تُعتبر منطقة الفرات من المناطق التي تتميز بقدرة فنانيها على غناء وعزف مقاماتٍ موسيقية تُشكل خصوصية المنطقة الواقعة على ضفتي نهر الفرات أو ما يسمى باللون الفراتي؛ إلى جانب ذلك تنفرد هذه المنطقة دون غيرها من المناطق باحتضانها لآلةٍ موسيقية نادرة تسمى بـ "الشاخولة" آلةٌ نفخية قد تكون مهجّنة ومُستنبطة من آلاتٍ نفخية متعددة كـ"الناي" و "الكلارينيت" و "الأبوا" لكنها تختلف عن كل تلك الآلات بحشرجة صوتها الحزين الشبيه بنواحِ امرأة ثكلى.

موقع esyria ومن خلال عدة لقاءات مع أصحاب الاختصاص والشأن الموسيقي في "دير الزور" حاول معرفة المزيد عن هذه الآلة الفريدة، فكانت البداية مع مؤسس فرقة "البوكمال" الموسيقية العازف الأستاذ "محمد حسو" الذي بدأ بتعريفٍ وافٍ عنها بالقول:

على المطرب الذي ترافقه مثل هذه الآلة، أن يتمتع بطبقة صوت عالية حتى يوازي طبقة "الشاخولة" ومن المطربين الذين أجادوا الغناء معها بمنطقة وادي "الفرات" المطرب "محمد الهزاع" أما من العازفين المتألقين فكان العازف "سليمان الخشم" وكلاهما وافتهما المنية

«"الشاخولة" آلةٌ موسيقية نفخية تُشبه "الناي" لكنها أطْول؛ وقد سميت بهذا الاسم لأن صوتها حاد يشخل شخلاً وهي مصنوعة من القصب ولها ستة ثقوب لتعطي درجات سلم موسيقي أو مقام موسيقي شعبي أي أنها تُعطي مقاماً واحداً ونغمةً واحدة، تمتاز هذه الآلة بخصوصية شكلها وصوتها وطريقة العزف والغناء معها، والعزف عليها لا يتطلب مهارات عالية أو تقنيات وبراعة بقدر ما يراد من العازف نَفَساً قوياً وعميقاً لأنها تحتاجُ إلى استمرارية في نفخ الهواء دون انقطاع؛ الأمر الذي يجعل من الرئتين وباطن الفم خزاناً للهواء لتأمين النفخ المتواصل وهذا بالتأكيد يسبب إرهاقاً شديداً للعازف الذي لم يعتد عليها؛ لذلك من الصعب على عازف "الناي" أو أية آلة نفخية أخرى التعامل معها، وباعتقادي أنها غير معروفة إلا في منطقة "الفرات" والجزيرة السورية فهي من إرثنا الخاص».

الأستاذ "محمد حسو" مؤسس فرقة "البوكمال" الموسيقية

اقتصر العزف على هذه الآلة ضمن منطقة الفرات فقط؛ ومع ذلك لم تتطور ولم يتم الاستعانة بها في الفرق الموسيقية لصعوبة الغناء معها؛ فيتابع "الحسو" قائلاً:

«على المطرب الذي ترافقه مثل هذه الآلة، أن يتمتع بطبقة صوت عالية حتى يوازي طبقة "الشاخولة" ومن المطربين الذين أجادوا الغناء معها بمنطقة وادي "الفرات" المطرب "محمد الهزاع" أما من العازفين المتألقين فكان العازف "سليمان الخشم" وكلاهما وافتهما المنية».

تختلف "الشاخولة" عن الآلات النفخية الأخرى

بدورهِ تحدّث العازف والملحن "جمال الدوير" عبر اتصالٍ هاتفي معه عن أهم ميزات هذه الآلة بالقول:

«تعتبر هذه الآلة أقدم من "الربابة" تُصنع من خشب أشجار المشمش أو الجوز؛ وهي شبيهة بـ "الناي" و "الشّبّابة" لكنها أكثر طولاً وسماكة وتتميز بطبقة صوتية مختلفة عن جميع الآلات الموسيقية وعلى الأغلب تبدأ وتنتهي بعلامة (ره جواب) تعتمد على مقامات محددة ولها ستة ثقوب إحداها مغلق ما يساعدها على إعطاء نغمة خاصة باللون الفراتي وهذا ما يميزها».

الأستاذ "يحيى عبد الجبار" قائد فرقة "الفرات" الموسيقية بـ"دير الزور"

بالرغم من أن هذه الآلة تُعتبر كإرثٍ موسيقي لمنطقة الفرات إلا أنها اختفت وسط زحمة الآلات العصرية الأخرى لتصبح بالنهاية منسيةً ومجهولةً عند الكثير من أبناء تلك المنطقة باستثناء بعض المحاولات الفردية لإعادة الهيبة لها من جديد؛ الأستاذ "يحيى عبد الجبار" قائد فرقة "الفرات" الموسيقية تحدّث عن هذه المسألة بإيجاز بالقول:

«من المؤسف أن تختفي مثل هذه الآلات النادرة من الموسيقى الفراتية والتي تُمثل النمط واللون الذي تشتهر بها المنطقة؛ ومع ذلك نسعى الآن لإحياء هذه الآلة من جديد بإدخالها مع الآلات الأخرى ضمن فرقة "الفرات"؛ لكن هناك صعوبة في العثور على العازفين الذين يعزفون عليها فحتى الآن لا يوجد سوى عازف واحد يتْقن العزف عليها ما يشكل هذا الأمر تحدّياً واضحاً أمام طموحاتنا لإعادة التألق لمثل هذه الآلات المنسية».

هامش:

الصورة الرئيسية للفنان "محمد الجراد".