "رفيق الجاسر" من أميز الموسيقيين في "دير الزور" لتميزه سواء بالجانب العملي أو النظري، فقد عمل "الجاسر" على تطوير قدراته العلمية والتقنية باستمرار، وبالنسبة لقيادة الفرق الموسيقية فقد كان مدرباً ناجحاً وقائد فرقة مميزا خصوصاً في قيادته لفرقة شبيبة الثورة فرع "دير الزور"، كما له اهتمام لافت بالتراث الموسيقي الفراتي».

كما التقينا من أصدقاء "رفيق الجسر" الأستاذ "غسان رمضان" الذي تحدث عنه بالقول: «يتميز "رفيق" بروح جميلة هي فعلاً روح فنان حقيقي مكنته من أن يكون ناجحاً في تخصصه كموسيقي، كما أكسبته محبة عند الكثيرين، هذا عدا تركيزه على اختصاصه وتطويره المستمر لقدراته في هذا المجال ما أعطاه منهجية وجدية بالعمل ميزت شخصيته الفنية».