في زمن سرقت فيه الرفاهية والكمالية الصناعية والتكنولوجية جمال الطبيعة البكر وسجية الإنسان الغضة، يصر الفنان النحات سعد شوقي على مداعبة صلد الصخر ليقدم فريد الإبداع وطريفه إلى فئة حرمت نعمة البصر، إلا أنها حظيت بنعمة البصيرة الصادقة.

الفنان سعد شوقي وبعد رحلة سبقت الزمن في عطائها، عاد من أحضان الجزائر إلى أرض الوطن عودة مضفرة ليستكمل مشواره الفني عبر مشروع يسعى خلاله إلى احتضان المواهب الفنية، وقد كان لموقع eDaraa اللقاء التالي حول تجربته الفنية في الجزائر، وعلى الأخص (أنت عيني).

  • بداية لنقف عند حياتك الشخصية.. المولد والنشأة؟
  • منحوتة محمد الدرة

    ولدت وسط عائلة بسيطة في حوران عام 1949، والدي شاعر ومجاهد وخطيب، تأثرت كثيراً بشقيقتي الكبرى /هلال/ فعلمتني وبإتقان فن الرسم، هي الأخرى تتلمذت على يد كبار الفنانين السوريين من أمثال الفنان /أدهم سليمان/ وممدوح قشلان.

  • كيف اتجهت إلى فن النحت...؟
  • تلك حكاية رافقتني منذ الربيع الأول من عمري، وأذكر حين كنت في الثالثة عشر من عمري حيث ساعدت والدي في انجاز مشروع طبوغرافي أعجبني هذا العمل ومنه اتجهت إلى جمع الأحجار الكلسية، وعملت منها منحوتات صغيرة احتفظت بها في غرفتي وكان أغلبها عن المرأة ومن أجملها منحوتة سميتها (استراحة لرقصة السماح). بعد حصولي على الشهادة الثانوية انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وهناك تعاملت بشكل كبير مع مادة الطين، وفي أحد الأيام تخيلت أني سأستيقظ ذات صباح وكل شيء من حولي مظلم لا نور فيه أي أني فاقد البصر فكيف لي أن أكمل مسيرتي الفنية.. كيف سأرسم وأداعب الصخر.. وضعت وشاحاً على عيني ورحت أشكل خطوطاً ثم شعرت كأنما غمامة سوداء أطبقت على صدري لا على عيني فحسب، نزعت الوشاح وحمدت الله على نعمة البصر وعندها أدركت أن فن النحت يقوم على الإحساس المرهف وهو يعتمد على اللمس.

  • ماذا عن تجربتك الفنية في الجزائر وما الرسالة التي حملتها في تجربة أنت عيني..؟
  • بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلة في عام 1977 وممارسة العمل الفني في سورية لمدة ثلاث سنوات، سافرت إلى الجزائر وعملت كمدرس لمادة التربية الفنية في العديد من الثانويات ثم أصبحت عضوا في الاتحاد الوطني للفنون الثقافية وعضو نقابة الفنانين بالجزائر وكذلك عضو شرف في اتحاد الكتاب الجزائريين، والأجمل من كل ذلك هو تجربتي الفنية "أنت عيني"، هذا الضرير هو إنسان فاعل، فالمكفوفون ليسوا معاقين، ومنهم عباقرة عزف وكتابة وغناء، فلم لا يكون منهم عباقرة فن؟ راودتني الأفكار وعلى مدى خمسة أعوام بتقديم تقانة فريدة إلى هؤلاء فبادرت بالمطالبة بإدماج مادة النحت ضمن المقررات في مدارس المكفوفين، جاءت فكرة إقامة معرض لهؤلاء حيث تم عرض هذا العمل في شهر شباط بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، (أنت عيني) ليس حدثا ثقافيا أو فنيا أو اعلاميا بقدر ما كان إنسانيا لأنه أعطى للمكفوفين فرصة المشاركة كغيرهم.

  • منحوتاتك حاملة لمواضيع وعناوين عدة منها منحوتة محمد الدرة التي قدمت من خلالها للمكفوفين صورة جلية لحظة إطلاق النار عليه، وفي المقطع الآخر موضوع خارطة فلسطين فهل للتجارب نموذج يري الأشياء من خلال جوهرها..؟
  • طبيعي، نحن نأخذ الجوهر مباشرة، فالفنان يرى ما لا يراه الآخرون ،أي إنه العين الثاقبة التي من خلالها يسير المجتمع خلفه بكل طمأنينة، فأنا من خلال الدرة اجعل من قسوة النحت صورة اصدق تعبيراً من الكلمات، أنا لم آخذ هذه الصورة الوحيدة بل هي من بين آلاف الصور التي تأتينا عن الشعب الفلسطيني ..لذلك على مثقفينا أن يحاولوا التعمق في هذه القضايا من اجل تحريك الوعي العام.

  • أخيرا نستطيع تشبيه قساوة الصخر بجهاز للاستشعار عن بعد لدى المكفوفين، ماذا تقول في ذلك..؟
  • الصخر لين ..في أعمالي النحتية ليس لي دور فيها سوى نفض الغبار عنها، فالعمل موجود في داخل الصخرة وبإدخال قليل من الهواء والحركة يظهر جوهر الصخرة وما تحمله من قضايا اجتماعية، وحديثي مع الصخر امتد على مدى أربعين عاماً، ولدت في سورية بدرعا الحوراء التي ينام فيها الناس بأمان الحجارة، فكانت الحجارة لغة فني ولهوي وأترابي من الصبيان.