دلت مدافن الدولمن المكتشفة في جنوب شرق مدينة "درعا" في موقع "الميسري" وبقية المواقع الأثرية بالمحافظة، على أن الإنسان عرف الدفن في القبور ولو بشكلها البدائي قبل نحو /5000/ عام، وهي فترة العصر الحجري النحاسي، وتمثل المكتشفات بـ"درعا" عبر عدة قبور في مناطق "عين ذكر" و"تسيل" و"البكار" و"إنخل" جزءاً مهماً من التاريخ المتعلق بالدولمن "المدافن المقدسة"، حيث دلت هذه المدافن التي تم بناؤها من الكتل الحجرية المتكونة من مخلفات البراكين قبل آلاف السنين على حضارات هذه المنطقة المتعاقبة.

موقع eDaraa في 29/12/2010 التقى الآثاري "ياسر أبو نقطة" أحد الكوادر الخبيرة في مديرية آثار "درعا" بمدافن الدولمن وحدثنا عن هذه المدافن؛ أهميتها والأماكن المكتشفة فيها في المحافظة فقال لنا: «مصطلح "الدولمن" يعني المدافن المقدسة أو منضدة الحجر، ويدل إلى بدايات فن العمارة البشرية، كما سمي بـ"مغليت" وتعني النصب الحجرية، و"كروملخ" وهي الساحات المبنية من الحجر الخام، و"ما نهير" إشارة للمسلات الموجودة على القبور، وقبور الدولمن الموجودة في "درعا" تمتاز بضخامتها التي توحي بأن إنسان تلك العصور كان عملاقاً وقوياً أو على الأقل يزيد طوله على إنسان هذه الأيام بمتر والى المتر والنصف، والآثار التي تدل على وجود هذه المدافن تشير إلى قصص خيالية مماثلة عن الجبابرة في عصور ما قبل التاريخ».‏

امتازت المدافن المكتشفة في "عين ذكر" بخصوصيات عن باقي المدافن، لكونها بنيت على مصاطب دائرية أمنت لها ارتفاع 3 أقدام، وتتجه نحو الشرق والغرب، وهي تتشكل من 6 بلاطات علوية وبلاطتين للسقف، أما الجانب الغربي منها فهو أكثر اتساعاً من الشرقي ومتنوعة الأحجام إذ يتراوح طولها بين 7-13 قدماً

مناطق أثرية عديدة في المحافظة عثر فيها على "المدافن المقدسة" مدافن الدولمن وهنا يقول: «بعثات التنقيب في شمال غرب مدينة "انخل" بنحو /4/ كم قرب "خربة الطيرة" التي كشفت عن وجود الدولمن، أظهرت وجود قبرين متلاصقين يشتركان بالضلع الأوسط اتجاههما شمال جنوب، ويرتفعان نحو مترين عن سطح الأرض، وتم اكتشاف الدولمن في جنوب شرق مدينة "درعا" في موقع "الميسري" الذي يعد من أهم المواقع السورية العائدة للعصر الحجري النحاسي ما بين 4500-7000 عام قبل الميلاد، أظهرت وجود رسومات حيوانية وانتشار كثيف للأدوات الحجرية والصوانية، بالإضافة لسقف ببلاطات حجرية ضخمة، والمهم في هذه المدافن وما يميزها قربها من نبع ماء "الميسري"».‏

الاثاري ياسر ابو نقطة

نماذج من مدافن "الدولمن" ظهرت في "خربة حمادة" مختلفة عن مدافن "عين ذكر" وبهذا المجال يقول: «ظهرت في "خربة حمادة" قرب منطقة "غدير البستان" نماذج مدافن دولمن مختلفة عن "عين ذكر"، حيث تمت الاستعاضة عن المصاطب بجدار حجري محيط لجسم المدفن، وتم العثور أيضاً غرب بلدة "تسيل" على مدافن تمتد من البلدة حتى "جسر علان" بطول ميل ونصف الميل، وما يميزها وجود صفوف من الحجارة المصقولة غير المنتظمة بشكل مستقيم بين المدافن، ولكن جوانب هذه المدافن غير متقنة التشكيل كتلك الموجودة في منطقة "عين ذكر"، فالكتل وضعت دون تشذيب ولا يوجد فيها تجاويف ظاهرة، لكن محورها يأخذ اتجاه غرب شرق، وفي "رجم الخليف" عند النهاية الغربية لحقل الدولمن مغطاة بكتل بازلتية، حيث يوجد طريق حجري مرصوف قديماً، من المرجح أنه كان يصل إلى التلة ما يعطي احتمالات بأنها مقدسة، كما يوجد شبيهات لهذه الكتل في بلدة "جملة" وتخوم "الجولان الغربية"، وتم أيضاً اكتشاف مقابر الدولمن شمال غرب مدينة "نوى" بالقرب من الرصيف الروماني».‏

المدافن المقدسة المكتشفة في موقع "عين ذكر" امتازت من غيرها من المدافن وبهذا المجال يقول: «امتازت المدافن المكتشفة في "عين ذكر" بخصوصيات عن باقي المدافن، لكونها بنيت على مصاطب دائرية أمنت لها ارتفاع 3 أقدام، وتتجه نحو الشرق والغرب، وهي تتشكل من 6 بلاطات علوية وبلاطتين للسقف، أما الجانب الغربي منها فهو أكثر اتساعاً من الشرقي ومتنوعة الأحجام إذ يتراوح طولها بين 7-13 قدماً».‏

مدافن الدولمن

الدكتور "محمد نصر الله" رئيس دائرة آثار "درعا" قال لنا أيضاً عن هذه المدافن: «المظاهر الأولية للأشخاص المدفونين في المدافن المقدسة توحي بأنهم رعاة متنقلون يبحثون عن الماء والكلأ، ودلت الرسومات والرموز والرسوم الحيوانية على أن جنوب سورية تمتع منذ أقدم العصور بالخصوبة وكثافة مصادر المياه، بالإضافة إلى وجود بيوت دائرية ومستطيلة ومربعة بجوار الدولمن، وتنتشر شبيهات لهذه المدافن في مناطق "اللجاة" و"الجولان" وشمال الأردن، وأشكال وأنماط الدفن ظلت سائدة من الأف الخامس حتى الألف الأول قبل الميلاد».‏

وأنهى مدير الآثار حديثه عن مدافن الدولمن بالقول: «تعرضت مدافن الدولمن في محافظة "درعا" للتخريب والتنقيب السري، بحثاً عن الكنوز من قبل السكان المحليين منذ أكثر من 200 عام، ولأهمية هذه المدافن فقد أعدت دائرة الآثار خطة للأعوام القادمة تنطلق من اختيار أحد مواقع عصور ما قبل التاريخ لدراستها من أجل التعرف على نوعية الغذاء وطقوس الدفن والمعتقدات السائدة في تلك الفترات، والأدوات التي استخدمها إنسان تلك العصور».‏

الدكتور محمد نصر الله رئيس دائرة آثار درعا