كغيرها من المعالم الأثرية المهمة التي مازالت "بصرى الشام" تتغنى بها، لما فيها من روعة في البناء تدل على ما كان لها من مجد في الزمن القديم في أيام العهد الأيوبي، إنها مدرسة "أبي الفداء" التي تحولت فيما بعد إلى جامع "الدباغة" ومن ثم إلى مركز ثقافي، والواقعة شمال شرق "بركة الحاج".

"مدونة وطن" "eSyria" التقى السيد "محمد فتحي المقداد" أحد سكان مدينة "بصرى" الأثرية الذي تحدث عن هذا الصرح الأثري الهام بالقول: «هذا التواصل الحضاري على مدار قرون جعل من المدرسة محط اهتمام القادم والمغادر إلى المدينة تحدوه أسئلة جمة عن العلاقة التي تجمع بين البركة ومدرسة الدباغة، وما زادها من أهمية هو مخطط المدرسة الذي يتبع للنظام المحوري للمخطط المؤلف من 4 أواوين، عدا نمط عمارة المدرسة. أمور عديدة اجتمعت جعلت من المدرسة علامة بارزة في عظمة وأهمية هذه المدينة الأثرية».

هذا التواصل الحضاري على مدار قرون جعل من المدرسة محط اهتمام القادم والمغادر إلى المدينة تحدوه أسئلة جمة عن العلاقة التي تجمع بين البركة ومدرسة الدباغة، وما زادها من أهمية هو مخطط المدرسة الذي يتبع للنظام المحوري للمخطط المؤلف من 4 أواوين، عدا نمط عمارة المدرسة. أمور عديدة اجتمعت جعلت من المدرسة علامة بارزة في عظمة وأهمية هذه المدينة الأثرية

السيد "أحمد علي" مدير آثار "بصرى الشام" الذي تحدث عن هذه المدرسة الأثرية المهمة قال: «يطلق السكان على المدرسة اسم "جامع الدباغة"، وهي في الواقع مدرسة شيدت بزمن السلطان "أبو الفداء إسماعيل بن السلطان أبي بكر الملك العادل" عام 622هـ أيام حياته، ومدفناً له بعد وفاته، وتشير الكتابة البارزة على واجهة "ابن أيوب" وأيام "الأمير شمس الدين سنقر الحكيمي"، إلى أن بناء المدرسة تم في عام 622 هجرية وفي عام 1225 ميلادية، لتكون مدرسة البناء الجنوبية المطلة على بركة الحاج،.

شاخصة تعريفية بالمدرسة وتاريخ بنائها

والمدرسة أو الجامع تتكون من صالة مستطيلة الشكل، وست غرف بما فيها الغرفة المخصصة للمدفن، وفي نهاية البناء من الجهة الجنوبية محراب وثلاث نوافذ، وكان سقف المدرسة مؤلفاً من عتبات مستطيلة من الحجر، ترتكز فوق ستة أقواس شاهقة، أما سقف حجرة الدفن فيتألف من قبة مبنية بالآجر، وخلافاً لما هو معروف في بناء المئذنة في "بصرى" فإن الدخول إليها يتم عن السطح بواسطة درج خارجي في الجدار الشمالي للمدرسة، حيث تعلو البناء غرفة ومئذنة مربعة الشكل، وكانت عبارة عن مدرسة لتعلم القرآن للعاملين بمهنة الدباغة، وتقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة الأثرية».

يعود تاريخ الجامع إلى العصر الأيوبي وهنا يتابع الآثاري "علاء الصلاح" العامل في مديرية آثار "بصرى" بالقول: «البناء هو جامع ومدرسة الدباغة، ويقع شمال بركة الحاج، يعود تاريخ البناء إلى العصر الأيوبي، وتتألف من صالة مستطيلة سقفها مرفوع على 6 أقواس فوق أعمدة رفيعة، أعيد ترميم سقفها من قبل المديرية العامة للآثار عام 1982. ومن الآثار المهمة المحاذية للجامع جامع "ياقوت" الذي يقع أمام مدرسة "أبي الفداء"، وكان مدفناً "لشرف الدين بن الأمير ياقوت" والي "بصرى" المتوفى عام 654هـ، وأضيف إليه مسجد صغير بناه الأمير "ياقوت" ويعرف باسم "مدرسة الدباغة"، وقد رمم ما بين العامين "1282 – 1285"، وتم وصفه "منغداد" كواحد من أجمل أوابد الفن الإسلامي في "بصرى"، وكان في الأصل حرماً ضخماً بستة أقواس نمط عمارة المدرسة مع ضريح ملحق للمؤسس، انتشر في الفترة ما بين القرن السادس والقرن الثاني عشر في منطقة الشرق الأدنى، وهناك العديد من الأمثلة المشابهة الموجودة في "دمشق".

السيد محمد فتحي المقداد

تم تحويل مدرسة "الدباغة" إلى مدرسة ابتدائية في القرن العشرين بحفر باب ضمن الجدار الشمالي، ثم قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بأعمال ترميم لتدعيم المبنى وإعادة جزء كبير منه إلى الوضع الذي كان عليه سابقاً».

لتبقى المدرسة على عهدها الذي أنشئت لأجله قبل مئات السنين تم إعادة تأهيلها وترميمها وهنا يقول: «سعت وزارة الثقافة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي لترميم المدرسة، وإعادة تأهيلها لتبقى على عهدها الذي أنشئت لأجله قبل مئات السنين، وتحويلها إلى مركز ثقافي قادر على استقطاب النشاطات الثقافية المتنوعة، وحالياً تم تحويل البناء إلى مبنى المركز الثقافي في مدينة "بصرى"، ويتميز عن مباني المراكز الثقافية الأخرى في المحافظة بكونه مبنىً معمارياً أثرياً يعود إنشاؤه إلى القرن الثالث عشر للميلاد، وقد استطاع هذا المعلم الأثري على مدار الحقب المتلاحقة أن يكون مركز إشعاع ثقافي في المدينة والمناطق المحيطة بها، حيث بدأ نشاطه بمدرسة تعليمية سميت بالدباغة أو أبو الفداء، لتعلم أصول الدين والقرآن الكريم أيام الأيوبيين الذين حكموا المدينة في تلك الفترة».

واجهة المدرسة

يتبع مخطط المدرسة للنظام المحوري وهنا يضيف: «مخطط مدرسة الدباغة يتبع للنظام المحوري المؤلف من 4 أواوين جمع "أيوان"، وهذا النظام كان متبعاً قبل ذلك بتسعين عاماً في مدرسة "كومشتاكين" في جامع "المبرك"، أما الفراغ في الزاوية الجنوبية الشرقية من المجمع "تجمع المدرسة"، فمغطى بقبة تعلو سطحاً قائماً على أعمدة، وخصص هذا الجزء المضاف ليكون ضريحاً لمؤسس المدرسة، وفقاً للكتابة التي وجدت في باحة مسجد "ياقوت"، حيث ظهر فيها اسم "شمس الدين سنقر" كمؤسس للمدرسة، مع تاريخ بناء الصرح الجنائزي في عام 1233 والفتحات الموجودة في أسفل الجدار الجنوبي للمدرسة تدل على أن المبنى كان متصلاً مع شبكة أقنية لتعبئة وتوزيع مياه البركة، كما تتضح وجود علاقة مع شبكة تغذي قلعة "بصرى" بالمياه، والكتابات الموجودة وسط الواجهة تدل على أن عمليات البناء تعود لعامي 1226-1225 للميلاد، وتمت تسمية المكنى "ابن عباد" على أنه المعماري، ويظهر الأيوبي "الصالح إسماعيل" الذي كان حاكماً لبصرى تحت اسم أخيه المعظم "عيسى" على إنه المشرف على العمل».