للمؤونة في "دير الزور" طقوس وعادات، تجمع الأهل والجيران لتقديم العون والمساعدة، إضافة لغناء بعض الأهازيج الشعبية الخاصة بتجهيز المؤونة، حيث تأتي مؤونة "المكدوس" على رأس القائمة.

مدونة وطن "eSyria" التقت في 4 آب 2014، السيدة "سوزان درويش" من حي "العرضي" لتحدثنا عن مؤونة "المكدوس" وأهمية وجودها في المنزل: «لمؤونة "المكدوس" أهمية خاصة لدى جميع أفراد العائلة، فهي وجبة الإفطار الأساسية على مدار العام، لذلك أستعد لتجهيز هذه المؤونة كأنني أستعد لتجهيز زفاف ابنة من بناتي، وذلك لما يتطلبه "المكدوس" من مواد لا بد من تحضيرها وشرائها من السوق، بدءاً من انتظار نزول الباذنجان "الزوري" إلى السوق وهو معروف بجودته في "دير الزور"؛ حيث يكون مناسباً للمؤونة، وسعره رخيص، لأن الكمية ستكون كبيرة قد تصل إلى 150 كيلو غراماً وأكثر، لذلك أنزل إلى السوق أكثر من مرة في الأسبوع، لأتفقد الأسعار ونوعية الباذنجان الجيد، إضافة لاستشارة الأصدقاء والجيران عن الأسعار والنوعية لكل من ينزل منهم إلى السوق، لأرصد الميزانية المناسبة، وأيضاً أتسوق الفليفلة الحمراء وآخذ منها نوعين: نوعاً بارداً وآخر حاراً، وذلك نزولاً عند رغبة العائلة، ومن ثم أقوم بشراء الجوز، والثوم، والملح الصخري المناسب، وأكثر ما يتعبني في تجهيز مؤونة "المكدوس" هو اختيار الزيت الجيد والمناسب، لأنه من المعروف أن "المكدوس" بزيته».

بعد شراء الباذنجان من السوق نقوم بسلقه حتى مرحلة الغليان، ومن ثم نرفعه بمصافٍ خاصة لتصفيته من الماء، ومن ثم نضع داخل الباذنجان كميات مناسبة من الملح الصخري، ويتم "تصفيطه" في صوانٍ خاصة، ونضع فوقه أثقالاً وذلك لتجفيفه بشكل كامل من الماء لكي لا يصبح طعم "المكدوس" حامضاً بالمستقبل، وفي هذه الأثناء وبينما يجف الباذنجان من الماء، نكون قد فرمنا الفليفلة الحمراء ووضعناها أيضاً في صوانٍ حتى تجف قليلاً من الماء الذي فيها، وبشرنا الجوز وقطعنا الثوم لتجهيز الخلطة من الفليفلة والجوز والثوم، ونقوم بحشو الباذنجان و"تصفيطه" في قطرميزات مناسبة، وقبل وضع الزيت نقلب القطرميزات لمدة 24 ساعة؛ حتى لا يبقى فيها أي قطرة ماء، ومن ثم نغمره بالزيت وبعد يوم أو يومين يصبح جاهزاً للأكل

وتضيف: «عندما نبدأ تجهيز مؤونة "المكدوس"، يجتمع كل من في البيت ويتأهب لتقديم المساعدة، ولكل من أفراد العائلة دوره الذي يقوم به رجالاً ونساءً وأطفالاً، فهناك من يسلق الباذنجان، ومن يفرم الفليفلة وينشرها في الصواني، وتشعر بأن البيت جسد واحد وكله حياة وحركة، وحتى للجيران والأصدقاء دورهم في تقديم المساعدة والعون، وذلك أثناء حشو الباذنجان بالخلطة، والكثيرات من الصديقات والمقربين والجيران، يلومونني لهذا التعب والجهد الذي أبذله منذ أكثر من ثلاثين عاماً في صنع مؤونة "المكدوس"، فيقولون: (العالم وصلت للقمر) وأنت مازلتِ تصنعين المؤونة، فالأسواق ملأى بالقطرميزات الجاهزة بـ"المكدوس"، وأجيبهم بالقول: ما دخل الوصول إلى القمر بمؤونة "المكدوس"؟ وأشرح لهم أن مؤونة البيت تبقى أولاً أنظف من صنع السوق ونكون على دراية كاملة بالمواد التي يتم العمل بها، ثانياً يبقى "المكدوس" الذي يصنع بالمنزل أوفر وأرخص وألذ من الذي يتم شراؤه من السوق».

وضع الملح داخل الباذنجان

وقد بينت لنا المدرسة "أماني المعطي" طريقة صنع مؤونة "المكدوس" بالقول: «بعد شراء الباذنجان من السوق نقوم بسلقه حتى مرحلة الغليان، ومن ثم نرفعه بمصافٍ خاصة لتصفيته من الماء، ومن ثم نضع داخل الباذنجان كميات مناسبة من الملح الصخري، ويتم "تصفيطه" في صوانٍ خاصة، ونضع فوقه أثقالاً وذلك لتجفيفه بشكل كامل من الماء لكي لا يصبح طعم "المكدوس" حامضاً بالمستقبل، وفي هذه الأثناء وبينما يجف الباذنجان من الماء، نكون قد فرمنا الفليفلة الحمراء ووضعناها أيضاً في صوانٍ حتى تجف قليلاً من الماء الذي فيها، وبشرنا الجوز وقطعنا الثوم لتجهيز الخلطة من الفليفلة والجوز والثوم، ونقوم بحشو الباذنجان و"تصفيطه" في قطرميزات مناسبة، وقبل وضع الزيت نقلب القطرميزات لمدة 24 ساعة؛ حتى لا يبقى فيها أي قطرة ماء، ومن ثم نغمره بالزيت وبعد يوم أو يومين يصبح جاهزاً للأكل».

أما الباحث "خالد عبد الجبار الفرج" فحدثنا عن طقوس وعادات صنع مؤونة "المكدوس" في محافظة "دير الزور" بالقول: «من النادر ألا تجد بيتاً في "دير الزور" إلا ويضم مكاناً مخصصاً للمؤونة، وتتفاوت كميتها ونوعيتها بالنسبة إلى قدرة رب البيت وحسب دخله، ولكن هناك مواد ضرورية للمؤونة يدخرها الفقير والغني في بيته، ومنها مؤونة "المكدوس" التي لها طقوسها وعاداتها الجميلة من استشارات أهل البيت قبل الشراء، والنزول للسوق أكثر من مرة لتفقد الأسعار والنوعية الجيدة، واجتماع الأهل والأصدقاء والجيران لتجهيز هذه المؤونة، كنوع من المحبة والألفة وتقديم المساعدة فيما بينهم، إضافة لغناء بعض الأهازيج أثناء تجهيز المؤونة، ومن الأغاني التي أذكرها وكانوا يرددونها كثيراً وتخص كل من لا يضع مؤونة في بيته فيكون محط انتقاد وتشهير حيث يقولون له:

سوزان درويش

"تزقزق قندرته والبيت ما بيه مونة

إلا الشعير الأسود يحدر على الطاحونة

المكدوس في القطرميز مغمور بالزيت

لا تعجبج محرمته كثر الحرير الواني

فوتي على بيت أمه دقي الحزن جواني".

ويقصد بهذه الأبيات أن الضرورة تقضي العناية بتأمين طعام البيت علاوة على العناية باللبس؛ إذ يجب ألا يفضل اللباس على الطعام».