يمثّل موسم جني الزيتون عرساً حورانياً حقيقياً، المزارعون يتعاونون مع بعضهم في جني المحصول عبر مظاهر فولكلورية وتراثية متوارثة منذ القدم، تجسد هوية ضاربة في أعماق التاريخ لمئات السنين، وعادات القطاف تتناقلها الأجيال، ولا تحيد عنها مهما كانت التغيرات.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الثاني 2015، التقت "خالد عويضة" المهتم بالتراث الحوراني، فقال: «موسم جني الزيتون بدأ موسمه منذ أسابيع حيث يعد عرساً حقيقياً، والمزارعون يتعاونون مع بعضهم في جني المحصول ليغنوا أهزوجة فرح وبهجة دائمة، إضافة إلى أنه تظاهرة محبة تتشارك فيها كل الأسرة، وفي هذا الموسم تخلو القرى بكل منازلها وبيوتها من أصحابها تماماً، حتى الأطفال الرضع يتوجهون إلى البرية، فإذا كان القصد من حصاد الزيتون هو أكله وتموينه فيجب علينا قطفه قبل أن ينضج كثيراً، وحباته المتساقطة على الأرض وحدها لا تخلط مع الزيتون المقطوف، لكيلا تلوث المقطوف من على الشجر، وإن قطف الثمار عن الأشجار ثم جمعها من على الأرض، وتعبئتها في أكياس أو أي عبوات أخرى، ونقلها إلى المعصرة أو مكان التجميع، أعمال تحتاج إلى مجهود كبير لصغر حجم ثمار الزيتون».

يشارك جميع أفرد الأسرة في عملية الجني والقطاف، يتسلق الرجال والأولاد الأشجار بينما النساء والفتيات يقمن بجني وتجميع ما يسقط من الثمار على الأرض، وجمعه في الأواني المتنوعة، وتقوم النساء المسنّات بربط أثوابهن من الأمام على خصورهن لتشكل المقدمة الأمامية للثوب وعاء لجمع المحصول، وللتغلب على الإجهاد من العمل المتواصل يمكن للرجال الغناء وترديد الأغاني والأهازيج الشعبية والفلكلورية المتوارثة والشعبية مثل: "الجوفية"، و"الهجيني"، وغيرها، وكذلك يمكن للنساء والفتيات ترديد الأغاني الخاصة بهن، إذا كن بعيدات على مسافة من الرجال، كما يمكن للجميع الاستمتاع بسرد القصص والحكايات الشعبية التي تحمل معاني البطولة وقيم الشجاعة

اعتباراً من بداية الصيف، يعكف المزارعون على إحصاء وتعداد الأيام المتبقية لهذا العرس، ويتابع "مروان العودة" أحد سكان المدينة والمهتمين بزراعة الزيتون بالقول: «لكل منطقة بـ"حوران" طقوسها وأدواتها التي تميزها، لذا يمثل موسم القطاف سنوياً فرحة للمزارعين طالما انتظروها، لأن زيت الزيتون هو أحد الأركان والأعمدة الأساسية لحياة الإنسان الحوراني، الذي يعمل على خدمة ما يمتلكه من بساتين حولاً بعد حول، واعتباراً من شهر تشرين الأول من كل عام يبدأ الموسم، ويستمر حتى ينتهي كل مزارع من جني محصوله، وعصر إنتاجه من الزيت كل حسب ما يمتلك، ومن لا يملك كرماً أو بستاناً من الزيتون يبحث عن عملية "ضمان أو مرابعة"؛ أي الاتفاق مع أحد الملاك على جني محصوله من الزيتون مقابل كمية معينة من الزيت، وعندما تنضج حبات الزيتون، يصبح لونها أخضر لامعاً، وفي بعض الأحيان منقطاً بنقاط بيضاء، ومن علامات نضج الزيتون تساقط قسم من ثماره على الأرض، ومن النصائح التي اعتدناها أن الثمار المقطوفة باليد تعطي زيتاً فاخراً».

الزيتون الحوراني المخصص للزيت

للتغلب على التعب من العمل المتواصل يقوم الرجال بترديد الأغاني والأهازيج الشعبية والفلكلورية المتوارثة، يقول "محمود الدوس" أحد كبار السن في المحافظة: «يشارك جميع أفرد الأسرة في عملية الجني والقطاف، يتسلق الرجال والأولاد الأشجار بينما النساء والفتيات يقمن بجني وتجميع ما يسقط من الثمار على الأرض، وجمعه في الأواني المتنوعة، وتقوم النساء المسنّات بربط أثوابهن من الأمام على خصورهن لتشكل المقدمة الأمامية للثوب وعاء لجمع المحصول، وللتغلب على الإجهاد من العمل المتواصل يمكن للرجال الغناء وترديد الأغاني والأهازيج الشعبية والفلكلورية المتوارثة والشعبية مثل: "الجوفية"، و"الهجيني"، وغيرها، وكذلك يمكن للنساء والفتيات ترديد الأغاني الخاصة بهن، إذا كن بعيدات على مسافة من الرجال، كما يمكن للجميع الاستمتاع بسرد القصص والحكايات الشعبية التي تحمل معاني البطولة وقيم الشجاعة».

ويقول "عمار الحشيش" مدير غرفة السياحة بالمنطقة الجنوبية: «مع غروب الشمس ودخول الذين يقومون بجني المحصول مرحلة التعب وجمع المحصول الذي تم قطافه، يتم نقل المحصول في أكياس من الخيش أو البلاستيك، بالجرارات أو على الدواب إلى أماكن التخزين في البيوت وغرف المؤونة، وتخزينه وإبقائه في الأكياس. وإذا كانت الثمار ناضجة أكثر مما ينبغي، ولعدم فقدان كمية من الزيت من الثمار أو تراجع الجودة، والنوعية في الزيت نتيجة التخزين الطويل في الأكياس بعد حجز دور في المعصرة؛ يتم نقل المحصول من البيت إلى المعصرة مباشرة، حيث يتم تفريغ المحصول في أماكن وأحواض خاصة، أو تفريغ الأكياس في الحوض الخاص بأحجار الرحى الضخمة التي كانت تنتشر في مناطق "تل شهاب" و"المزيريب"، والتي تدور في حركة دائرية آلية لهرس ثمار الزيتون وتقطيعها، أو في المعصرة الآلية الحديثة، حتى تصبح زيتاً يعبّأ في "تنك" من الحديد، أو "كالونات" بلاستيكية».

الحاج محمود الدوس
كروم الزيتون