إلى الجنوب من العاصمة السورية "دمشق"، وعلى بعد حوالي /140/كم تقع مدينة "بصرى الشام"، التي تعتبر من أهم وأجمل المدن الأثرية والتاريخية في بلاد الشام، وتماثل مدينة البتراء الأردن الأثرية، في عراقتها وتاريخها الهام وحضاراتها العديدة.

حيث تعتبر هذه المعالم مقصداً للكثير من السياح السوريين والعرب والأجانب، الذين يرغبون بالتعرف على الحضارات، ويجدون في هذه المدينة وشعبها كل صفات الكرم وحسن الضيافة، والنخوة العربية الأصيلة. و"بصرى الشام" ليست مجرد حضارة إنما العديد من الحضارات، التي تعاقبت على هذه الرقعة من الأرض، وتركت أهم الشواهد المعمارية في هذه المدينة، ومنها النبطية - الرومانية - البيزنطية -الإسلامية وبمراحلها المختلفة، ويذكر التاريخ أن هذه المدينة تشرفت بزيارة رسول المسلمين "محمد" صلى الله عليه وسلم، مرتين الأولى مع عمه "أبو طالب" بعمر عشر سنوات، والثانية بتجارة للسيدة "خديجة" بعمر /25/عاماً.

ويقع على بعد أمتار قليلة إلى الشرق من الكنيسة الكاتدرائية، ويعد من أهم وأجمل الآثار المعمارية في سورية، ويقع بين مبنى المعبد النبطي و"بركة الحاج"، ومن المحتمل أن يكون القصر مقراً لحاكم الولاية العربية

موقع eDaraa بتاريخ 21/12/2008 التقى رئيس مجلس مدينة "بصرى الشام"، المهندس "وائل مفلح" ليحدثنا عن هذه المدينة التاريخية، فقال لنا: «تقع مدينة "بصرى" في الجزء الجنوبي من القطر في محافظة "درعا"، وتبعد عن مدينة "درعا" /40/ كم شرقاً و/27/كم عن "السويداء"، و/12/كم عن الحدود الأردنية. عدد سكان "بصرى" /30000/نسمة. موزعين بين المدينة القديمة والجديدة. تمتلك "بصرى" ميزة حيث إن المدينة القديمة ما زالت مأهولة بالسكان، وعدد سكانها /5000/ نسمة، وترتفع /850/م عن سطح البحر، الأمر الذي يجعل مناخها معتدلاً طوال أيام السنة، ومعدل الهطول المطري لا يتجاوز /250/ملم، سنوياً والمناخ شبه صحراوي، وأهم المحاصيل التي تزرع في المدينة هي القمح - الشعير - الحمص -العدس -الجلبانة - الكرسنة، وأهم الأشجار هي الزيتون والعنب. وبالنسبة للصناعات الحرفية فهي الأميز بين مدن المحافظة، حيث تشتهر بالصناعات النسيجية البسيطة اليدوية، مثل السجاد اليدوي والبسط، وبعض الصناعات القديمة التي تمثل تراث وحضارة الإنسان في هذه المدينة.

مسرح بصرى الاثري

وترتبط "بصرى الشام" بالعديد من الطرق الدولية، وأهمها طريق "درعا- بصرى"، وطريق "بصرى-السويداء"، و"بصرى- دمشق" بالأتستراد الدولي، وترتبط أيضاً بـمدينة "درعا" و"دمشق" بسكة حديدية تابعة للخط الحديدي الحجازي، والمدينة عضو في الاتحاد الدولي للمدن والسلطات المحلية، وأيضاً عضو في شبكة المدن التاريخية، وشريكة مع مدن "روما"- "بروكسل"-"صفاقس"- "المهدية" ويقام في المدينة سنوياً مهرجان دولي للفنون الشعبية».

ويتابع رئيس البلدية حديثه بالقول: «يصل الزائر إلى المدينة وأول ما يثير انتباهه بقايا أسوار المدينة الممتدة على جانبي البوابة الغربية للمدينة، والمسماة "باب الهوى" الذي يستقبل الزائر القادم من جهة الغرب وهذا الباب يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثاني بعد الميلاد، ويتألف من مدخل شاهق يبلغ عرضه عند الممر خمسة أمتار، وعرض الواجهة حوالي 11 متراً، وهو مزين بزخارف من الطراز اليوناني، المتأثر بأسلوب الزخارف الشرقية المماثلة لتزيينات أبنية "البتراء"، وتبدو هذه التزيينات من جهة الداخل والخارج من الجهتين الشرقية والغربية».

احدى عروض مهرجان بصرى الدولي

أما عن أهم المواقع الأثرية في المدينة يقول "المفلح": «أهم المواقع الأثرية في مدينة "بصرى" هو مسرح القلعة حيث يعود تاريخ بناء المدرج الروماني بالمدينة، إلى القرن الثاني الميلادي. والمسرح مقام فوق قلعة تعود للعصر النبطي. سعة المدرج تصل إلى /15/ ألف متفرج، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء، يتألف الأول من /14/ درجة والثاني من /18/ درجة والعلوي من خمس درجات وكان مخصصاً للنساء. ومن المواقع الأثرية أيضاً "الشارع المستقيم" ويربط المدينة بالباب النبطي، أرضيته مرصوفة بالحجارة، على جانبيه بقايا أعمدة وتيجان مزخرفة، بني في القرن الثاني الميلادي كشف عنه حديثاً وأعيدت الأعمدة في جانبيه من قبل المديرية العامة للآثار. أيضاً "السوق الأرضية" ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الثاني الميلادي، تقع هذه السوق في الجهة الشمالية من الشارع المستقيم، الواصل بين مدخل المدينة الغربي والباب النبطي عند تقاطعه مع الشارع القادم من نبع الجهير، حيث توجد أربع ركائز لأعمدة كانت تزين الساحة، ويعتقد أن هذا البناء كان مؤلفاً من طابقين العلوي مؤلف من ممر يطل على الساحة العامة من الشمال، وعلى رواق الأعمدة من الجنوب والطابق السفلي هو الباقي حتى الآن، حيث كان يستخدم لتخزين البضائع ليلاً».

ويضيف "المفلح" حديثه عن آثار المدينة بالقول: «"القوس المركزي" "باب القنديل يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث للميلاد، تخليداً لانتصار القائد "جوليانوس" قائد الفرقة البارتية إبان حكم الإمبراطور "فيليب العربي"، كما تشير الكتابات الموجودة على أحد الركائز، وكان له واجهتان تهدمت الواجهة الجنوبية بفعل الزلازل، وتتألف الواجهة الشمالية من ثلاثة أقواس أعلاها الأوسط، حيث يصل ارتفاعه إلى ثلاثة عشر متراً، وكان القائد يقدم عنده الأضاحي للآلهة عند عودته من المعركة كما كان شائعاً في العهد الروماني. كما يوجد "الحمامات المركزية" والتي تتألف من صالات متعددة، وتنفتح على الشارع المستقيم، بمواجهة هيكل "حوريات الماء". وفيها أقسام البارد والدافئ والحار، ولا تزال الصالة الوسطى محتفظة بسقفها على شكل قبة. "الكليبة": ويطلق عليها اسم سرير الملك، وهي مكان ديني لم يبق منه إلا بعض جدرانه وعمودين يحملان حجراً أشبه بالسرير. "البركة الشرقية" وتقع شرق المدينة، شكلها مربع ضلعه /114/م، ارتفاع جدرانها /6/. تستخدم كخزان للمياه يغذيها "وادي الزيدي" بواسطة قناة، بنيت في عصر الأنباط، أعيد ترميم جدرانها عام /1982/ من قبل مديرية الآثار. وكانت البركة متصلة بالمدينة بواسطة أنابيب داخلية تنهى بسكر يفتح عند اللزوم. "بركة الحاج" والتي بنيت في العهد الأيوبي لتأمين سقاية الحجيج المارين بـ"بصرى"، أثناء ذهابهم إلى "مكة المكرمة"، والعودة منها ولتزويد خندق القلعة وآبارها بالمياه».

ويختم المفلح حديثه عن الآثار بحديثه عن "الباب النبطي" الذي يقع في نهاية الشارع المستقيم، ويعتقد أنه كان بداية لقصر الملك "رئبال الثاني" النبطي، يتألف من قوس ضخمة، له فتحة واحدة عريضة مرتفعة، وتحت كل عضادة من القوس غرفة صغيرة رممتها مديرية الآثار. و"قصر تراجان" الذي يقع بين "الباب النبطي" و"بركة الحاج". والذي مازالت أكثر أقسامه واضحة. و"مدرسة أبي الفداء": التي يطلق عليها السكان اسم "جامع الدباغة" ولكن في الواقع هي مدرسة شيدت في عهد السلطان "أبو الفداء إسماعيل بن السلطان أبو بكر بن أيوب" أيام حياته، ومدفناً له بعد مماته وتشير إلى ذلك الكتابات البارزة على الواجهة الجنوبية المطلة على "بركة الحاج"، والتي تدل على أنها بنيت عام /1225/م، وتتكون من صالة وست غرف بما فيها المدفن، وسقف الصالة مكون من عتبات مستطيلة من الحجر ترتكز فوق ست أقواس شاهقة، أما سقف حجرة المدفن عبارة عن قبة من الآجر.

"حمام منجك" شيد هذا الحمام في الجهة الشرقية المقابلة للجامع العمري، فقد أنشئ هذا الحمام على يد نائب سورية و"دمشق" "منجك اليوسفي"، وهو مثال رائع للهندسة المعمارية في العصور الوسطى، ويقوم مبنى الحمام على قطعة من الأرض. مساحتها 14× 45م ويتألف المبنى من ثلاثة أجنحة، جناح الاستقبال والحمام نفسه وغرف الخدمات ويتألف من صالة واسعة وثلاث مقاصير مستطيلة الشكل، يعود تاريخ إنشاء الحمام إلى العهد "الأتابكي"، أي أواخر القرن الثاني عشر بعد الميلاد. "قصر رئيس الأساقفة": «ويقع على بعد أمتار قليلة إلى الشرق من الكنيسة الكاتدرائية، ويعد من أهم وأجمل الآثار المعمارية في سورية، ويقع بين مبنى المعبد النبطي و"بركة الحاج"، ومن المحتمل أن يكون القصر مقراً لحاكم الولاية العربية».