يشكل خان التتن جزءاً لا يتجزأ من السوق القديم ويرتبط معه ترابطاً داخلياً قوياً بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي.

"eDamascus" التقى الباحث التاريخي "أنس حسين"، فيبدأ حديثه قائلاً: «منذ بزوغ فجر الحضارات ودمشق تتبوأ مركزاً حضارياً ولها موقعها على طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وهي مقصد للتجار والقوافل التجارية والزائرين من كل مكان، وبذلك كانت مركزاً قيادياً للتجارة، كل ذلك دعا لإقامة أماكن تقدم الخدمات والأمان للتجار والزوار والمسافرين، لذا كان لابد من ازدهار إشادة الخانات في داخل المدينة وخارجها على طرقات المسافرين، والخان لفظة فارسيّة أُطلقت على مكان مَبيت المسافرين».

للخان وظيفتان أساسيتان الأولى اجتماعية والثانية تجارية، فهو المكان الذي يقدم الراحة والأمان للمسافرين ودوابهم "الجِمال والأحصنة والحمير"، وكذلك يقدم الخدمات التجارية في الطابق الأرضي حيث يتم عقد الصفقات التجارية بين المسافرين أنفسهم أو بينهم وبين أبناء المدينة

يواصل "حسين" حديثه، فيقول: «من حيث التصميم كان الخان إجمالاً مربّع الشكل، وغالباً كان يتكون من طابقين، تحتلّ أركانَه أبراجُ للمراقبة والدفاع، وقد يحيط به سور خارجي مُدعَم وبوّابة ضخمة مُحكمة الإغلاق ليلاً، ما يجعل الخان كالحصن الصغير، وكانت غرف المسافرين موزّعة بين الطابقين أو في الطبقة العليا، وفي بعض الخانات المتواضعة كانت غرف النوم مشتركة يرقد فيها المسافرون على منصّات مرتفعة عن الأرض».

الخان من الداخل

وحول "خان التتن" يقول "حسين": «خان التتن كبقية خانات دمشق لم يتم توثيقه عبر الأيام بشكل جيد، فهذا الخان أشيد في منتصف القرن الثامن عشر في العهد العثماني، وقد يكون بناؤه تم حوالي عام 1757 م، أي إنه مضى على بنائه قرابة 250 عاماً، تم إشادة الخان على الطراز المعماري العثماني واستعمل الحجر الأبلق "الأبيض والأسود" في إشادته وتزيينه كما هي الحال في باقي الخانات، ويتألف من طابقين يحتوي الطابق الأرضي على 12 مخزناً، وللخان بوابة كبيرة يليها دهليز "مدخل" يؤدي إلى ساحة الخان التي هي أقرب إلى الشكل المستطيل ومغطاة بثلاث قباب».

كما التقينا السيد "محمد خيري شكري" عضو في لجنة خان التتن، والذي بدأ حديثه قائلاً: «التتن كلمة تركية يعرفها أهل الشام تماماً وكانت متداولة من قبلهم وهي تعني التبغ والسجائر، حيث أنشأ العثمانيون خاناً خاصاً في سوق السلاح خصصّوه لتجارة التتن "التبغ" وأطلقوا عليه اسم خان "التتن"، وذلك في زمن السلطان العثماني "أحمد خان الثالث" ووالي دمشق "ناصيف باشا"».

السيد محمد خيري شكري

وحول موقع الخان ووصفه المعماري والهندسي، يقول "شكري": «يقع الخان إلى جنوبي الجامع الأموي وشرقي خان الحرير، وبابه مفتوح على سوق السلاح، وللخان ثلاث قباب كبيرة، ويمتاز بوجود جناحين يتفرعان من باحته بوساطة دهليز ضيّق، القبة المركزية للخان مغلقة في حين القبتان التاليتان مفتوحتان، ويتألف الخان "التتن" كبقية الخانات "دمشق" من طابقين مشرفين على باحة مكشوفة، وبعد الباب الكبير الذي يشكل المدخل الرئيسي للخان، يوجد غرفتان صغيرتان للإدارة والمراقبة، يعقبهما درجان يصلان إلى الطابق العلوي المحاط برواق مفتوح على الباحة المكشوفة، وتنفتح على الأروقة الأربع أبواب ونوافذ الغرف أو الوحدات المؤلفة من عدد من الغرف، والتي تستوعب وتؤوي المسافرين، وتُغطَّى هذه الغرف بقباب نصف كروية، وجهّزت بمصاطب "أسرّة للنوم"، ويتضمن الخان إضافة لغرف المنامة دورات المياه "مراحيض" وحمامات، كما تتوسط باحة الخان بحرة "بركة ماء" كبيرة لسقاية الدواب، ومسجداً صغيراً، وعلى مرّ الأيام غيّر الخان تخصصه الأصلي المتمثل في تجارة التتن "التبغ" بمهن مختلفة فهو حالياً متاجر وورش ومستودعات».

يواصل السيد "شكري" حديثه قائلاً: «للخان وظيفتان أساسيتان الأولى اجتماعية والثانية تجارية، فهو المكان الذي يقدم الراحة والأمان للمسافرين ودوابهم "الجِمال والأحصنة والحمير"، وكذلك يقدم الخدمات التجارية في الطابق الأرضي حيث يتم عقد الصفقات التجارية بين المسافرين أنفسهم أو بينهم وبين أبناء المدينة».

نوافذ الغرف في الطابق العلوي

وحول وضع الاجتماعي والتجاري للخان، يقول "شكري": «كما ذكرنا فقد جرى استبدال التخصص الأصلي لخان التتن المتمثل في تجارة التبغ باستخدامات مختلفة فهو يضم اليوم عدداً من المتاجر والمكاتب وفراغات التخزين، كما أنه يضمّ ورش عمل للفضة والذهب، وهنالك أعمال تجارية أخرى مثل أدوات المطبخ، ومطحنة للتوابل ومخزن للعطور، إضافة إلى متاجر للنحاسيات المنقوشة يدوياً، والملبوسات القطنية المطبوعة يدوياً، والزجاج الملون، والسجاد الصوفي المنسوج يدوياً، وتعود ملكية الخان إلى 15 مالكاً، يشغّل الخان حوالي 70 مستأجراً».

وحول الوضع العام لبناء خان "التتن"، يقول السيد "شكري": «يشير تقرير الوكالة الألمانية للتعاون الفني الصادر في "دمشق وبرلين" في نيسان عام 2010، أن وضع بناء "البنية الإنشائية" لخان "التتن" في وضع متوسط، ولكن يورد التقرير الألماني في مكان آخر على لسان عدد من المشاركين في اللقاءات التي أجراها أن المتاجر بحاجة إلى تجديد "دهان، ديكور، تجديد السقف، تحسين أنظمة الصرف الصحي والمياه».

وأخيراً يقول "حسين": «الخانات هي إرث تاريخي وحضاري يشهد على عراقة دمشق، وهي كنوز لا تقدر بثمن، وتعتبر هذه الخانات من أجمل الخانات في العالم، وبالإمكان تحويل الفعاليات التجارية الموجودة في هذه الخانات إلى فعاليات تسهم في الحفاظ عليها وتعطي الطابع السياحي والتراثي، وتعمل على إظهار القيمة التاريخية والأثرية وتجعل من هذه الخانات درة تجذب السائحين، وتحكي لأبنائنا عن أصالة أقدم عاصمة في التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً».