من المكنسة التقليدية التي تعرفها الأرياف والمدن وصولاً إلى المكنسة الكهربائية المتعددة الاستعمالات، ظلت مكنسة القش حاضرة في البيوت السورية، حيث تعتبر هذه المكنسة من أدوات تنظيف المنازل التقليدية التي كانت معظم البيوت بحاجة إليها قبل وجود المكانس الكهربائية، وعلى الرغم من ذلك مع مرور الزمن مازالت إلى اليوم تجد سوقها في مناطق "حوران" وتستخدم بشكل يومي.

يقول السيد "محمد المحمد" صانع مكانس قش في مدينة "درعا" إن هذه الصناعة مازالت تلقى رواجا في المجتمع الحوراني لكون معظم البيوت لها فسحة سماوية وهي بحاجة دائمة للتنظيف والتي تستخدم في تلك المهمة مكنسة القش.

لا أزال منذ سنوات طويلة أقوم بالتنظيف والتكنيس بمكنسة القش القديمة، على الرغم من توافر العديد من أدوات التنظيف، وبإشكال وأنواع متعددة وأهمها المكنسة البلاستيكية، متعددة لكنني ارفض هذه التقنيات وأحافظ على تراثنا وفلكلورنا القديم، حيث أقوم بتصنيعها لدى أحد كبار السن في القرية والذي لا يزال منذ زمن يمارس صناعتها واعداها بأنواع وأحجام متنوعة، وكانت النساء الريفيات سابقاً يقمن بالتنظيف كل واحدة أمام منزلها عبر المكنسة الخشنة بحيث ينظف الشارع، أو ساحة القرية التي تقع وسط البيوت الطينية فيما مضى لإقامة الحفلات والأعراس

ويضيف حول كيفية صناعة المكنسة بالقول: «نبدأ بتحضير القش الجاف من خلال ترطيبه بالماء حتى يسهل علينا العمل به، ثم نقوم بفرزه حسب ثخن القشة ونعومتها، لأن لكل قشة وظيفة محددة في جسم المكنسة، وتأخذ كل قشة اسمها حسب هذه الوظيفة، فهناك قش "الحشوة" الذي نبدأ به أول مرحلة ونحشو به قلب المكنسة، ثم نستخدم القش "القلاب" الذي نقوم بقلبه وتنعيمه لصنع قبضة المكنسة، ثم نضيف قش "الستارة" الذي يستر الحشوة ويغطيها من الخارج.

إبراهيم الشعابين الباحث في التراث

بعد ذلك تأتي مرحلة "المزايرة" وهي عبارة عن شد جسم المكنسة بين قطعتين من الخشب تسمى "الزيارة"، ويتم خلالها طرق القش بمطرقة خشبية خاصة لفرد وتوزيع القش بشكل متناسق حتى تأخذ المكنسة شكلها النهائي، تبدأ بعد ذلك عملية خياطة المكنسة لشد القش بعضه مع بعض وتمتين المكنسة، بعد الانتهاء من خياطة المكنسة يتم قص نهايتها بشكل متساو. عند الانتهاء من صنع كل المقشات توضع جميعها في غرفة التبخير طوال الليل، وهي تشبه غرفة الساونا، ولكننا نستخدم هنا غاز الكبريت، الذي يعطي المكنسة لوناً متجانساً، بعد عملية التبخير نقوم بفرد المكانس في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس حتى تجف تماماً».

منذ سنوات غزت المكانس اليدوية البلاستيكية والمكانس الكهربائية العديد من المنازل وأزاحت مكنسة القش عن عرش النظافة، حول تأثر مهنته بهذا الغزو يقول "المحمد": «التأثير كان طفيفاً جداً، المكنسة البلاستيكية لم تستطع أن تنافس مكنسة القش لأنها لم تقنع ربات البيوت، كما أن مكنسة القش أخف وزناً على اليد من المكنسة البلاستيكية، وهي أكثر متانة وجودة، وفاعليتها بالتنظيف أكبر سواء استخدمت على البلاط أو على السجاد.

المقشة الناعمة

وكذلك الأمر بالنسبة للمكنسة الكهربائية لم تستطع منافسة مكنسة القش بسبب أسعارها العالية التي لا تتناسب مع دخل أغلبية الناس هنا، فاقتناؤها ترف لا يقدر عليه الكثيرون. كما أن استخدام المكنسة الكهربائية على السجاد بشكل مستمر يضر بالسجاد ويتلفه مع مرور الوقت، وهي لا تستطيع الوصول إلى الزوايا والأماكن التي تصل إليها مكنسة القش، لذلك ظلت مكنسة القش سيدة النظافة في معظم منازل المدن والأرياف والبادية».

الباحث في التراث "تيسر الفقيه" ذكر لموقع eDaraa بتاريخ 12/3/2012 أن هذه الصناعة التقليدية يعتبرها البعض من التراث الفلكلوري الهام في "حوران" حيث مازالت موجودة في معظم المنازل، والبعض يعتمد عليها كمصدر لرزقه ويتابع حديثه: «عرفت "حوران" والمرأة الحورانية عدة أنواع وأشكال من الصناعات التقليدية القديمة، ومنها صناعة مكنسة القش، التي تعتبر من أدوات تنظيف المنازل التقليدية، ومعظم البيوت بحاجة إليها ولهذه الأيام، والمقشة كانت تقسم إلى نوعين نوع يسمى المقشة الخشنة، وكانت تستخدم للتنظيف في أرض الديار الترابية، وتصنع قديماً من نبات "الأسل"، وهو نبات شوكي ينبت على ضفاف السيول والأنهار، والقسم والنوع الآخر كان يسمى المكنسة الناعمة، وكانت تصنع من بقايا عيدان الذرة الحمراء أو من عيدان القصب، حيث كان هناك أنواع من القصب تكون في أعلاها قطع بأحجام صغيرة، تجمع هذه القطع وتصنع منها المكنسة الناعمة، وهناك نوع آخر من المقاش وهو خاص بفرن التنور أو الطابون، وتستخدم هذه المكنسة لإبعاد الرماد وتنظيف أرضية الفرن من الرماد، والمقشة كانت تصنع كما هو معروف عند شخص يسمى صانع المقش أو المكانس».

السيدة فاطمة الصبيح

ويقول السيد "هشام حرفوش" أحد المهتمين بالتراث الحوراني: «على الرغم من أن معظم الأسر تعتبرها من التراث والفلكلور القديم الذي تعتز به المحافظة، لكن ما تزال يعتمد عليها كمصدر لرزق بعض العائلات وقوت عيالهم من خلال صناعتها وبيعها في السوق وبأسعار جيدة، وتعد هذه الحرفة والصناعة من الحرف التي ظهرت قديماً مع بداية حياة الإنسان، وتكيفه مع الطبيعة في حالاتها المناخية المتبدلة، ولها متعة حقيقية خاصة عند استخدام الرسومات على المقشة المنسوجة لتتحول إلى لوحة فنية، وعلى الرغم من كل التطورات التي أدخلت على صناعة المكانس وأدوات التنظيف من آلات وطرق حديثة، تبقى صناعات المكنسة اليدوية التقليدية "المقشة" رائجة إلى يومنا الحالي، وتبقى القطع المنسوجة بطرق قديمة لها جمالها الخاص الممزوج بالفن والموهبة».

بينما يقول الباحث في التراث السيد "إبراهيم الشعابين": «وفر التنوع التراثي لقرى حوران فرصة لبروز نماذج من الصناعات التقليدية، وفنون شتى ومتنوعة باتت اليوم النشاط الرئيسي لفئة عريضة من السكان تشكل مورد عيش أغلبيتهم لكونها تحظى بمكانة خاصة في نفوس بعض كبار السن الذين مازالوا يحافظون على هذا التراث والفلكلور القديم‏، "المقشة" أو ما تسمى بالعامية المكنسة من أهم هذه الصناعات والتحف القديمة التي كانت تنتشر سابقاً في حوران، والتي مازالت تتواجد حالياً لكن بنسب أقل من السابق، فكانت الأداة الرئيسة لتنظيف المنازل والمجالس وأماكن العمل وبيوت العبادة، وكانت تصنع بعض أنواعها من المقاش، وهي نبتة تزرع في حوران، وكانت تنمو على ضفاف الأنهار والسيول، وحالياً أصبحت تزرع زراعة وتكون ثمارها خاصة لصناعة المقاش وطعام للحيوانات، بالإضافة لنبات "العرانيس" الذرة، حيث تقوم الأسر بتجميعها وبرشها وتنظيفها وإرسالها لصانع المقاش، ويقوم بصناعتها عبر أدوات بدائية قديمة تتكون من المسلة والخيوط ونبات المقاش، وهي على عدة أنواع أهمها التي تكون لها عصى كبيرة لاستخدامها للاماكن الخشنة، ويكون التنظيف بوضعية الوقوف وهي أسهل لمن يستعملها من النساء».

السيدة "فاطمة الصبيح" إحدى النساء اللواتي مازلن يحافظن على هذه المكنسة بعملية التنظيف فتقول: «لا أزال منذ سنوات طويلة أقوم بالتنظيف والتكنيس بمكنسة القش القديمة، على الرغم من توافر العديد من أدوات التنظيف، وبإشكال وأنواع متعددة وأهمها المكنسة البلاستيكية، متعددة لكنني ارفض هذه التقنيات وأحافظ على تراثنا وفلكلورنا القديم، حيث أقوم بتصنيعها لدى أحد كبار السن في القرية والذي لا يزال منذ زمن يمارس صناعتها واعداها بأنواع وأحجام متنوعة، وكانت النساء الريفيات سابقاً يقمن بالتنظيف كل واحدة أمام منزلها عبر المكنسة الخشنة بحيث ينظف الشارع، أو ساحة القرية التي تقع وسط البيوت الطينية فيما مضى لإقامة الحفلات والأعراس».