يولد البيدر في "حوران" نهاية الموسم بعد مخاض طويل لحقل القمح، وتقوم "التَّبّانات" بنقل "التبن" والغلال على رؤوسهن إلى بيادر القرية لتسهيل عملية "الدراس"، وتكون البيادر مفصولة عن غيرها بحواجز من الحجارة التي يقال لها "سِنِسْالَة"، في أماكن مفتوحة للهواء لتسهيل أعمال التذرية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 14 أيلول 2015، السيد "زهير الجندي" أحد سكان مدينة "نوى"، ويقول: «موسم البيدر هو الموسم الذي ينتظره كل من "الدكنجي والحلاق والناطور" كل عام، فيحمل "الدكنجي" كيسه ليسترد ما اشتراه منه الفلاح طوال الموسم من حبوب وحلويات ويستردها قمحاً، ويرافقه الحلاق الذي يحمل أيضاً كيسه وصاعه ويذهب إلى البيادر "ليَسْتَدَّ" أجرته مقابل عمله طوال العام في الحلاقة للكبار والأطفال من العائلة، ويملأ الصاع "مَسْحَه" أي يمسحه على مستوى الخشب، ثم يبدأ التفريغ منه حتى يظهر قاع الصاع، وكذلك يفعل الناطور الذي يتقاضى صاعاً أو صاعين مقابل عمله طوال العام أو في موسم معين، في حماية مزروعات الفلاحين من اعتداء بعض الحيوانات والسارقين، وإذا كان "الرجاد" على الآلية ينتظر صاحب الآلية آلة موسم البيدر ليأخذ أجره، أو صاحب "الجمال" التي كان يرجد عليها».

تبدأ رحلة موسم البيدر بعد انتهاء موسم الحصاد، ويكون التعاون السمة الرئيسة فيه بجميع قرى حوران، فالعلاقات الاجتماعية تسود مجتمع القرية والعمل اليومي بالحقل، فإذا تغيب أحد الفلاحين عن بيدره يقوم جاره بالأعمال بدلاً منه حتى يعود، ومن أساليب التعامل بين الفلاحين على البيدر دعوة بعضهم إلى وجبات الطعام، ولا يتردد من يملك "الماعون" أو الحيوان في إعارته لجاره أو لمن يطلب ذلك منه

السيد "مروان العودة" أحد سكان منطقة "الضاحية" تحدث عن موسم البيدر في "حوران" بالقول: «تبدأ رحلة موسم البيدر بعد انتهاء موسم الحصاد، ويكون التعاون السمة الرئيسة فيه بجميع قرى حوران، فالعلاقات الاجتماعية تسود مجتمع القرية والعمل اليومي بالحقل، فإذا تغيب أحد الفلاحين عن بيدره يقوم جاره بالأعمال بدلاً منه حتى يعود، ومن أساليب التعامل بين الفلاحين على البيدر دعوة بعضهم إلى وجبات الطعام، ولا يتردد من يملك "الماعون" أو الحيوان في إعارته لجاره أو لمن يطلب ذلك منه».

عملية غمار القمح

ويتابع: «يستعير أيضاً الفلاح الحيوانات للدرس أو النقل، وكان من المألوف أن يطلب فلاح ليس لديه محصول كبير وليس لديه بيدر خاص، من آخر أن يستعمل بيدره لأنه سينهي العمل قبل أن يحتاج الآخر إلى البيدر بسبب انشغاله في جمع المحصول ونقله، وتعمل المرأة والرجل وأفراد العائلة القادرون على العمل كل بمقدار طاقته، وتقوم النساء بنقل "التبن" وتطلق صفة "التَّبّانات" على النساء اللواتي يشتركن في أعمال نقل التبن على رؤوسهن، وبعد بدء الحصاد يوزع الفلاح الصاع الأول من "الصليبة" الأولى وهي غربلة القمح وجعله صبة واحدة، للفقراء أو الأطفال ويسمى هذا الصاع، ويهتم الجيران كل بمن حوله يوم "تصليب الصليبة" عندما يجهزها الفلاح وتكون جاهزة ومن دون "تبن"، فأغلب الأحيان يزور الجيران أو الأقارب الفلاح الذي "صلَّب"».

"خالد عويضة" وهو فلاح من المنطقة، تحدث عن ميزات البيدر وصفاته بالقول: «عند الانتهاء من الحصاد تنقل الغلال إلى بيادر القرية ليسهل عملية "الدراس"، حيث يقوم الجرار بنقل أو "رجد" "غمارات" القمح من مكان الحصيدة إلى البيدر لإتمام عملية فصل الحب عن السنابل، حيث يُولدُ البيدر في نهاية الموسم بعد مخاض طويل لحقل القمح، وقابلةُ البيدر مناجل الحصّادين، يتكوم البيدر لحظة لحظة؛ الذي كان جزءاً من مشاع القرية أي إنه كان يحق لكل فلاح استعمال البيادر فكل يعرف موقعه فيها، وتكون مرحلة تجميع المحصول بمكان واحد وهو "البيدر"، الذي يقع في الجهة الشرقية للقرية كي لا تحمل الرياح "التبن" الناعم إلى بيوت القرية، وبعد أن تجمع غلال العدس و"القيطاني" يعمد إلى درسها قبل دراسة القمح والشعير، ونادراً ما يتجمع أكثر من محصول على البيدر في آن واحد، وإن حصل ذلك فإن الفلاح يسرع للانتهاء من الأعمال المطلوبة لأحد هذه المحاصيل ليتسنى له وضع محصول آخر كما في حالة تجميع محصولي القمح والشعير».

اجتماع الأولاد في البيدر

ويقول "موسى القاسم" أحد كبار السن في مدينة "درعا": «تنظيف البيدر من مخلفات الطبيعة "حجارة، وأشواك وأعشاب يابسة"، هو أول الأعمال التي يقوم بها الفلاح في البيدر، ولأن الهواء المطلوب للتذرية أغلبه يكون "الهوا الغربي"، يترك الفلاح مساحة كافية من الجهة الشرقية لأعمال الدراسة و"التذراية"، وبعد أن يبدأ الفلاح نقل محصوله إلى البيدر عليه أن يهتم بوضعه في مكان مناسب، وأغلب الأحيان يكون هذا المكان طرفه الغربي ليترك مساحة كافية للأعمال القادمة، كما يحرص الفلاح أيضاً على أن يشغل المحصول أقل مساحة ممكنة، وذلك بترتيبه المحصول "غْمور القش" أفقياً ورأسياً ترتيباً منتظماً من دون بعثرة المحصول على البيدر، ثم "العْبور" أي نقل المحصول و"التبن" والقصل "القَصْوَل" إلى البيت للتخزين، ويكون البيدر باستمرار مدعاة فخر للفلاح لأنه يعتمد عليه في سداد الدين وتزويج الأبناء، فيقول:

"يا ريت الحصيدة كل عام تعود.... ونحصد الحصايد وندرس ع القاعود"».

السيد خالد عويضة