تتربع قرية "عابدين" التي تقع في آخر منطقة حدودية تحاذي قرى الجولان المحتلة والأردن، على طرفي واديي "اليرموك والرقاد"، وتبعد حوالي 45 كلم عن مدينة "درعا"، الكتابات القديمة "اليونانية" والعناصر المعمارية والظواهر الأثرية المنتشرة فيها تشير لازدهار القرية من العصور الكلاسيكية الرومانية والبيزنطية، حيث تكثر الأجران وتيجان الأعمدة وقطع المعاصر والجواريش الحجرية.‏

فقرية "عابدين" التي تتميز بمناظرها وطبيعتها ومحاصيلها المميزة وجوها الهادئ، التي زارتها مدونة وطن eSyria بتاريخ 4/7/2012 تتبع إدارياً لناحية "الشجرة" الواقعة جنوب غرب مدينة "درعا" وللتعرف عليها أكثر التقينا مختار القرية "محمد أحمد المحمد" أبو قاسم الذي تحدث بالقول: «قرية "عابدين" تقع إلى الشمال الغربي من مركز محافظة "درعا" بحوالى 45كم، يكون المرء قد اجتاز كل من قرى "اليادودة والمزيريب وجلين والأشعري وسحم والشجرة"، وكلها مواقع آسرة وإن لم تشرف على أودية، وهي تضم عشرات الينابيع والشلالات الصغيرة وسط غابات من الشجر الأخضر.‏ ومعروفة بنشاطها الزراعي والاجتماعي، ما جعل مناخها معتدلاً لطيفاً في الصيف والشتاء بشكل عام، إضافة إلى أن هذا المناخ والسد الذي يحاذيها سد "عابدين" ساهما في نجاح جميع الزراعات ومنها الربيعية التي يعتمد عليها مزارعو القرية بشكل عام.

إن للقطع الحجرية البيضاء التي تمثل فصوصاً للوحات فسيفسائية والمنتشرة حول الجامع القديم والمعصرة الغربية لتؤكد ازدهار القرية في العصر البيزنطي. أما المعصرة فهي في أقصى جنوب غرب القرية وتضم حوضاً حجرياً كبيراً.‏ ويوجد بناء مقنطر ينخفض عن المستوى الطبيعي للأرض العادية بحوالى مترين. حيث ترتكز القناطر على أعمدة سقوفها مبلطة بمداميك حجرية منحوتة بعناية، يقوم خلفه بناء أسود جميل لكنه متهدم السقف بوابته الرئيسية مقنطرة، مع وجود نوافذ وأبواب كبيرة الحجم. كل ذلك وسط غابة من أشجار الصبار والتين والنخيل والكينا ما يعطي المكان مزيداً من الجمال والروعة

وتميز أهالي القرية بالنشاط والحيوية وحب العمل الزراعي وزراعة مختلف الحقول بعد استصلاحها، ما ساهم في نهوض الواقع الاجتماعي والمالي، وهذا ما انعكس على البيئة الاجتماعية والخدمية المعيشية بشكل ايجابي، ويوجد فيها مدرسة أساسية حلقة أولى، ومدرسة أساسية حلقة ثانية».

ضفاف وادي الرقاد

وعن أهم الزراعات المنتشرة في القرية يقول السيد "أحمد القويدر" أحد سكان القرية: «الزراعة بالنسبة لأهالي القرية هي العصب الأساسي للحياة المعيشية، والعمل الرئيسي لسكان القرية، وخاصة منها الزراعة الربيعية التي تعتمد على الأمطار الربيعية والشتوية المتأخرة، وأهم ما يزرع في القرية الزيتون والرمان والصبار والتين والعنب والخضراوات مثل "البندورة والخيار والفاصولياء والبصل والبامياء والملوخية" ويزرع بعلاً القمح، الشعير، العدس، الكرسنة، البيقية.

كما تحتضن سفوح الوادي الغابات بين شعابه والتي تضم تشكيلة غنية من الأزهار التي تمتاز بفوائدها التزيينية والطبية كالبابونج والنعناع البري والنرجس والكأسي، والتي تشكل رئة حية تنشر في القرية أرق عطورها، وتكثر في المروج السواقي والينابيع والأنهار العذبة، وهذا التنوع الحيوي الخلاب أثر في بعث الحياة البرية والتي تضج بخليط واسع من أندر الحيوانات البرية التي تعيش بتناغم وهدوء في المنطقة، والأهالي يربون الأبقار الجولانية والأغنام والماعز».

الاثاري ياسر أبو نقطة

تمتزج في القرية الآثار التاريخية بالطبيعة الساحرة فإنك تجد عنواناً متميزاً لهذا التزاوج الخلاق كما قال الآثاري "ياسر أبو نقطة" موضحاً أبعاد هذا التزاوج بالقول: «الكتابات القديمة "اليونانية" والعناصر المعمارية والظواهر الأثرية المنتشرة فيها تشير لازدهار المدينة من العصور الكلاسيكية، ونقصد الروماني والبيزنطي، حيث تكثر الأجران وتيجان الأعمدة وقطع المعاصر والجواريش الحجرية.‏ وتم توسعة الجامع القديم باتجاه الشمال وظهرت أثناء العمل ثلاثة حجارة منحوتة هي أجزاء من معاصر صغيرة الحجم. مع تناثر أجزاء كثيرة من شبيهاتها في أنحاء القرية وفي سفوح الوادي ما يؤكد وظيفة هذه القرية، ولكونها مكاناً يضم مشاغل كثيرة للمعاصر والجواريش.

وذلك بالاعتماد على ميول الأرض وغزارة الينابيع المائية الموجودة فيها.‏ وقامت بعثة وطنية بأعمال الموسم الأول في موقع المعصرة، وكشفت عن أجزائها الرئيسية "الحوض"، ويتم العمل للكشف عن باقي أجزائها».

مناطق ساحرة على تبة الوادي

ازدهرت القرية في العصر البيزنطي القديم وهنا يتابع: «إن للقطع الحجرية البيضاء التي تمثل فصوصاً للوحات فسيفسائية والمنتشرة حول الجامع القديم والمعصرة الغربية لتؤكد ازدهار القرية في العصر البيزنطي. أما المعصرة فهي في أقصى جنوب غرب القرية وتضم حوضاً حجرياً كبيراً.‏ ويوجد بناء مقنطر ينخفض عن المستوى الطبيعي للأرض العادية بحوالى مترين. حيث ترتكز القناطر على أعمدة سقوفها مبلطة بمداميك حجرية منحوتة بعناية، يقوم خلفه بناء أسود جميل لكنه متهدم السقف بوابته الرئيسية مقنطرة، مع وجود نوافذ وأبواب كبيرة الحجم. كل ذلك وسط غابة من أشجار الصبار والتين والنخيل والكينا ما يعطي المكان مزيداً من الجمال والروعة».‏

أما الوادي الذي يتوسط ويحاذي القرية من الجنوب والمسمى وادي "الرقاد" والينابيع التي تكثر في القرية فعنها يقول السيد "خالد حمدان المحمد": «"وادي الرقاد" الذي يؤلف الحد الفاصل بين محافظة "درعا" ومحافظة "القنيطرة"، من أهم الأودية الموجودة في "حوران"، نظراً لجماله وغناه بمصادر المياه الطبيعية، أعطى للقرية طبيعة خلابة وشهرة لما يتميز به من كثرة المسايل التي لا تنتهي، وكثرة الينابيع الموسمية التي تتفجر شتاء أهمها "عين فريجة وعين جنانا"، وايضا نبع عين العبد وبير الصلاة وعين البنات التي كانت تعتمد القرية عليهما بمياه الشرب.

كما تتمتع القرية بمخزون كبير من المياه الجوفية لكونها تقع في منطقة تتميز بمعدل عال للأمطار. استفاد منها الأهالي في زراعة الخضراوات على كتفي الوادي، كما تتمتع بغطاء نباتي كثيف أدى إلى تشكيل الأشجار غير المثمرة ونباتات الحلفا والقصب. ولذلك كان له وقع عند أهالي القرية الذين أصبحوا يقطعون أعواد القصب، ويستخدمونها في صناعة أسقف المنازل وصناعة بعض السلال والأطباق».