مارس مهنة التدريس في مجالات مختلفة كالرسم والرياضة واللغة العربية، وفي منتصف السبعينيات بعد أن أتم الخدمة الإلزامية عمل في مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية في "الصنمين" لمدة سبع سنوات، وبعدها استقر به المقام ليكون مذيعاً في إذاعة "دمشق".

انه الإذاعي المتألق "محمود الجمعات" التقاه eDaraa بتاريخ 8/2/2009 للحديث عن تجربته الإذاعية المتميزة.

  • كيف انتقلت للعمل في إذاعة دمشق؟

  • لقد كان لانتقالي للعمل في إذاعة دمشق قصة طويلة فقد بدأت منذ طفولتي، فكنت أعشق العمل الإذاعي وأهوى الخطابة، وكان مشهوراً عني وأنا في الثانوية بأني أقدم الحفلات، فمن خلال منظمة اتحاد شبيبة الثورة كنت أعرف الحفلات المختلفة كالسياسة والمهرجانات، حتى أصبحت عريف المهرجانات الخطابية في "درعا"، وفي 16/آذار/عام 1981 كانت هناك مسيرة جماهيرية كبرى في "درعا" احتفاء بمناسبة 8 آذار، وتقرر بأن يكون هناك مذيع من إذاعة "دمشق" يأتي للتعليق على هذه المسيرة، إضافة إلى أي شاب من "درعا" يقوم بمساعدته بالتعليق على هذه المسيرة فاتخذ مجلس فرع درعا قراراً بأن يكون "محمود الجمعات" مساعداً لهذا المذيع، وقبل المسيرة بيوم استشهد "محمد حوراني" المذيع المقرر للتعليق على هذه المسيرة فتم تكليف الزميل "نايف حمود" بدلاً منه الذي لم يستطع بسبب تأثره باستشهاد زميله التعليق على هذه المسيرة فقمت أنا بالتعريف بهذه المسيرة وعلقت عليها وفي وقتها سألني أحد الموجودين "لماذا أنت لست في الإذاعة السورية" فأجبته ظروف حالت بيني وبين العمل بالإذاعة، وفي المساء عندما أذيعت المسيرة كاملة اتصل مدير الإذاعة والتلفزيون الأستاذ "فؤاد بلاط" وسأل عني مسؤولي المحافظة آنذاك، وطلب مني الذهاب للإذاعة لتكريمي، وعندما ذهبت طلب مني العمل في الإذاعة فوافقت بعد أن ترددت في البداية لكوني كنت قد تقدمت مسبقاً بطلب للعمل في الإذاعة ورفضت، وكانت أولى مشاركاتي بعدها بمسيرة الأول من أيار المسيرة الكبرى في دمشق والتي حضرها الخالد "حافظ الأسد" واستمرت المسيرة من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء وبعد انتهاء المسيرة توجه الرئيس الخالد إلى المذيعين وقال: الوجوه والأصوات أعرفها ولكن ذكروني بالأسماء فقام الدكتور "عبد السلام حجاب" مدير التلفزيون في تلك الفترة وهو المشرف حينها على النقل فعرف على نفسه ثم بدأ يعرف بالمذيعين حتى جاء دوري فقال الأخ "محمود" جاءنا من "درعا" فوضع القائد الخالد يده على كتفي وقال: أنت من نقل مسيرة "درعا" أليس كذلك؟ فقلت له نعم، فقال للدكتور "عبد السلام حجاب": استفيدوا من إمكانياته، فكانت أجمل لحظات العمر.

  • كيف تنظر إلى واقع الإذاعة في سورية في الثمانينيات مقارنة بالمرحلة الحالية؟

  • في مكتبه الخاص

    ** تلك المرحلة هي المرحلة الذهبية للإذاعة والتلفزيون، لأنه عندما يكون هناك انسجام بين القائمين على العمل يكون هذا الانسجام لمصلحة العمل وسيكون النجاح حتماً بلا شك نتيجة لهذا العمل، فوزير الإعلام في تلك الفترة "احمد اسكندر احمد" ومدير الإذاعة "خضر عمران" والمدير العام "فؤاد بلاط" كانوا خير من جسد هذه المعادلة الناجحة، وإذا أردت المقارنة بين المرحلة الحالية ومرحلة الثمانينيات حقيقة لا مجال للمقارنة من ناحية السوية ومن ناحية نوعية المذيعين، فقد مر على الإذاعة السورية مذيعين على مستوى عال في الأداء كانوا إذا خرجوا للمشاركة في أي مهرجان للعمل مع إذاعة أخرى تجدهم دائماً في الصف الأول في الريادة وهذه المسألة اليوم تراجعت للأسف الشديد ولا أدري ما السبب.

  • برأيك كيف يقيم المذيع بأنه ناجح؟
  • ** من خلال التميز بالأداء، وأكبر مثال على ذلك ما حصل معي مع الأستاذ "فؤاد شحادة" الذي هو أحد الذين اختبروني في يوم من الأيام، ولم أنجح على يده وعندما سمع صوتي وأنا أمارس المهنة اتصل بي مهنئاً، وذات مرة قال لي أمام الأستاذ "عدنان شيخو" إنه سيد من قرأ نشرة أخبار على الأقل منذ الستينيات حتى الآن، فقلت له "إن هذا الذي تصفه بهذا الوصف في يوم من الأيام لم يقبل من قبلك" فقال: "في مقطف القمح أحيانا تنزل بعض الحصى وتبقى فوقه قمحة جميلة جداً وأنت كهذه القمحة الجملية التي بقيت بالمقطف وذهبت إلى الخارج وهكذا هي المسابقة".

  • من الأصوات الإذاعية التي رسخت في ذاكرة "محمود الجمعات"؟
  • ** صوت الأستاذ "فؤاد شحادة" من أجمل ما يمكن من الأصوات التي بقيت في الذاكرة، فقد كان مدربا للمذيعين ومرجعا لهم ولغته جميلة فقد كان قدوة للمذيعين في ذلك العصر، حتى إن الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" أخذه مذيعاً خاصاً لديه في القاهرة.

  • برأيك ما أهم السمات التي يجب أن يتمتع بها المذيع الناجح؟
  • ** المطلوب من المذيع الناجح أن يكون ذا ثقافة شمولية أفقية واسعة، فلا يكفي أن يكون مثقفاً بشكل عمودياً باتجاه واحد أي أن يكون قادراً على إدارة أي برنامج سواءً ديني أو تاريخي أو سياسي أو ثقافي، والصوت الجميل واللغة السليمة والإمكانية التي يستطيع من خلالها تجاوز كل المطبات التي تواجه على الهواء أثناء البث المباشر.

  • ما أهم تطورات التكنولوجيا التي لحقت بالإذاعة في الآونة الأخيرة؟
  • ** تتميز إذاعة "دمشق" بوجود تقنيات تكنولوجيا عالية المستوى ومتقدمة كالموازج والتي تسمى المكسر وهي تقنية حديثة جداً، أما إرسال الإذاعة فقد تطور وأصبح فضائياً ودخلت تقنيات الإف ام، أما على مستوى الموجات المتوسطة فلم يطرأ عليها أي تقدم لحد الآن لأنه أصبح اليوم يقال بأنه توقف عصر الموجات المتوسطة والموجات القصيرة التي أصبح مجالها محدودا.

  • ما المرتبة التي تحتلها إذاعة "دمشق" مقارنة مع الإذاعات العربية الأخرى؟
  • ** إذاعة "دمشق"، إذاعة رائدة على مستوى الإذاعات العربية لأنها تهتم باللغة العربية بالدرجة الأولى، وببث بعض البرامج الثقافية التي تقدم للمتلقي وجبة ثقافية غنية بالمعلومات الثقافية التي تعنى بالثقافة العربية والثقافات الأخرى المتنوعة، فهي اليوم تقف في مصاف الإذاعات المتقدمة عربياً.

  • كيف وجدت التجربة التلفزيونية مقارنة بتجربتك الإذاعية؟
  • ** لا أدري لماذا أنا رجل متعصب للإذاعة على الرغم من وجود من يقول إن عصر الإذاعة قد اضمحل وتراجع كثيراً في عصر المنافسات الأخرى من وسائل الاتصال المتنوعة جداً، فالإذاعة لها طعمها الخاص فهي أم الوسائط وهي لازالت في بعض الدول المتقدمة تلقى اهتماماً كبيرا، فمهمة الإذاعة تنحصر في تقديم الخدمات التي تقد للناس الذين يغادرون أعمالهم في هذه الفترة، فأنا أحب العمل في الإذاعة أكثر رغم وجود السحر الذي يجعل الصورة أكثر تشويقاً في حين الإذاعة تسمح لخيال المتلقي بأن يتوسع أي يرى ويتصور ما يشاء بينما الصورة تجمد خيال المتلقي.

  • ما دور الإذاعة في ظل زخم الفضائيات المتصاعد؟
  • ** لقد أصبح دور الإذاعة أقل مما كانت عليه بسبب تزايد عدد هذه الفضائيات ولكن لم يلغى ولن يلغى دور الإذاعة.

  • ماذا تعني الإذاعة لـ"محمود الجمعات"؟
  • ** إن الإذاعة تشكل نصف حياتي، فهي مهنة ممتعة رغم متاعبها فمتعتها أقوى من متاعبها، بالنسبة إلى من يعشقها أصلا ودخلها عن عشق وليس طلبا للوظيفة.

  • أمنياتك بالنسبة لإذاعة دمشق بعد أن تحال إلى التقاعد؟
  • ** أتمنى لإذاعة دمشق الحبيبة والتي صادف عيدها الثاني والستون في الرابع من شباط مزيدا من التقدم والازدهار، وأن تبقى دائما في الريادة هي وجميع العاملين فيها، ومزيدا من التقدم والتوفيق، وكلي أمل أن تتحسن أوضاعها في ظل وجود كادر مؤهل للعمل الإذاعي ومن بينهم ابني معن الذي هو امتداد لي في إذاعة صوت الشعب، ليس لأنه "معن الجمعات" بل لأنه أثبت جدارته في العمل الإذاعي.

    بقي أن نذكر أن الأستاذ "محمود الجمعات" ولد في قرية "جباب" عام 1949 وتعلم الإعدادية والثانوية بالثانوية الشرعية بدمشق ثم انتسب إلى جامعة "دمشق" كلية الشريعة، وتخرج فيها ليعمل مدرساً.